مقدمة
منذ أن دوت تلك الصيحة المجلجلة التي صدح بها عملاق الشعر الفلسطيني المقاوم -الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود- لتتوج سماء الشعر الفلسطيني بعبق الشهادة ، ومسك الدم العنبري، وأرجوان الاستشهاد البطولي ؛ والشعر المقاوم يصوغ المقاطع من ذلك الرحيق الملائكي المختوم ، ويحمل نفسه الثوري في صليل التحدي وعنفوان الاستعلاء المفعم بشذى التضحية :
سأحمل روحي علي راحتي
وأُلقي بها في مهاوي الردَي
فــإما حياة تسر الصديق
وإمـــا ممات يغيظ العدي
، وما أن تحددت معالم الصراع على الأرض بين امة الحق وغطرسة الظالمين ، وفتحت صفحة جديدة من صفحات النزف الفلسطيني المتجدد ، حتى تحددت معها معالم القصيدة الفلسطينية المقاتلة ، وفرضت نظرية الأدب المقاوم نفسها على النص الشعري الفلسطيني.
أنا أؤمن أن إمكانية فرض صورة نمطية واحدة لشهداء الانتفاضة أمر عبثي غير واقعي ؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ فان الحديث عن الشهيد محمد الدرة – رحمه الله – ينقلنا للحديث عن الصورة العامة للمشهد الشعري في شهداء فلسطين ؛ فالقصائد التي تناولت هذا المشهد الرهيب تتوزع بين الألم والأمل ، والآهات والصمود ، وإذا كان المشهد النمطي في قصائد رثاء محمد الدرة قد أخذ منحى الحزن والندب بشكل كبير ، فالمشهد في الجانب الآخر ، ليس كذلك ، والنبض الشعري في القوافي ليس محصورا- كما يرى الباحث الفلسطيني سمير عطية - على النزف فقط . وهنا يستطيع الدارس أن يستحضر صورة الشهيد " فارس عودة " ، التي تمثّل صورة الإرادة والصمود والإقدام ، وهي صورة لا تتناقض مع صورة الضحية البريئة التي مثلها محمد الدرة :
والحديث عن الشهداء في صفحة الإبداع الشعري يفتح بوابات واسعة لأنماط الدرس النقدي بدءا من المساحة الإبداعية المواكبة لهذه الكواكب الملائكية من نسيج الشكل الفلسطيني المقاوم ، وليس انتهاء بطرح أسئلة عصية على كبار الشعراء؛ بل إن الحديث عن مواكبة الشعراء للشهداء في فلسطين المحتلة هو حديث عن الموقعيات السياسية وتشكيل الهوية من خلال خلفيات التناول الفكري أو الأيديولوجي لموضوع الشهادة .
ومن هنا، فإن موضوع الشهادة يبدأ من جديد ليطرح نفسه بقوة أمام شعراء عرفوا- ولمدة طويلة- بأنهم رموز مدرسة الشعر المقاوم وأساتذتها الكبار.