ران الصمت الأزلي في الغرفة، وصدى دقات الساعة سمفونية عنوانها الحزن، وبدأت الأفكار تتلاطم في رأسها بينما الليل قادم بكل صمته ورعبه.
تنظر حولها بعيون أغرقها الدمع،تلك العيون التي باتت تحدق في ليل بهيم، وظلام دامس ابتلع كل ما في الحجرة ،ولم يترك سوى جسد آدمي ترامت آماله تحت قدميه.
تدور متعبة في غرفتها التي يعمها السكون ،وتعوم فيها الذكريات،ما تلبث أن تنظر إلى وجهها في المرآة حتى تقف مشدوهة ،وكأنها ترى ذلك الوجه للوهلة الأولى، ذلك الوجه الذي تبدو علامات الشحوب عليه، واضحة واليأس يأكل أطرافه، والبؤس يظلل ملامحه، تلك الهالات السوداء تحت عينيها،ذلك الجسد الذي تداعت اركانه، ونخرت حفافيه الهموم وصبغ أديمه سوادالحزن،ذلك الشعر المتساقط فوق جبهتها.
تلك الشفاه الذابلة الجافة................................
وتخور قواها’ وتستنفذ بقايا قوة كانت مختزنة بين ضلوعها،وتنكسر باكية بصمت يفوق صمت تلك الليلة،بحزن يضيق به الكون بأسره .
صرخت وشعرت الجدران الصماء تصرخ حولها،ضحكت بمرار وبؤس، لكن البريق الخافت في عينيها كشف عن أساريرها المدفونة في أعماقها وأظهر الحسرات الممزوجة بسنوات عمرها.
صرخت :واغربتاه واغربتاه واغربتاه
ألم دفين ضاجع روحها،ويد خفية اغتالت أجمل أحلامها،نعم لقد أحرقت أستار قلبها ألسنة الغدر ،ومزقت أوراق ذكرياتها أيدي الخيانة، ولم يبق لها في هذا العالم الغارق في الشذوذ سوى أمل يحتضر وذكرى بللتها الدموع .
لم يبق لها سوى ليال ثكلى عانقها السهاد ,وهجرها طيب الكرى.
أدركت في تلك اللحظة أن صلتها بهذا العالم قد انقطعت، وحان موعد الرحيل، الآن فقط تستطيع ان تقتل نفسها، وتسدل الستار على آخرفصل من فصول حياتها..................
لكن ماهذا الصوت !
انه الأذان تسلل صوته إلى خبايا قلبها ،ونفذ عبر استار روحها، سرى هادئا قويا أذاب أحزانها.
جثت بصمت ورفعت عينيها الذابلتين إلى السماء، وقالت بصوت مرتعش :
إلهي سامحني رأيت همي كبيرا
ونسيت أن ربي أكبر فاغفر لي.