نظرية الحائط
ليضع كلاً منا حائطا ً في جيبه قبل ان يمشي في الحياة
*
*
حين نبني للأعظمية سورا ً يفصلها عن الأم بغداد وحين اقرت القمة العربية وبالاجماع المبادرة العربية للسلام مع اسرائيل فانها قد هدمت الحائط الذي بناه العرب وقد فصل رؤية العرب عن رؤية الصهاينة
وحين يرفض الديمقراطيون دفع المبالغ للرئيس بوش ليواصل حروبه التحريرية في العراق فانهم قد هدموا الحائط عند الاميركيين مابين من يرى منهم احتلال العراق ومابين من يرى تحرير العراق .
وفي جيب أي سياسي هنالك حائط سريع البناء وسريع الهدم وهذه بديهة ، ولكن هذه الايام ترينا ان العدوى انتقلت من الساسة الى رجال الفكر والمبادىْ
ففي كل صراع تشهده الارض اليوم يتمترس طرفي النزاع وكلا ً يدعي انه على الحق المبين وانه يحارب الضلال ، مع الخير لمحاربة الشر .
مايلفت الانتباه ان تشابك الرؤى اليوم بين اطراف النزاع جعل القاعدة الطبيعية التي تقول للانسان ان يكون (مع \ أو ) احد طرفي النزاع جعلها قاعدة غير مجدية وغير فاعلة فاستبدل دهاقنة الحروب اليوم قاعدة جديدة ومخيفة تضطر احدنا ان يكون اما (مع أو ضد) احد طرفي النزاع .
عندما اتدبر كلام رسولنا الرحيم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يخبرنا عن صنف ٍ منا سيستبدل عرى الايمان بعرى الكفر ضمن سقف زمني اقصاه اثنا عشر ساعة فيصبح المؤمن مؤمنا ً ويمسي كافرا ً ويصبح المؤمن كافرا ً ويمسي مؤمنا ً فاني اقول ان امامنا الآن مهمة جليلة هي تدبر فريقي الكفر عن الايمان لئلا نقع في فخ شعارات الطرفين .
على احدنا اليوم ان يتدبر رجال الحق بمطابقة سلوكهم مع دعواهم فحيثما كان العدل فثمة وجه الله وعدله حسب عبارة بن القيم
علينا ان نلتفت إلى الداخل الإنساني العميق، ونعترف أن بوسعنا الآن أن تتعدد مواقفنا مع تعدد صور الحق الشرعي وهو يبغي وجه الله في دعواه ، فللحق الآن أكثر من ظل، واكثر من مدى للرؤية، وله بضعة آفاق قد يتعسر علينا من خلالها أن ندرك أن العالم من حولنا من الغنى في التنوع وتشوه واضطراب آلية (القول بالقياس الى العمل)،
لم نعد نمتلك خطاً وحيداً مفرداَ وواضحا ً لنفصل طرفي الحق عن الباطل
على احدنا ان يضع حائطا ً في جيبه يضعه بعد اكماله التدبر بين نقيضي الحق والباطل ولهذا الحائط فوائد جمة اولها تمييز تغيير المواقف عن تغيير المبادىء عند رافعي شعارات الانتماء.
وثانيها مزج «العقلانية» مع «الواقعية» باعتبارأن «الانهزامية» تولدت بعد تأرجحنا بين ترجمة المفاهيم فلو ادركنا ان الشجاعة هي الحد الوسط مابين الجبن والتهور لادركنا ان الانهزامية هي الانحياز الى احد طرفي الجبن او التهور .
وثالثها ان لا ندخل في معركة لم يحسب لها حسابها وليس هناك صدفة في الولاء والانتماء .
ورابعها فالحائط يجعلنا نعين الإجراءات التي نحتاجها للانتقال من النقطة التي نحن فيها إلى النقطة التي نريد الوصول إليها
وخامسها ان الحائط يجعلني في حالة مراجعة متواصلة لما أراه بعد ان اشاهد افرازات رؤيتي على من وضعتهم في الطرف الآخر من حائطي فوحدهم الانبياء هم المعصومين عن الخطأ اما افكارنا نحن البشر فهي تتبع جدوى المنفعة فلربما كان ضرر افكارنا علينا اشد من ضرر من يسكن في الجهة الثانية من حائطنا
والحائط إذ ذاك يجعلنا لانخلط المواقف والرؤى
ان هذا الحائط يجعلنا نتريث عند وضعه والتريث عند رفعه فلا نظلم انفسنا ولا من نخالفه
وسادسها ان الحائط يجعلنا متيقظين الى بعد فلسفي جديد هو ( الشرط التاريخي ) فنحن اليوم نعيش مرحلة المابعديات ( مابعد الحداثة ، مابعد الوطنية ،مابعد العقلانية ،مابعد الرأسمالية ،مابعد الصهيونية ومابعد التحرر ومابعد الثورات ....الخ )وحين نبهنا الفيلسوف الإنكليزي فرنسيس بيكون الى قانون ( المعرفة قوة ) فاني ارى ان معرفة تأثيرات الشرط التاريخي ( ماقبل ومابعد )هو الصراط القويم المجدي لامتلاك تلك القوة المعرفية .
وسابع الفؤائد من هذا الحائط العجيب واهمها ان نتنبه الى قانون ال (لا إكراه ) وهي رؤية اسلامية يستوي الناس من خلالها ويتساوون وسينبثق عنها مفاهيم متجددة فالحائط يجبرني على تحييد العرق ، فلا فضل لعربي على اعجمي او هندي او اوربي الا بالتقوى وهذا الحائط سيساهم في زاول العنصرية من العالم وثانياً : فالحائط هذا سيفصل مفاهيم العنف عن مفاهيم اللاعنف والحائط هذا يمنع إكراه الانسان وتعذيبه من أجل معتقده ، والحائط يمنع قتل الانسان من أجل أفكاره ، فآية ( لا إكراه في الدين) تجبرني على احتواء من يخالفني في المعتقدات والمباديء والأديان بل تلزمني حمايتهم وهكذا فقد نضع الحائط ليفصلنا عمن لايؤمن بمفهوم اللاإكراه وان بدا انه مسلم مثلنا .
اذن سادتي الكرام نظرية الحائط
ستسهم في حل معضلاتنا
فليضع كلاً منا حائطا ً في جيبه قبل ان يمشي في الحياة