لم ير التاريخ بشاعة في حضارة من الحضارات كالتي رأها في حضارة الرجل الأبيض ذو العينين الزرقاوين والشعر الأصفر , ذلك الرمز الذي فتن المستعمرين بحضارة قشرية في المظهر كإشادة الشاهقات وشق الطرقات وأساليب اللبس وتناول الطعام والتخاطب مع الناس , حضارة ظلت تسعبد الأذهان وتبهر لبريقها أعين الأعيان , ولا يزال أهلنا بهم مفتونين رغم كل ماحصل منهم ومايحدث ,فلو تصفحنا في مطالعة عشوائية لتاريخ علاقة حضارتهم بالحضارات البشرية لرأينا أنه منذ أن طالعتنا هذه الحضارة الشقراء ذات الأعين الزرقاء وماعرفت أعراق البشر ظلما وعنصرية كالذي نالته على أيديهم مارأت إلا التنكيل والدمار والخراب على مستوى القارات قاطبة , ابتداء بتاريخهم المرسوم علىشواهد قبور أسلاف الهنود الحمر الذي سجل كيف نثروا في أجوائهم بجراثيم بغي ومقت وترويع أسود أبخرة تعقيم أخمدت حيوية أرحام أذهانهم فما عادت بقادرة على توليد رشيد منهم قادر على الحفاظ على كرامة قومه ومضوا تائهين , حين سلبوا أرضهم وأفنوا حضارتهم ومحوا شخصيتهم ومزقوهم شر ممزق وباتوا ضيوفا بديارهم و قارتهم لايعبأ بهم ولايحق لهم تولي مناصب الرئاسة ولا المهام ذات العلاقة بتقرير المصير, ناهيك عن الصورة البشعة التي روجها عنهم ذلك الرمز البغيض من أنهم أوباش وغجر ووحوش وسفاكوا دماء لامناضلين مقاتلين من أجل حريتهم وخلاص بلادهم , انتقالا لما نقشوه بأزميل البغي على جدران الفلبين بشرق آسيا التي كان يقطنها شعب غالبه من المسلمين كيف سموهم بالبربر الهمجين لما قتلوا ذلك المكتشف المزعوم الذي تصرف معهم بشكل استفزازي مهين عندما رفع الصليب في أرض ترفع راية التوحيد وكيف ساموا المسلمين فيها سوء العذاب ليحولوهم لأقلية لاقيمة لها ولاثقل , وتابع لترى مشوار الظلم الذي حاق ببلاد الهند لأطماع الأشقر في خيرات بلاد الملونين التي لاتنتهي , ولن تنتهي ومحاولاتهم الدائمة لفرض الوصايا على بلاد الدنيا لنهب خيراتها التي ترى أنهم غير جديرين بها وهم بها أولى ولابد من قيامهم بتصحيح أخطاء رب العالمين (استغفر الله العظيم ), وواصل تصفح التاريخ لترى كيف كشطوا غابات أفريقا وعروها بأطماع تجار صناعة الأثاث الخشبي لزيادة رفاهيتهم وتضخم جيوبهم من معاناة الآخرين وجرهم للفقر الشديد, فتصحرت البلاد وانخفض منسوب الأمطار لارتفاع الحرارة بانخفاض الغطاء النباتي ,وتوالي الارتفاع في حرارة الأرض جراء زيادة عادمات الآلة الصناعية التي ماكانت تعمل لإسعاد أهل الأرض الأم وإنما لإسعاد أقبح جشعي أهل الوسيعة الذين ضيقوها على سواهم لتوسيع رقع ثرائهم ونعيمهم في الأرض ورفاهيتهم , وتأملهم فيما خلفوه من أثر على ثرى أستراليا وكيف جرفوا سكانها الأصليين واستخربوا بلادهم وحجروا على خيراتهم .ماسلمت من شرورهم يابسة ولاماء , فبالبر تلوث ذري وفي البحر كيميائي وفي الفضاء شعاعي وحدث ولاحرج. ومع كل هذه الصور التي هي معلومة للجميع يظل لهم ذلك البريق ويظل مااستشقر محل تقدير وإعجاب منا ولو كان في باطنه مهين. أذكر في حج هذا العام أنني شاهدت أمرا ولازلت أعجب منه وهو يفري بقلبي كسكين . في خيمتنا كنا نجاور مخيما لإخوة أفاضل دعاة كرام نستمع لإطروحاتهم وبرامجهم عبر مكبر الصوت , أعلنوا عن وجود مسلمين حديثي عهد بإسلام فتهللت وجوه الحاجات ظنا بأنهم من بلاد الشقر , فلما عرفوا أنهم من بلاد العالم الثالث انتهى ذلك الاهتمام وانصرفن لأحاديث جانبية غير عابئين ولا مهتمين وكأنما لايفرح مسلم بهداية آدمي مالم يكن من بلاد الجشعين الشقر المقيتين ! .
مايحدث في سجن أبي غريب من انتهاكات وممارسات لأقذر السلوكيات وأبشع ماعرفه تاريخ الإنسان , وماتمر به نساء العراق من اغتصاب وإذلال , ألا يظهر لنا مدى السواد الذي يغمر أرواحهم ويغطي على قلوبهم وأبصارهم ؟!. متى سنعي معنى لله رب العالمين عبر حديث صاغه نبي الهدى صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى ( إن الله لاينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) إلى متى نظل نجرد كل من لايروقنا شكله من إنسانيته ونظل نظر باحترام وافتتان لقشور سود البواطن الشقر الجشعين البغيضين . نظل نمقت متشردين عالة ينقصهم الفهم ونور التعليم لأنهم ربما سطوا على حقيبة شخص ما ليأكلوا أو حتى ليشتروا جرعة مخدر لإدمان أو ربما قتلوا شخصا أو عشرة وهم لايمثلون إلا ذواتهم وقد يكونوا ضحايا لحضارات اكتسحت عوالمهم وصيرتهم تائهين منبوذين وقد يكونون معدومي الفهم مخدرين أو مشوشين أو محرومين من جراء تربية أو رعاية أسرية سيئة أو أي أمر اعترض نشأتهم كميكروب شرس لوث دماء ثقافاتهم وأورثهم جينات إدراك منكوس أورثت أخلاقيات بائسة وضرر لايتجاوز من يناله على أيديهم أشخاصا يعدون على أصبع اليد الواحدة , ولست لما يمارسون من المقرين وإنما لنتأمل التباين في الفكر والثقافة والمناصب والغايات ونسب الضرر الصادر عنهم وعن من نبجل من أهل البدل الأنيقة والسيارات الفارهة من الجشعين الذين لاتزال أعينهم مفتوحة ومسلط ضوء إبصارها على مافي أيد الآخرين وبقوة السلطة وصناعة القرار يجيشون جيوشهم ليكتسحوا بلادنا وينهبوا خيراتنا ويصيروا أنفسهم قسرا وبالقوة الجبرية أوصياء على ثروات ترابنا , ويغضوا الطرف عن أوباش جمعوهم وأطلقوهم على مجتمعاتنا ليمارسوا أقذر الأخلاقيات على مرأى ومسمع منهم , ولايغيرون من الأمر وإن كانوا قادرين لحاجة في نفوسهم المقيتة الحسودة الجشعة شيئا , وفي استفزاز متواصل متصاعد ينظرون إلينا من خلف زجاج السيارات الفارهة المكيفة بخاماتٍ نهبت من بلادنا وهي تنطلق بهم كصواريخ يتصاعد موغلا في عالم تضخم الثراء والترف ونحن نصطلي بحرارة الإهانة ويتصببا منا عرق القهر والذل ليهمسوا في وقاحة واستخفاف نعتذر عما جهر به جنودنا ودوى نتنه في أصقاع الدنيا وأنفت منه ذائقات ديدان الأرض وحشراتها في المزابل ومراتع الخنازير , نعتذر في احتقار !, وحسبكم أيها الهمجيون منا ذلك , فحياة أمثالكم لاتساوي حياة كلب مرفه يطوق عنقه بسلسة ذهبية طعمت بأحجار كريمة تمسك بها طفلة رجل من عالم الحضاريين القذرين .
الحضارة !.. ترى ماهي الحضارة وبما يجب أن يكون الافتتان ؟!. أوليست الحضارة أخلاق وسلوك بأبسط المعاني ..؟!
والله إنها الأخلاق ولو عاش المتحضر في خيمة بصحراء أو كوخ في أدغال غابة أو خيمة في عالم الهنود الحمر أو كهف باستراليا !.. نعم هي أخلاق وإحساس آدمي بالآدميين وتقدير الإنسان ومايملك ومايقيم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) .. آية تحمل قاعدة!.. أن تحترم محترمات الغير ليحترموا محترماتك مهما احتقرتها بداخلك , أن تحترم محترمات الفطرة البشرية . وأن تضع نفسك في نفس الموقع الذي تضع به الآخرين , لاتتعالى على آدمي أبدا فلا يتم إيمان أي مؤمن بوجود إله يتصف بالعدل حتى (يحب لأخيه مايحب لنفسه) أن يعرف معنى السمو والأنفة والترفع فلا يكون دنيئا سافلا لاهثا خلف مابأيد الآخرين من أجل مصالحه ككلب قذر مهما تأنق وارتدى الفاخر والأنيق من الثياب والفاره من ربطات العنق ومعتق العطور وركب أغلى السيارات واصطاف بأرقى المصايف واقتنى أغلى اللوحات وأندر التحف وسكن في قصر مشيد, مهما فعل وقد اعدم تقدير الآدمية , يظل بغيضا حقيرا قذرا بعيدا عن أحتواء أبسط معانيها . ممقوت ولو أوتي جمال يوسف عليه السلام ومال قارون . .. ياحسرة على العباد..
(ولكننا لانزال نصلي = إلى قبلة تنتشي لاعتقال)..
هذا هو حالنا , نظل رغم كل مايسوموننا من عذاب نركض خلفهم, فهذه الفضائيات تروج لسلعهم السينمائية وتتابع أخبار أبطالها لتواصل تضخيم جيوبهم وإرضاء جشعهم وتشقير ثقافات مجتمعاتنا السمراء , وتظل تركض خلف مصممي الأزياء لتتابع الترويج وإبهار البلهاء السذج المغفلين من أثريائنا ليحملوا نسائهم للتسوق بما سيدعم تجيش جيوشهم وشحذ شفراتهم ليذبحونا بها ذات حين في غفلة انبهار وفي مرتع تسمين!..(إنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي بالصدور).. متى نتعلم فن الإبصار وإدراك ماهيات الأمور ووزن القضايا بموازينها الآدمية . وتقييم القيم وتثمين الأخلاق ورفع حقوق الإنسان كإنسان إينما كان وكيفما خلق , فهو إنسان كرمه الله بقرآننا وساوى بينا في كل متطلبات الحياة (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا).... (ومن كفر) ! وتأمل وتعجب (ومن كفر!) لتدرك أن الحقوق الآدمية (ولاشك أن الكرامة والاحترام من أساسياتها) أمر كفله قيوم السماوات والأرض الذي أوجب علينا التخلق بأخلاقه سبحانه ومازلنا متكبرين , ونعلم أن الكبر من أخرج أبليس من الجنه وجعله من الملعونين . وأي لعنة أكبر من هذه التي نحيا من ظلم الظالمين وجشع العابثين المتحكمين قهرا في خير أراضينا بادعاء أن السفه متمكن في عقولنا مكين . ومازلنا نعبث بحقوق الآدميين ونصفق لمن قتلها منذ حين بأطماع لم تعد خفية ولكن أين المتفكرين!.. دمتم آدميين.