يضرب اليم المتلاطم الأمواج سفينتنا ، كأنه يعاقبها على طعن صدره وإقلاق راحته ،شعرنا أن السماء غضبت لغضبه ، تضامنت معه للقضاء علينا ..
أرسلت البرق ليشق السحاب شقاً ، كأنه سوط تضربنا به .
في دوامة الخوف ، احتضن طفلي ، صار جسدي درعا يحميه ،
كان معنا على السفينة ، بحار وزوجته وبناته ، قبل هبوب العاصفة تجاذبنا الحديث أنا وزوجة البحار ، عرفت منها أنها لم تنجب سوى بنات أملا في ولد ، كاد زوجها يُجن ، فهو في أشد الحاجة لابن ، يكون سندا له ودفة لعمره وبوصلة زمانه .
قطع اهتزاز السفينة حديثنا ، كأننا في زلزال بحري جعلنا على حافة النهاية .
مازلت احتضن طفلي ، رأيت عيونهم تقتنص طفلي من بين أحضاني ، يغزلان بالحقد مؤامرة لنا ، تشتد العاصفة تضرب السفينة ضربا مبرحا ، حتى أن آثار الضرب بدأت تظهر على جسدها .
جاء البحار وقال لي:
إن السفينة حمولتها زائدة ويجب أن تخلى من فرد واحد ‘ فإما أن تقفزين باليم أو تلقي بطفلك ، نظرت لزوجته وبناته ينظرن إلىّ شذرا ، أحدث نفسي ..
لن يبقي علينا ويلقي بزوجته أو واحدة من بناته .
قلت له : بالله عليك حاول أن تسيطر على القارب ، كيف لي أن أقفز أو القي بفلذة كبدي في اليم .؟ الاختياران يقتلاني ، سأموت في كليهما .
قال : لا فائدة من الحديث ولا يوجد حل آخر ، سأمهلك فرصة تقرري ماذا تفعلين ..؟
تخلوا الدنيا وأمامي أصعب اختيارين ، أدناهما قاتل أعلاهما مميت ، في كليهما مذبوحة لكن ليس أمامي سوى أن اختار .
كيف ألقي فلذة كبدي وعمري في غياهب اليم يلتهمه هذا الوحش الكاسر ، أأتركه يغرق أمامي .؟ كيف سأرى عينيه وهو يغرق وهى تناشداني النجدة ..؟ كيف أتركه ليبتلعه هذا الظلام الموحش ، ليس معه سوى ذكرى أمه التي قتلته لتعيش هى ..؟
لا لن أبني عمري على أنقاض عمره الصغير .
وإن مت أنا ، لمن أتركه .؟ والله كيف سألقاه .؟ كيف سأجيب عن سؤاله عن عمري فيما أفنيته .؟ وأنا صلاتي متقطعة ، وما قرأت من القرآن لا يكفي لأن يكون رفيقي بمماتي ، علىّ أيام من صيامي لم أتمها ، وزكاتي قليلة ، ولم أحج ..
ماذا أقول .؟ مالذي لهاني عن ذكره ..؟ أخاف الموت وأنا فقيرة
ميزاني خالي الوفاض ..
يا ربي ماذا أفعل انتهت مدة التفكير . ولا أستطيع أن ألقي بنفسي أو بطفلي ، كلما زدت حيرة زاد اليم غضباً ، كأنه يستعد ليلتهم أحدنا ، حتى يهدأ وتذهب رياحه ، أرى البحار ،كأنه يمسك سكين يستعد لذبحي أو طفلي ليقدمنا قربانا لإله اليم والسموات السبع حتى يعود سالما وعائلته ..
إذن ليس أمامي سوى حل واحد ، أن أموت وطفلي ، لعل الله أن يغفر ذنوبي ببراءته إذا دفن معي بقبر واحد ، والجميع ينظرون لي ، الزوجة نظراتها الحبلى تنظر لابني ، الرجل يقضم شفتيه مستعدا ليقتنص قلبي من بين يدي .
وجدتني أقطع ذيل ثوبي ، ربطت يدي بيد ابني ، كأنه حبل سرىّ جديد لا يفرقنا أبدا ، احتضنته بكل قوتي ، هممت للقفز باليم ، فإذا بطفلي يصرخ صرخة عالية أيقظني ..