|
(إذا كانَ مَدْحٌ فالنّسيبُ المُقدّمُ) |
و إن كانَتِ الدَهْماءُ فالسّيفُ و الدَمُ |
يَبُزُّ فُنونَ الشعرِ في الحَرْبِ أبْيضٌ |
قصائدهُ حينَ المُلِمّاتِ أَحْكَمُ |
يُدبّجُها بالموتِ و المَوْتُ زِينَةٌ |
إذا احْمرَّ فيه النّقْعُ و الخَطْبُ أَسْحَمُ |
و يُحْكِمُها بالهَرْجِ في كلّ طاحنٍ |
عصيبٍ و حرفُ الدمِّ بالسيفِ يُنْظَمُ |
تَراهُ عَلى ريحِ المنايا مُزَمْجِراً |
و تُبْصِرُهُ في كُلِّ روْعٍ يُدَمْدِمُ |
يَفلُّ صُفوفاً في صُفوفٍ صبورةً |
و يَكْسِرُها و السُّمْرُ في الجوِّ حُوَّمُ |
لَعَمْرُ أَبي ما يَنْفَعُ القولُ قائلاً |
و لا ينْفَعُ المَكْروبَ في كَرْبِهِ فَمُ |
و ليسَ يَرُدُّ الحَيْنَ جُبْنٌ و خِيفَةٌ |
لَدَيْكَ و لا يُنْجيكَ منهُ التَلَعْثُمُ |
هُوَ الفِعْلُ في غَمْرِ الرّزايا مُفَوَّهٌ |
يَبُوحُ بما تَرْضاهُ لا يَتَثَلَّمُ |
أرى قوْمَنا قَدْ أخْضَعَ الناسُ عِزَّهُمْ |
و مَجْدُهُمُ بينَ البلايا مُهَدّمُ |
تَسوسُهُمُ بالجَبْرِ و القَسْرِ عُصْبَةٌ |
إذا ما دَهَتْهُمْ رَعْشَةُ الخَوْفِ سَلّموا |
يَطوفُ بِهِمْ(بوشٌ) كريماً مُعَظّماً |
و كُلُّ ذَليلٍ في قَضاهم مُعَظّمُ |
على صهوةِ الأَحْقادِ يَطْوي قِفارَهُمْ |
و يأمُرُ فيهم ما يَشاءُ و يَحْكُمُ |
لَكالسيدِ في الفِئرانِ و الذِئْبِ في الظِّبا |
يَسوقُهُمُ بالمَكْرِ و القَصْدُ مُبْهَمُ |
حَمَلْتَ لَنا يا راعيَ الشُّؤْمِ (بومَةً ) |
لَها في شُحوبِ الليلِ نَعْقٌ مُسمّمُ |
تَمُرُّ على الأجْداثِ أَجْداثِ مَجْدِنا |
و في كَفِّكَ الأَكْفانُ لاحتْ تَبَسّمُ |
و تَنْثُرُ صَمْتَ الموتِ في كلّ بُقْعَةٍ |
و في كُلّ فَجٍّ من صَدى الصّمْتِ مَأتَمُ |
أَيا باسَطَ الكفّينِ تذري رَمادَنا |
و في الريحِ قَبْرٌ للرّمادِ مُكَمَّمُ |
تَمَهّلْ رُوَيْداً ضاعَ في الريحِ حُلْمُنا |
و ضاعَ مع الأحلامِ فَجْرٌ مُيَتّمُ |
و نَخّتْ جِمالُ الصبْرِ أحْنَتْ رِقابَها |
فما الصّبرُ ذو صبرٍ و لا الحزْمُ أَحْزَمُ |
أَتَيْتَ و مَعْكَ الليلُ يَعْوي سَوادُهُ |
و في جَنَباتِ الخوفِ بَدْرٌ مُلَثّمُ |
تَساقَطَتِ الآمالُ فينا قَتيلَةً |
و ذابَتْ على الأوجاعِ و القَهْرِ أَنْجُمُ |
فيا بوشُ و الرُّكْبانُ بالدّمْعِ قدْ سَرَتْ |
و خدُّ زَمانِ الذُلِّ بالذُلِّ يُلْطَمُ |
تَرَحّلْ و خلِّ الأرضَ تَبْكي قُبورَها |
و يَغْسِلُها قَطْرٌ من الغيمِ مُثْجِمُ |
طَرَقْتَ بلاداً ما تَزالُ جُروحُها |
تَئنُّ وما زالتْ بها العَيْنُ تَسْجمُ |
و ما زالَ فيها الحُزْنُ يُزْجي هُمومَهُ |
عَلى مَهْمَهِ الويلاتِ و الفَرْحُ أَبْكَمُ |
تَرَعْرَعَ فينا الكُرْهُ و اشتدَّ عُودُهُ |
و فينا أَجيجُ الثأرِ نارٌ تَضَرّمُ |
فَأنّى إذا نَسْلو و نعْفو و نَدّعي |
وِئاماً و في الأَحشاءِ ما ليسَ يُكْتَمُ؟! |
هَلاكاً لِذاكَ الثّغْرِ حيّاكَ باسَماً |
و غلاًّ لتلكَ اليدِّ طارتْ تُسلِّمُ |
و بُؤْساً لِتِلْكَ العينِ رَفّتْ تَوَدُّداً |
و خِزْياً لذاكَ القلب ما انفَكَّ يَلؤُمُ |
و جدّكَ ما تَشْفى و تَبْرا جُروحُنا |
و غَرْبُكَ غَرْبُ الشرِّ بالشرِّ يَنْعَمُ |
فإنّا و مَنْ سَوّاكَ قِرْداً قُلوبُنا |
لَتَفْطِرُها الأحقادُ و البُغْضُ أعْظَمُ |
سَنوقُدُها يا (بوشُ) ناراً عَظيمةً |
تَهيجُ عليكم مِنْ لَظاها جَهَنّمُ |
نَكونُ عَلى نَفْثاتِها غَضْبَةُ القضا |
نَهُبُّ إذا اشْتَدّتْ كما هبَّ ضيْغَمُ |
و نُنْشِبُ فيكمْ منْكَباً طامِحاً لَكُمْ |
و عَضْباً إذا ما اسْحَنْكَكَ الأمْرُ يُقْدِمُ |
و تُفْزِعُكُمْ مِنّا العَوالي طويلَةً |
و خيلٌ على حَوْضِ المنايا تُحَمْحِمُ |
و ليلٌ و غيْلٌ و اضطرابٌ و ضجّةٌ |
و دَمْعٌ على نَحْبٍ و جَيْشٌ عَرَمْرَمُ |
وَ هَشْرٌ وَ نَهْشٌ و اشتِعالٌ و شدّةٌ |
وَ عَقْرٌ وَ عُقْبانٌ و وَطْسٌ وَ مِنْسَمُ |
كَذاكَ يَكونُ الثأرُ تُصْلَوْنَ نارَهُ |
و فيهِ لنا بالنّصْرِ إِنْ حَقَّ بَلْسَمُ |
يكونُ لَنا فيهِ ابتِهاجٌ و نَشْوَةٌ |
وَ بَسْمَةُ مَحْزُونٍ على الحُزْنِ تُرْسَمُ |
وَ صُبْحٌ يَبُثُّ البِشْرَ يُحْييكَ نُورُهُ |
صبوحٌ بِنَشْرِ الفَخْرِ وَ النّصْرِ مُفْعَمُ |
فَصَبْراً و إنْ أعيى وَ صبْراً وَ إِنْ نَأى |
لَنَبْلُغُه إنْ دانَ أَوْ شَطَّ يُرْغَمُ |