(( الولد الوحيد تحت الأشجار ))
الطّائر المسحور ظلّ ينوح على الغصن العالي : (( يا جوختي . يا جوختي !! )) ..
والولد الوحيد تحت الأشجار، سمع نواح الطّائر الحزين، فحزن لحزنه، ولعن في سرّه العجوز السّاحرة التي خدعت الأمير، فسرقت عباءته الجوخ، وسحرته إلى طائرٍ سيظلّ يبكي عباءته إلى ما شاء الله !! ..
الولد الوحيد بحث عن الطّائر المسحور بين الأغصان، ليرى تاجه الملكيّ . قالت الجدّة – كما يتذكّر الولد – في ليلة شتويّة عاصفة، وهم حول الموقد المتوهّج بجمر الزّيتون : إنّ الطائر المسحور جميلٌ ككلّ الأمراء، وإنّ السّاحرة الملعونة نسيت تاج الأمير قبل أن تسحره، فظهر فوق رأسه على شكل ريشات ذهبيّة رائعة !!
فجأة، سمع الولد صوت الطائر المسحور فوق رأسه تماماً، فميّز الحروف بوضوح كبير، ووجد نفسه يُردّد مع صوت الطّائر الحزين : (( يا جوختي . يا جوختي !! )) ..
الطائر المسحور سمع صوت الولد، وأحسّ بنغمة الحزن فيه ، فرفرف فوق رأسه قليلاً، ثمّ حطّ على الغصن الواطئ القريب من يد الولد ..
ابتسم الولد للطائر المسحور، وأحنى له رأسه باحترام عظيم :
- مرحباً سيّدي الأمير ..
- أهلاً . أهلاً أيّها الصّديق .
تكلّم الطائر المسحور بلغة الإنسان، فاندهش الولد، وفرح كثيراً؛ إذ تأكّد من صحّة رواية الجدّة ..
قال الولد للطائر المسحور :
- حدِّثْني يا سيّدي الأمير بحكايتك .
تنهّد الطائر المسحور من أعماقه، وفاضت عيناه بالدّموع التي تحوّلت، فور سقوطها، إلى دررٍ رائعة أدهشت الولد أكثر فأكثر، وقال :
- أخيراً وجدتك أيّها الصّديق !! ..
فتساءل الولد بفرح :
- أكنتَ تبحث عنّي ؟!!
هزّ الطائر المسحور رأسه بالإيجاب، ورفع جناحيه وقال :
- هنا، تحت هذين الجناحين، غرزت العجوز الساحرة مسلاّتها اللّعينة التي صيّرتني طائراً كما ترى، والتي لن يخرجها أحدٌ سواك !!
اقترب الولد من الطائر المسحور، ودقّق النّظر تحت الجناحين، فرأى أطراف المسلاّت المغروزة في اللّحم الحيّ ..
- ها هي . ها هي !! ..
هتف الولد بصوته الرّفيع وقد غمره الفرح، ومدّ يديه يريد نَزْع المسلاّت، لكنّه، وفي اللّحظة ذاتها، وجد نفسه ينتبه إلى بقيّة ضوء النّهار ..
كانت الشّمس على وشك المغيب، وكان الولد وحده تماماً تحت الأشجار، بينما الطائر المسحور ما يزال على الغصن العالي ينوح : (( يا جوختي . يا جوختي !! ))