ترنحت الأفكار فى عقله الهزيل باحثة عن شىء تحتمى به .. لكنها لم تجد غير خواء يحيطها من كل جانب .. كان يفكر بأنه لا يجدر به إعمال عقله .. فأفكاره تؤلمه .. يؤلمه مجرد مرورها صوراً أمام عينيه سواء كانتا مغلقتين أم لا .. وكان يشغل نفسه بالتفكير فى كيفية الحصول على قرص مسحور يبتلعه فى نهم بدون رشفة ماء .. يستحيل بعده عقله إلى كتلة من الإسفنج .. أو قطعة من الهلام اللزج .. وعندما تخيل هذا القرص أمامه .. امتدت يده المرتجفة وتناولته.. وألقت به فى جوفه الخاوى .. وقرر تسليط عينيه على الحائط المقابل ليمتص هذه الأفكار .. لكن الجدار كان مليئاً بالعبارات التى كتبت بخطوط مختلفة .. بكل الزوايا .. يجمع بينها جميعاً نوع الطباشير الردىء والألم الذى تنضح به الكلمات .. أحاسيس بالظلم والقهر مسطورة أمام عينيه تتسابق كى تسنفز ذهنه الصدىء .. ورغماً عنه بدأ يفكر هل يملك جملة مماثلة يسطرها هنا .. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه .. كيف يشكو من الظلم وهو من نسجه بحمقه حتى وقع فى شراكه .. تكور على نفسه فى أحد ركنين مقابلين للنافذة الضيقة التى تقترب من سقف الحجرة .. وتأمل فى خياله البغيض منضدة ملأى بكؤوس وزجاجات .. وهناك فى منتصفها طبقاً يحمل ادوات السعادة .. أو هكذا كان يظن .. ولكنه الآن صار وكراً لثعابين صغيرة انطلقت منه إلى المنضدة .. زاحفة فى اتجاهه وكأنها اشتمت رائحة جسده .. انتفض من مكانه راكضاً حول نفسه .. ملتصقاً بالجدران الكالحة .. صارخاً بكل قوته ..يشعربجسده يتآكل .. ينتهى ..
وكأنما أيقظه صراخه من سبات .. وقف لاهثاً حانقاً كارهاً ضعفه الذى أودى به إلى هنا .. ورجع منهكاً إلى مكانه .. متأملاً ضوءاً شحيحاً ياتيه من النافذة الضيقة ..