رحلة قصيرة
________
أحدثكم الآن من دبي ، من حي (ديره دبي) وأنا أستعد الآن للسفر ، لبست ثيابي ولم أرتب شنطة السفر ذلك أن رحلتي قصيرة لن تتعدى الذهاب لمطار البحرين والعودة مباشرة ، يعني قرابة الساعتين ثلاثة فقط وهذه المدة لن تحتاج مني ملابس وشنطة سفر .
حملت جوازي وتأكدت أن معي من النقد ما يكفي ويزيد لهذه الرحلة ، وفعلاً كان معي حدود ثلاثة ألاف درهم إماراتي وفي العادة لا أحمل مثل هذا المبلغ نقداً معي ولكنها مشيئة الله عز وجل ، نزلت الدرج وكان صديقي "د.سعيد" سوداني الجنسية بانتظاري لكي يوصلني لمطار دبي ، ولكن سعيد من الحريصين على المثل القائل "قطع العادة عداوة" لذلك كان ولابد أن يمر على قهوة "ياسمين" صباحاً ليقابل النادلة الحبشية أم عيون وساع وشعر كثيف وضحكة ساحرة ويصبح عليها ويمزح معها ، ولقد كان في حسابي أننا سنأخذ على الأقل ساعة في هذه الجلسة ، وفعلاً جلسنا هذه الساعة في شرب القهوة والشيشة التي كانت الرفيق الدائم لي في كل رحلة أخرج بها خارج الوطن الأم "السعودية" فانا يمني مقيم في السعودية .
في كل دقيقة تمر كنتُ أشاهد الساعة خوفاً أن أتأخر عن موعد الحضور و سعيد مستمتع بحواره مع ياسمين التي من الطبيعي لديها محادثة الرجال بالأوقات الطويلة ومجاملتهم حتى تضمن عودتهم من جديد لشرب القهوة والشاي ، وخاصة القهوة الحبشية التي يسمونها "الجبَنة" ، وهذه لوحدها لها قصة فحين تطلبها تحضّرها لك المتخصصة بها ، وتجلبها لك أجمل فتاة موجودة في المحل ، وعادة المحلات تكون بها فتاتين أو أكثر جميلات من أجل التسويق وتحسين أداء العمل ، ومن كان له ميزة في المحل تحضر له صاحبة المحل بنفسها تقديراً له ولمكانته عندها .
وهذه " الجَبَنَة " تؤهل طالبها أن تجلس معه فتاة جميلة تصب له القهوة وتحادثه وينظر لها في دقائق لا يدري هل هي ساعات أم أيام ، ثم إذا به قد شرب لوحده قهوة تكفي لأربعة رجال على الأقل ، وبعضهم يعود كثيراً فقط لأجل هذه الرفقة الجميلة .
المهم شربنا القهوة والشيشة وتمتعنا بوقت لطيف مع فاتنات الحبشة لأن الوقت كان مبكراً ولا يوجد في المحل سواي أنا وسعيد معهن ، ثم توجهنا إلى السيارة التي كان ولابد من إخراجها قبل انقضاء الساعة لأنه قد نحصل على مخالفة ، فمعظم شوارع مدينة دبي الوقوف بها ليس مجانا والساعة بدرهمين والحسابة بتحسب .
بلدية دبي مهتمة جداً بهكذا أمور ، فتجد على رأس كل شارع عامل أو عاملين يراقبون السيارات باستمرار ويعرفون من قدم ومن خرج خلال الساعة ومن يستحق المخالفة ، لذلك من النادر أن تجد من يفلت من المخالفة ، وهذا ما حصل معنا ، نفذنا من المخالفة حيث أننا سبقنا العامل قبل أن يكتب مخالفته وكان طيباً فقبل اعتذارنا ومضى الأمر إلى خير ولله الحمد ، والملاحظ أن هذه العمالة هي في معظمها من الجنسية اليمنية أو السودانية ، فدولة الإمارات حفظها الله لا تفرق كثيراً في هذه المسألة ولا تحارب العمالة العربية وذلك بسبب قلة المواطنين وكثرة الأعمال .
ركبنا السيارة وتوجهنا خروجاً من أزقة الحارة مروراً بأفواج الهنود وعمارات الإيران وأسواق الغرب وناطحات السحاب التي تملأ مدينة دبي ومراكزها الجميلة وشواطئها الفاتنة ، كأننا في نظرة أخيرة لهذه المدينة الجميلة التي لا تُنسى بحق .
السيارات والإشارات كثيرة والشوارع ضيقة ، رغم هذا المرور منتظم ، وكنا في وقت ليس مزدحماً فوصلنا في أقل من نصف ساعة ، وكانت الساعة الحادية عشر ظهراً ورحلتي في الثانية عشر ونصف ،الصعود والإقلاع في الواحدة والوصول للبحرين في الثانية وأقل والعودة إلى دبي في الثالثة ويزيد قليلاً ، فكان سعيد يقول ضاحكاً : ما رأيك أن انتظرك في المطار ؟ فهذه رحلة قصيرة ، والمسألة ثلاث ساعات سأنتظرك وبإمكاني قضاء وقت ممتعاً في المطار خلال هذه الفترة فهي كما ترى - وكما هي دبي - ممتلئة بكل جمال .
قلت له اتركني هنا وانصرف وبيننا العصر إنشاء الله سوف اتصل بك حالما أصل ويسمح لي بالدخول ، فانا كما تعرف يمني وقد لا يُسمح لي بالدخول إلا بكفيل ويخدمني في هذا مهنتي "محاسب" أما الفلوس فلا تنفع بحال في هذه المشكلة ، والكفيل سيحتاج بعض الوقت للتفتيش عنه وإحضاره وتكملة الأوراق وقضية سيطول شرحها .
وفعلاً أنصرف سعيد وتوجهتُ إلى داخل المطار حتى أبدأ في إجراءات سفري التي في الحقيقة كنت أعتقد أنها رحلة قصيرة ، ولم يدر في الحسبان ما جرى وما كان .
... يتبع
[line]
هذه القصة حقيقية بكل ما فيها من أحداث ومسميات للمدن أو الشركات أو الأشخاص ، وقد وقعت أحداث هذه القصة للشاب "خالد" وهو يمني الجنسية وسنه يقارب الأربعين ، محاسب ويعمل في مجال التجارة ، وهو كثير السفر والتنقل بين دول الخليج والصين وبعض الدول الأخرى ، وحدثت لهُ هذه القصة في إحدى سفراتهُ في مدينة دبي التي كان لابد من الخروج منها عند اكتمال ثلاثين يوماً والعودة مجدداً .