مغامرة محمومة
وقفت أرقب الوجوه حولي في موقف الحافلات ، شقراء شعرها انساب على كتفيها ، تنشغل بحقيبة وضعتها على الأرض لتتخذ منها مقعدا.
التقت أعيننا دون قصد ، استوقفتني نظرتها ، باغتتني بابتسامة ، محدقة نظراتها لا تنداح ببصرها عني ، أدركت من ملامحي بشعري القاتم ، وحاجبي الغليظين ، شواربي الكثة ، لون بشرتي ، أني غريب ، فتعلقت نظراتها بي ، ولم تفارقني .
نهضَت حال وصول الحافلة ، وانشغَلت برفع تلك الحقيبة ، لحظة هبت ريح حملت أتربة الرصيف لتذروها في الوجوه الواقفة ، ألقت بما في يدها تمسك أطراف ثوبها القرمزي الذي تلاعبت به الريح ، اختل توازنها حتى كادت تسقط بتعثرها بتلك الحقيبة القابعة على أرض الرصيف .
اندفعت دون وعي إليها أساعدها بالنهوض ، أسندت جسدها بذراعي أقيها السقوط ، وما أن لامست يدي ذلك الجسد البض ، حتى سرت بجسدي ارتعاشة شحب وجهي لها ، وأخفيته بانحناءة حتى صار بين صدري وصدرها ، حملت الحقيبة ، وساعدتها على الصعود إلى الحافلة، اجتزت المقاعد بحثا عن مقعدين شاغرين ، فلن أفوت الفرصة التي أتتني دون سابق تدبير ، رفعت الحقيبة ، وضعتها في المكان المخصص .. ، ومنحتها الفرصة لتسبقني في الجلوس ، لامس جسدها جسدي ، ، تدفق الدم إلى وجهي ، تصبب جبيني عرقا ، جلست ،وجلست إلى جانبها، تعارفنا بعد لحظات صمت، ولا زالت تلك الإبتسامة على شفتيها تحاصرني ، فأخفض نظراتي تهربا من عينيها المصوبة إلي كالسهام .
ـ اسمي إيمي ..
رفعت بصري ، لتعاود تلك النظرات محاصرتي .
ـ سـ .. سـ .. سامي ..
كنت أتوسل صوتها ، وهي تبتلعني بنظراتها ، وأفكاري تتأجج بخيالات ، لمغامرة محمومة ، اخوض غمارها مع حسناء أمريكية ، آه من تلك العينين الزرقاوين ، كيف باتت تتفحصني ، سرت الرعشة في جسدي ، ابتسمت ، وأنا أحس التشنجات في أحشائي ، ولا زالت الصور تداعب خيالي .
لم أشعر بالوقت الذي مضى برفقتها ، إلى أن توقفت الحافلة في آخر موقف لها ، بارتباك وخوف من انفلات الصيد من يدي ، توقفت لتناول الحقيبة ، لنغادر الحافله .
كانت تسير من خلفي وكلما تعثرت الخطى بين المقاعد ، كنت أحس ملامسة جسدها لجسدي ، فيزيد إصرار ذلك النداء بداخلي ، لخوض المغامرة .
على رصيف الموقف ، وقفت لا تدري أتودعني أم تنتظر أن أقدم لها دعوة لمكان ما ، النظرات كانت تبوح بما يغني عن كل كلام ، كانت نظراتي رحلة استكشاف للجسد الممشوق أمامي ، فهمت العيون لغة الجسد .
شقتي قريبة من الموقف ، لم لا تأتي لشرب القهوه أو شراب بارد .. ؟؟هكذا قالتها ، ولم أفكر طويلا .. قبلت الدعوة وداخلي يضج بالفرح ، حتى أني لم أشعر بالحقيبة التي كانت تثقل يدي ، لا مجال للرفض ، فقد تحقق المأمول ، ابتسمت ابتسامةأخفيت مكري خلفها ، وافقت دون تردد ، وداخلي يرقص فرحا ، والصور تتوالى في مخيلتي .
في صالة صغيرة ، طلبت مني أن أستريح ريثما تبدل ثيابها ، كانت نظراتي تتجول في الزوايا بسرعة غريبه تتفقد المكان ، وكأني أستحثها للعودة سريعا ، مقعد طويل في الصالة ، ومقعد آخر يتسع لشخص واحد ، تتوسط المساحة أمامهما طاولة صغيرة ، صورة لشاب وسيم احتلت الحائط ، لعلي ذعرت حين رأيتها، ربما زوجها ، أو صديقها ، كم خشيت أن تنتهي المغامرة بكوب قهوة أو كأس من المشروبات الغازية ، بدأ الفضول ينهشني ، وبدأت التساؤلات تطرق رأسي ، تراه من يكون ؟؟
لم أدرِ ما أفعل ، أحسست أن غيابها طال ساعات ، وأنا أنتظر متحرقا بفضولي .. لم تراها تأخرت ؟؟ هل هو معها في الداخل ؟!!
لم أدرِ متى ظهرت أمامي ، لم ألحظ حتى عودتها ، كانت الأفكار تتناهشني ، فوجئت بوجودها أمامي، لازالت تحمل نفس الإبتسامة ، وكأسين من العصير ، جلست إلى جانبي ، والأفكار تتضارب في راسي ، كنت أخشى من تلك الصورة التي ترقبني ، لا أدري كيف باغتها بالسؤال ..
ـ من هذا الشاب ؟؟
بذهول ، نظرت إليها فاغرا الفاه مشدوها ، لا أدري ما أفعل في ارتباكي المفاجئ لردها، نهضت أبحث عن باب المنزل ، لأسلم قدمي للطريق ، كنت أركض في الشارع يصفع وجهي صوتها والهواء .. ابتسامتها تقرص أمعائي ، اختنقت بقيء داهمني للحظة ، وقفت لأريح معدتي مما تتخبط به ، وصوتها طنين في أذني .................
" هذه أنا قبل ثلاث سنوات " ...