تقديم : بعدما رأيت أنّ هناك من بدأ يتحرّك بإضاءات في فهم النّص تبيّن لي أن أكتب قناعات على ضوء ما أفهم إبداعيا لا نظريا .. فأرجو أن يكون النقاش هادئا وعلى نار خافتة في سبيل الوصول لا الظهور .. مع الشكر لكل ّ من أدلى برأيه هنا بكل ّ جدية لأن هذا الموضوع هو أوّل وأهم ما ينبغي المرور به ..ثمّ إن هذا من مخزوني الثقافي أدليت به مرتجلا ً وابتعدت ُ عن تكثيف ما حوله والأنترنات بين يدي حتى لا يضيع ما أريد ..
اللفظة والمعنى :
إن مما ينبغي للناقد الأريب أن يتقنه وهو يمسح نصا إبداعيا ما أن يكون ملمّا باللغة جيدا وبشواردها وما قالته العرب ، لأن ّ مسألة الغوص تقوم على أهم الأدوات وهي َ اللغة وقواعدها وأدوات بلاغتها ، هنا سيتعامل الناقد بالأخص مع اللفظة - اللفظة عن قصد لأنها مما نتلفظ به في لغتنا أو مما كتبتـَه مشيرا إلى أنه تلفظ به العرب - والتي هيَ أم ّ ٌ شارحة موضحة لخلجات الكاتب .
إن استقامة الجملة دلاليا يبدأ من إدراك المعنى الشافي والكافي للفظة داخلها ، فلا تكون الجملة اعتباطية ولا متكلفة ولا شاردة عن السياق المطروق وحتى في الإزاحات يجب أن تكون اللفظة قريبة من الألفاظ الجديدة أو تضاف بقرينة مشروعة لتأديَة المهمّة الجديدة بلا مشاكل وهذا الذي يغيب عن كثير فتجدهم يجلبون عليك بخيل لها أجنحة وتعيش فوق ورق الشجر .. أيضا عندما تضاف لفظة إلى جملة وهيَ مبهمة الأداء في مكانها الخاص هنا علينا أن نكثف من قرائن الكشف عن معناهاالجديد الذي نريده..
إن أصعب عتبة في الإبداع هيَ هذا التماسك اللغوي الذي يتيح للمعنى آفاقه الطبيعية في إطار المدرسة المتبناة .كم من نصٍّ نتابعه تجده يضرب يمينا ويسارا بلا هدى ولا خطى وتدرك أن صاحبه يجهل كثيرا من ألفاظه ومعانيها لأنك شققت َ هذا البحر قبله ، بل وتعرف ما أراد قوله ولم يصل ْ إليه لعجز بياني لا غير .
ثمّ إن ّ التحجج بالسياق كلما بدا العيب ليس صحيحا أبدا إلا عندما تسلم الجملة المشار إليها داخل النص أولا وتؤدي ألفاظـُها بكفاءة أدوارَها .. هنا فقط نقحمها في إطار السياق ونحاول أن نفهم الأعم بعد الأخص .
إن ّ أخطر عتبة في الإبداع أن لا تكون اللغة أمًّا لك فعلا ً قد رضعت من حليبها وكنت َ مفطورا على توجسات الحرف وأن لا تكون عارفا بالكثير الكثير من تراثك اللغوي الجميل ..
ثمّ لا يعقل لمن له مسحات إبداعية جيدة في الأدب ألا يعرف ما هو الأدب ولذا نجد في تراثنا أن عملية التقويم عند الشعراء العظام لأي عمل أمامهم تقوم على الإشارة الذكية والتي إن أراد تلاميذ إبن الجني تفسيرها لزمهم كتب في ذلك ولا يصلون ..
لذا فإن ّ إشارة من مبدع حقيقي أهم من آلاف ما تسمعه من غير المبدعين لأنه محصّته التجربة والممارسة الإبداعية فهو يرى ما لا يرون ..
ملاحظة :
لَفْظَةٌ - ج: لَفَظَاتٌ. [ل ف ظ]. (الْمَرَّةُ مِنْ لَفَظَ).: الْكَلِمَةُ الْمَلْفُوظُ بِهَا
المَعْنَى [عني]: مَا يَدلّ عليه اللفظُ؛
طَابَقْتُ لَفْظِيَ بِالمِعْنَى فَطَابَقَهُ
خِلْواً مِنَ الحَشْوِ مَمْلُوءاً مِنَ العِبَرِ
/ عِلْمُ المعاني، من علوم البلاغة وهو علم يُعرف به أحوال اللفظ العربيّ التي بها يُطابقُ مُقتضى الحال/ فلانٌ حَسنُ المعاني أي ذو صفاتٍ حميدة ج مَعَانٍ.