مــصـــــر
" أنشودة العشق والوجع "
دراسة في ديوان
(أفكار على كل لون)
للشاعر : " شاهين أبو الفتوح "
بقلم / جيهان عبد العزيز
ياللي قلبي فيك ساكن من سنين
ياللي نيلك فوق جبينك
ثوب معطر بالحنين
لبسيني الثوب معاك وانعشيني من هواك
وابقي غني يا بلدنا
ورددي للكون صداك
لجل كل الدنيا تفرح لجل كل الدنيا ترقص
واعذريني يا بلدنا لو عشقتك بالحنان
أصل عشقك يا بلدنا طبع فينا من زمان
عودونا وإحنا لسه صغيرين فينا عشقك بالمحبة والحنين
مخلوقين من نور عيونك
مخلوقين علشان نصونك
جوة قلبك حتلاقينا وفي عينيك حتشوفينا
يا بلدنا يا غالية يا مصر
مصر .. نعم مصر
مصر التي كتبت فيها القصائد ، ومازلت تكتب ، بتلك اللهجة الحميمة القريبة من القلب والنفس معا
" العامية المصرية "
من "بيرم" لـ"سيد درويش" ، ومن " فؤاد حداد " لـ"الأبنودي " و " حجاب " ، ومن " جاهين " ل" شاهين " .
والموضوع الأول والأبرز لشعر العامية المصرية هو " مصر "
سواء كانت " بهية " أو " عزيزة "
بمفرداتها الأصيلة ( النيل والهرم والناس والشوارع والحيطان والبيوت والأبواب ، والحارات .....)
كلها مفردات متعددة لكلمة واحدة " مصر "
كلها أغنيات في عشقها ، منها و من أجلها
حتى لو تغيرت الأسماء والعناوين ، أو كان هناك إدعاء بأنها
" أفكار على كل لون "
إذن فلنحاول تتبع الأشكال والألوان من الغلاف للغلاف
لنجد الشاعر وقد أعطانا مفتاحا لأبوابه منذ البداية ، ومدخلا ظاهرا كاشفا لقراءته .
حين يطالعنا الغلاف بصورة الأهرامات المنقلبة رأسا على عقب
وتحتها خط سميك ربما للإشارة إلى أهمية تلك الصورة .
إنها تصريح بالتميز والمغايرة ، إلماح إلى ذلك العالم المقلوب الذي نحن بصدد الولوج إليه .
ولكن مهلا ؛ فلنطالع الغلاف الأخير الذي تكمل كلماته تلك الصورة الأولى
وهي جزء من الأبيات التي تحمل عنوان الديوان
" كلام على كل لون "
يقول الشاعر :
ل
و بالكلام ما كان الهرم يعلا
ولا بالتواكل راح نسكن الجنة
من غير فعل الكلمة بلا معنى
وتبقى الست " هيفا "
والعندليب " شعبولا "
• ولأن " هيفا " ليست هي" الست " ، وأكيد أن "شعبولا " لن يكون بأية حال " العندليب "
كان من المهم للغاية أن تصدر تلك النداءات والصرخات من الشاعر
ربما يستقيم الميزان
الشاعر الذي أصبح يرى كل شيئ من حوله عبثيا ومقلوبا ، في عالم غاب فيه المنطق ، وضاعت كل قيمة أو مثل .
دفع كل هذا ب" شاهين أبو الفتوح " إلى البوح والقول
ذلك الذي بدأه بنبرة خجل واعتذار ، حين يقدم الإهداء إلى القاريء قائلا
الكلام لك ويارب ما يضرك
قصدي يسرك ، ولو فيه شيء يغمك
أرجع و أقولك
ما أقدرش أخمك
ماأقدرش لأني
شريك في همك
ثم يكمل كأي محام بارع في التقديم لمرافعته ، والدفاع عن نفسه ضد أي لائم حين يعترف قائلا ومورطا لنا في الرد على تساؤلاته الموجعة
تقدر تبقى صهيل مكبوت
بـقــلـب الـليـــــل ؟
تقدرتبقى من غير صوت
مــوال لـــيــــــل؟
أنا ما أقدرش
ويكمل مسوغات الدفاع عن نفسه ، متهما الصامتين بارتكاب جريمة القتل للآخرين بل والانتحار ، حين يواجههم محرضا إياهم على النطق والكلام
صمتك رصاصة تقتل أخوك
تلغي وجودك وتلعن أبوك
تحتل أرضك
تهتك عرضك
وتذل أهلك واللي جابوك
فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، السكوت عن الحق ذنب لا يغتفر
صمتك ذنب وماله صكوك
صمتك هزيمة
مذلة وفرار
صمتك مش شهامة
ولا هو انتصار
صمتك انتحـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــار
فهاهو يضم صوته لصوت" صلاح جاهين " الذي نادى من قبل ، ودعا للبوح وللغناء حين همس قائلا محرضا :
يا عندليب : ماتخافش من غنوتك
قول شكوتك واحكي على بلوتك
الغنوة مش حتموتك
إنما كتم الغنا هو اللي حيموتك
وعملا بالمقولة الشعبية التي تقول
" هم يضحك وهم يبكي "
اختار شاعرنا هما شاغلا لنا جميعا بل وكل الشعوب ، حين تحدث عن (الديمقراطية ) بسخرية مريرة ولاذعة ، وبداية خاطفة مثيرة تلقينا مباشرة بقلب ذلك العالم العبثي المقلوب قائلا في "
ديموس كراتس "
ديموس كراتس يعني بطاطس
مقلية في تلج
يعني بهية تسكت خالص
ويبان الفرق
يعني اللي برة يدخل جوة
يعني اللي جوة يخرج برة
يعني الشمس هتطلع باردة
لو الشرق ينام للغرب
ديموس كراتس يعني تغمض
لجل تشوف
يعني الضلمة جاية بقوة
يعني النور يطفيه الخوف
يعني الEast يضيع في ال West
وامبارح أصله ما كانش
ونبقى في بلادنا ضيوف
ديموس كراتس يعني كلام ع المكشوف
يعني ضروري حكم الغابة
يعني الشاه يحميها ديابة
يعني التور يفضل متغمي
والبقرة يحلبها خروف
ديموس كراتس من محيطيكا
إلى خليجيكا
يعني مصير بكرة لأمسه
يعني أمريكا تفنن فيكا فن بيكاسو
يعني الأصل في جدر الشجرة
لكن الأرض .. ما فيش من أصله
ديموس كراتس يعني ...............
مهلا يا (أبا الفتوح ) فها قد شعرنا منذ الآن بالدوار ،في ذلك العالم العبثي ، كأنما يجرفنا سيل من اللا معقول ، أو نغرق في دوامة من الضياع والعدم .
تنتابنا الآن رغبة في الصراخ ، في الهرب والانفلات .
وقد أدركنا لم كانت تلك الرغبة القوية في بوح متدفق ، متغير النغمات
ما بين همس شفيف ، وثورة عارمة .
والمبتدأ والمنتهى من جديد هو " عشق مصر "
مصر التي تطغى على حروفه ، وتنبض في كلماته وعباراته
فهاهو متمثلا لها و مخاطبا لها مباشرة في قصيدته " أنت ِ"
إنت رغم صمتي كل الكلام
إنت بكرية الأحلام
حلم الجذور بزهور الشجر
وإنت بنت النور وسط الظلام
ضي الشمس على وجه القمر
إنت الربيع رغم الخريف اللي طغى
وإنت الحكاية كلها من البداية للمنتهى
أو يتحدث عنها بضمير الغائب في مواضع أخرى ، حين يناجي بنيها بإعمارها وبنائها في :
" تيجي نبنيها "
، و يرجوهم أن يفعلوا أي شيء وكل شيء جميل من أجلها في:
" عنوان قلبك " ، و " سيبها فكرة "
أو يتحدث عن طيورها " طيور بلادي "
وعن مناضليها " أدهم " ، وشهدائها " الشهيد "
ثم يعود لتوجيه الكلام لها ، فهي ماثلة دائما أمام عينيه ، تسكن قوله وخواطره ، فيخاطبها بذلك الاسم المصري الأصيل الموحي
" عزيزة "
يا عزيزة لا تنوحي عاللي راح
يا عزيزة لا تبوحي بالجراح
نقي حسنك من عيوبك
عطري بدنك وتوبك
امحي حزنك من وجودك
تلقي بكره بنوره لاح
يا عزيزة وفيك داري
الحق بادي ليه نداري
قومي يا ست الملاح
.............................
يا عزيزة يا نهر وافي
لا تأسي يوم ولا يوم تجافي
مهما ليلك طال مداه
قلبي أنا نورك هداه
وعلى دربك خطاه
لا ... لا تخافــــــــــــــي
ومن خوفه على عزيزة ، وحبه لها تعود الثورة لتتفجر في أعماقه
فيتحول الصمت إلى صراخ ، حين يتعاظم الخطر ، ويهدد الأمة كلها
إسلامية و عربية
عندها يصيح " شاهين أبو الفتوح "
" أمة انتباه" ، و " يا محمدين خليك فصيح "
، و يقوم بدور المنبه لذلك الخطر المحدق في :
" المصحياتي " ، و " اضرب " ، معترضا على " اعتقال المسيح "
، و داعيا إلى الوحدة والتمسك بالعروة الوثقى في : " شجرة نبينا "
مطلقا أولا وأخيرا " صرخة ميلاد "
يحاول ويحاول ويحاول .............. بكلام و " أفكار على كل لون "
وآآآآآآآآآآه يا مصر حين يناديك بصوت مخنوق يحاول التحرر والفرار
بلدي يا آهة ومتحشرجة بصدري
أقولها وإنشا الله ينتهي أمري
بلدي يا عشقي يا ست الكون
من صغري وأنا مفتون
عاشق صبابة يا مصر
والعشق فيكي فنون
جيهان عبد العزيز