اخترت يم الكتابة ليكون كشافا عن ما يستجنه ضميرنا المستتر من انفعالات وأحاسيس ، مفصحا عن ما يعتور تجربة حياتنا من آمال وطموح ، متحدثا فيه عن مشاريع حياة مليئة بالأحزان والأفراح ، غنية بمواقف الضعف والقوة ، تنتعش فيها إرادات متعددة ، وحقائق متنوعة ، تستدعي كل واحدة منها تفاصيل جزء من حياة طفل غرير يعيش بين أحضان أمه إلى شاب يخترق مراحل معقدة وجودا وحضورا يجعله كل يوم يستشعر أنه قد اكتشف سرا من أسرار الطبيعة الملكوتية التي أودعت بداخله ، وأنه قد اقترب من فهم حقائق الوجود في مطلق تركيبها البديع .
إنه ألم بالحياة في وقفتها الحرجة ، وألمت به الحياة حين رمته ببعض أقدارها ، فلم يدر كيف سينفلت من عقابها ، ولا كيف سينجوا من آلامها ، لكنه لا يفترض في تقديره لمجريات أيامها ، إلا أنها تُصهره في بوتقة روحه وذاته ، ولا تُعَبِّؤه إلا ليتحمل عبء رزئها الثقيل ، حياة يراها طريقا وعرا لتحقيق آماله ، ويخالها مسبعة تفترس طموحه ، ويظنها ساعات من العراك والمقاومة التي لا تنتج إلا خطا وحيدا عنده ، فإما أن ينتصر عليها ، أو أن ينهزم في آخر جولاتها ، أو أن تنتهي نتيجة معاركتها بتعادل الكفتين بين إرادتين تتمعان بقوة الموقف واللحظة ، فهل يريدها أن تحس به دون أن يرى من نفسه إحساسا بها ؟؟ أم يريده إحساسًا متبادلا يحس به في زمن إحساسها به ؟؟إنه لا يرضى من نفسه أن يكون بطلا أسطوريا ، قبل أن يرى نفسه بين فكي هجماتها المتوالية إلى حياته لتسمعه كلمات الحب ، والبغض ، وآيات الوصال والقطيعة ، فهل انتخبته من بين لداته ، لينغمس في بحر وضوحها الذي لا يجده في صفاء روحه إلا ساعة اكتشف فيها نفسه ، وهل اصطفته من بين أقرانه بأحاسيسه التي يفجرها في كلمات تجعله لوحة مكشوفة يراها كل من تأمل في تقاطيع ألوانها ، وينتقل بين أطرافها ، بأسوارها وأقواسها وزواياها .
هذا اليم سيجعلني أرث من ميراث الآخر مساحة أتحرك فيها ببطاقتي الوطنية التي كتبت عليها حروف عربية ، بكلماتها العصية ، وتعابيرها الرصينة ، وألفاظها التي خمنت من نفسي أنني تعرفت على بعض خرائطها في مختبأ القراءة والتحصيل ، وسنرى كيف سنعاود فيه الكرة ، لتجديد العهد القديم ، مع ذكريات تركت بصماتها على ملامح تفكيرنا ، وانتقشت لها في عقولنا موقعا ، جعلنا نتذكرها بعد زمان طويل ، فهل الكتابة عندي رياضة للعقل ؟؟ أم ذكريات الماضي والحاضر ؟؟أم وطن نفترضه بعدما أصابنا الذهول مما نرى ؟؟ أم جسد ينفجر كل يوم عن جديد في عالم شعوره وإحساسه ؟؟ أم آمال يراها واجبة التحقق ، مقبولة الحضور ، يبحث عن إيجادها في عالم الحقائق ؟؟