أسنتاذي الشاعر الرقيق
د. إسلام المازني
كتبتُ بالأمس رداً ... فحال لي دون عرضه الوقت المتأخر من الليل لأني ما تممت ردي ... كما لا أخفيك أني أحضر دروسي التي سأدرسها يوم الاثنين ... لأن الأحد عطلة رسمية .. بمناسبة عيد الثورة الثاني والأربعين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر .
وهنا أشكر أختي الفاضلة / نهى على عرضها ... وسوف أناقش ما كتبته بعد ما سأعرضه من ردي ....إن شاء الله ..ولكي نتفق بصورة مجملة على التعديل الذي تراه أقرب لشاعريتك وما تقصده من مغازي ... بعد هذا ... ولا أريدك إلا أن تكون واثق الخطوة ملكاً ...
......................
جميلٌ تعديلك ... وكما عن نفسي لا أحب التعديل لمن حولي بما يذهب بشفافية النص ... فتعديلك سليم الوزن والمعنى ... وكنت أرى أن الفعل دعيني فيه ذروة من الإحتراق والتألم خلافاً عن نهاية ما قاله الحبيب : أبتْ نفسي ...... ، كنت بالأمس أقرأ فلاحظ ما كنت أريد أن أعدل :
دعينى أنزع الحكم الهجينـة *** لأصنع بالدماء لنـا نهـارا
.................... ارتقاءً *** ..................................
وكذا ردك ... تناسب الطباق بين الليل والنهار ... فزاده حسناً وتوكيداً ... ومعناه راقٍ جداً .
وأيضاً :
إذا ما الحب أينع فى الحـلال *** يفيض الود يا قمرى ثمـارا
................................ *** ......... يا عمري .........
أنت أردت مفردة قمري ... لأنها أقرب للمعنى عندما ذكرت ثمارا الدالة بدورها على الحديقة الغناء .
وأيضاً :
كفـى بعراقنـا ألمـا مـرارا *** وكل ديارنـا شربـت كـدارا
............... عميقاً *** ..........................
لأنه من المفترض أن تقول : ألماً مريراً ... لأن مريراً ... دل على استمراريته أي مراراً .
وأيضاً :
وأعطينا البيـوت لراغبيهـا *** مفتحة الخزائـن و الجـرارا
....................... *** ................ و ........
أريد أن أشير إلى أن حرف الواو هنا ... لا يتضمن معنى العطف .... وربما يتوهم على العطف بالجر ... الخزائنِ والجرارِ ... فالنحو واسع جداً .. هنا نعتبر الواو ... حرف استئناف ، باعتبار تقدير لفعل وفاعل ويكون الجرارا مفعول به منصوب لما حذف من عامل سبق الإشارة إليه ... وهنا من مسائل الحذف والتقدير .
جفاء العلـم أوردنـا كلاهـا *** وبات حكيـم أمتنـا حمـارا
................ هلاكاً *** .........................
حقيقة لم استسغ لــ ( كلاها ) أو ربما أن خطأ طباعياً وقع .
فأنزلنـا بأسفـل سافليـنـا *** وصار لهيب رايتنـا غبـارا
الشطر الأول .. كأنه أقرب ليكون العجز لقصيدة أخرى ... ولا غبار عليه من ناحية الوزن .
ألن تأخـذ بناصيتـى محبـاً *** لنرفع سنـة و نضـىء دارا
... تبقى ................. *** ......................
هنا خطأ نحوي : لأن ؛ لن تنصب الفعل المضارع بالفحتحة .. وهنا أتى صحيح الأخر فيجب أن تظهر الحركة وأنت هنا سكنتَ الذال في الفعل ، تأخذ .. فلو نطقناها بالفتحة ... فسيكون الصوت هكذا : ألنْ تأخذا ... ، وعندما نستبده بمعتل الآخر بالألف على سبيل الفعل نبقى .. تضيع الفتحة للتناسب مع الوزن .. ولك أن تعطي فعلاً بما تراه مناسباً لمعناك .
أو في حالة أن تستبدل لن .. بـ ( لم ) الجازمة للفعل المضارع سيكون ما ذكرتَه صحيحاً ... ألمْ تأخذْ ...
وأيضاً :
علمتـك خيـر نسـاء قومـى *** و ضوء هداية كشف المسـارا
الشطر الأول منكسر ... القصيدة من بحر الوافر :
مُ فَ اْ عَ لَ تُ نْ / مُ فَ اْ عَ لَ تُ نْ / فَ عُ وْ لُ نْ
نلاحظ أن الكسر يبدأ من حرف الراء من كلمة خير ... أعد صياغة الجملة لليتخلص البيتُ من انكساره .
وأيضاً :
فإن كتب البقاء سجدت شكـرا *** و إن رزق الشهادة نلت ثـارا
.................................. *** ............................ جارا
أعتقد أن جارا ... أبلغُ .. لأنها حقيقة فالمقاتل الذي يقاتل في سبيل الله إما أن ينتصر فهنا سيكتب الله له البقاء وينال بذلك أجراً وكذلك قد ثأر من أعداء الله ... وإن استشهد فقد تأر أيضاً منهم وكذلك نال الجوار في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقاً ... وكما أنه قد ورد في أبياتك مسألة الجوار ..( وأهلُ كرامةٍ سكنوا جوارا ) ربما تعديلي سيكون من باب التكرار ... وربما تكون هناك مفردة أكثر دقة منها .
وأيضاً :
أنا ما اخترت أسـوأ أمنياتـك ***و فى الدرجات ألبسك السوارا
.................. أمنياتٍ *** ...........................
لأنها كمثل الهجينة و خصلات شعرك ... وإن واصلت في نطقك حدثت زيادة في الوزن ... كما تلاحظ حدوث تباعد صوتي بين همزتي أسوء وبداية مع أمنياتك .
وأيضاً :
فإن صعدت إلى الدرجات روحى *** فما فنى الحبيب و لا خسـارا
......................................*** ......................... ولا توارى
إن أردنا توظيف لا باعتبارها لا النافية للجنس .. نلاحظ أننا نحشوها في القافية ... ربما عطف الفعل توارى على الفعل فني .. أجمل مراعاة للتركيب النحوي وأفضل للأسلوب البلاغي .
وأيضاً :
علت حسنـاء يمامـة خجلـى *** أما دريت رسائلـك القصـارا
........... ( يمامة خجلى ) *** .......................... القصارا
هنا انكسار في الشطر الأول ... نصبت القصارا باعتباره صفة مقطوعة من الفاعل رسائلك ... فقطعت ويقدر هنا فعل وفاعل إما أن يكون للمدح : أمدحُ القصار ، وإما للإختصاص : أخصُ القصارا .
وأيضاً :
أوافق أن أعيش لذى المعانـى *** فوعـد كتابنـا قـدر أشـارا
.................................. *** .............. قدراً ..........
مفعول به منصوب تقدم على الفعل أشارَ .. والفاعل وعدُ كتابنا ... أشارَ وعدُ كتابنا قدراً ... هنا تلاعب تركيبي رائع ... ويجوز ما ذكرتَه .. وعدُ مبتدأ وخبره قدرٌ .
وأيضاً :
تضاحكـك الشفـاه بـرقـة لا *** تفارق قلبيا و كـذا العـذارى
...........................*** ..... قلبنا ....................
.... ** ......** ....... **
أما من ناحية الجمال الفني فالقصيدة تزخر بالكثير من الأزاهير الرائعة من تصويرات وتشبيهات وأخيلة :
على بعد المسافة قد تلاقت *** عيون حبيبة عبرت بحارا
تذيب رفيقة قرأت مصيـرا *** وبات صبيب أدمعها حوارا
بروض الحب أينعت الأقاحـى *** و مُونِق نرجس عبقا مثـارا
تسائلك الدموع بلا اعتـراض *** أبعدك خلتها كشفت خمـارا !
أتتركنى أدافـع ليـل شـوق *** و أحسب كم مضت سحبا كدارا
فكفي الدمع يـا بتـلات قلبـى *** ينافس رمشك الورقـات نـارا
و طير جنانه الخضرات حـقٌ *** تحلـق فـى مخيلتـي منـارا
وداعا ساكن الخلجات نورا *** سأحفظ موثقى و أصن قرارا
فضلاً عن المطلع الرائع الذي جسد الفكرة ككل :
أقام الحب بينهما جسورا ***
....................
والنص فيه أمثال وحكم :
قبيل سلامها صبرا احتسابا *** و بعد وداعها بكيا سـرارا
إذا ما الحب أينع فى (حـلال) *** يفيض الود يا قمـرى ثمـارا
و ما خير البقاء وقـد أهنـا *** أنشرب ما تنجس كالسكارى !
جفاء العلـم أوردنـا (هلاكاً ) *** وبات حكيـم أمتنـا حمـارا
فإن كتب البقاء سجدت شكـرا *** و إن رزق الشهادة نلت ثـارا
فإن صعدت إلى الدرجات روحى ***فما فني الحبيب و لا ( توارى )
فإن طالت بك الطرقات يوما*** فأسوتك الرسول قضى اصطبارا
وداعا ساكن الخلجات نورا *** سأحفظ موثقى و أصن قرارا
.................
بذا نستشف من هذه الأبيات على شاعر رقيق ورائع وحكيم .
دمت أستاذي رائعاً مبدعاً
خالص التحايا والتقدير والإعجاب