ظـــن آخـــرارتبك لوجوده الخفي ، كادت أصابعه تسقط من راحتيه ، مخارج حروفه تختنق ، لسانه يترجرج و تجاويف الفم, حبات العرق تعلن عن نفسها على جبهته ، تتهافت على عينيه ، يجففها بأردان قميصه المنسدلة على أطراف يديه ، الكلمات المدببة لاتخطىء طريقها نحوه، تظاهر بإمتصاصها داخله ، لكن كل كلمة تشق جرحاً لها بجسده النحيل ، استقرت الكلمات ، كلمة بقلبة ، كلمة برأسه ، كلمة بين عينيه ، كلما أراد الدفاع عن نفسه المهتزة ، ُوضعت أمامه مرآة صافية ، رأى فيها وجوه الناس من حوله ، إلا وجهه لا يراه، يزداد قلقه ، توتره ، انهياره ،الدوار يلتف به ، ألقى به ليتقابل مع الأرض ، الرعشات تنزعه عن نفسه ، تعيده بقوة ، كصواعق الكهرباء ، يرتجف ، يتمتم بكلمات ضائعة ،تقدم نحوه بخطواته الورقية ، انحنى على كوم الخوف المرتعد من أمامه ، لملم بقاياه المتناثرة بهشيم الوهم ، لم ينبس كعادته بكلمة واحدة ، ترك الكومة خلفه ، رحل عن الجدار مع حلول الظلام .
محمد سامي البوهي