عضو ، أم عضوة ، ومسائل أُخَر
نصَّ مجمعُ اللغة العربيةِ بالقاهرةِ على هذا القَرار : ( لا يجوزُ في ألقابِ المناصبِ والأعمالِ اسمًا كانَ أو صفةً أن يّوصفَ المؤنّثُ بالتذكيرِ ؛ فلا يقالُ : فلانة أستاذ ، أو عضو ، أو رئيس ، أو مدير ) (1) .
وهذا القَرارُ تخليطٌ فاحشٌ .
وأنا مبتدئ في تفصيل هذه المسألة بذكرِ ما هداني إليه الاستقراءُ أوَّلاً :
الأسماءُ نوعانِ : جامدةٌ ، ومشتقةٌ ؛ فأما المشتقةُ ، فالأكثر فيها أن يُفصَلَ مؤنَّثُها عن مذكرِها بالتاءِ ، أو بغيرِها من علاماتِ التأنيثِ ؛ نحوُ : ( ذاهب ، وذاهبة ) . وربَّما لزمتِ العربُ تذكيرَه في بعض الأبنيةِ ، كـ ( فَعول ) بمعنى ( فاعل ) ، وكـ ( مِفعال ) . فأما إذا كانَ معنى المشتقِّ مما يغلبُ أن يقومَ بالمذكَّرِ ؛ فإنَّ لكَ فيهِ وجهينِ : أحدُهما أن تجرِّدَه من التاءِ مطلقًا . والآخرُ أن تبقيَه على الأصلِ ؛ فتفصلَ مؤنّثَه عن مذكرهِ بالتاءِ . والأولُ أحسنُ . ومن أمثلةِ هذا الضربِ قولك : ( الشاهد ، والشاهدة ) ، و ( أمير المؤمنين ، وأميرة المؤمنين ) ، و ( الوكيل ، والوكيلة ) ، و ( الرئيس ، والرئيسة ) ، و ( المُدير ، والمُديرة ) . وأما الجامدةُ ، فإن كانت ممَّا له مذكرٌ ومؤنثٌ حقيقيانِ ، فإنه يجِبُ تأنيث مؤنثه ، وتذكير مذكره . وقد استعملَ العربُ لذلك ثلاثةَ أوجهٍ ؛ الأولُ : أن تفصلَ المؤنثَ عن المذكرِ بلفظٍ يخالفُه ، كما قالوا : ( حمار ، وأتان ) ، و ( تيس ، وعنز ) . وهو الأكثرُ . الثاني : أن تفصِل المؤنثَ عن المذكر بالتاءِ ، كما تفعلُ في المشتقِّ ؛ ومن ذلكَ ( أسَد ، وأسدة ) ، و ( حمار ، وحمارة ) . الثالث : أن تجعلَ للمذكر والمؤنث لفظًا واحدًا ، إمَّا مختومًا بالتاءِ ، وإما غيرَ مختومٍ ؛ فمن الأولِ نحوُ ( فرس ) . ومن الثاني نحوُ ( حمامة ) . وللتفصيلِ في هذا ، والتعليلِ مَقامٌ آخرُ .
وأما الاسمُ الجامدُ الذي ليسَ له مذكرٌ ومؤنّثٌ حقيقيانِ ، فإنَّ العربَ تستعملُ له لفظًا أو ألفاظًا ، ولا تلتزمُ فيهِ وجهًا ؛ فربما جعلوه مذكَّرًا ؛ نحو ( قَلَم ) ، و ( قمَر ) . وربما جعلوه مؤنثًا ، إما تأنيثًا بعلامةٍ ؛ نحو ( ظُلْمة ) ، أو بغيرِ علامةٍ ؛ نحو ( شمس ) . وربما جعلوه مذكّرًا مؤنثًا ؛ نحو ( حالٍ ) ، و ( دِرْعٍ ) . وهذا الضربُ - أعني غيرَ الحقيقي - ليسَ له وجهٌ ثابتٌ في لُغاتِ العالَمِ ؛ بل هيَ في أمرٍ منه مختلِفٍ .
فهذا سبيلُ الاستقراء ، قدَّمناه إليكَ موجَزًا .
أما بيانُ وجهِ القياسِ في ذلكَ ، فنقولُ :
لا يخلو ما يرِدُ عليك أن يكون أحدَ ضربينِ :
الضربُ الأول : أن يَّكون لفظًا مشتقًّا ؛ وهو هنا اسمُ الفاعل ، والمفعول ، وصيغ المبالغة ، والصفة المشبهة ، أو لفظًا موافِقًا في معناه لمعنَى المشتقِّ ، كـ ( أستاذ ) ، و ( تلميذ ) ؛ ألا ترَى أن معنَى ( أستاذٍ ) : ( معلِّم ) (2) ، و معنى ( تلميذٍ ) : ( متعلِّم ) (3) . وهذا الضربُ تنحو بهِ نحوَ ما ذكرنا من تذكيرِ مذكرِه بطرحِ التاءِ ، وتأنيثِ مؤنثِه بزيادتِها ؛ فتقولُ : ( أستاذ ، وأستاذة ) ، و ( تلميذ ، وتلميذة ) ، كما تقول : ( قائم ، وقائمة ) . والعربُ كثيرًا مَّا تحملُ الشيءَ على الشيءِ لعُلقةٍ بينَهما في المعنى ، وإن لم يجرِ لفظُه على قياسِه ، كما فعلوا في بعضِ الأسماءِ الجامدةِ في النعتِ ، والحالِ . وممَّا يشهد لهذا أنهم جمعوا الأوَّل منهما جمعَ مذكَّرٍ سالمًا ؛ فقالوا : ( الأستاذُونَ ) ؛ إذ كانَ بهذا المعنى . ولولا ذلكَ ، لما جازَ . وممَّن صنَعَ هذا ابنُ قتيبة (4) ، والحريريّ (5) . ولو جمعتَ ( تلميذًا ) على ( تلميذِين ) ، لم تكن مخطئًا .
فإن قلتَ :
وأيُّ شيءٍ أجازَ لهم هذا ؟
قلتُ :
لأنَّ المحدَثَ إذا صادفَ كلمةً لا يعرِف مذهبَ العربِ في بعض تصاريفِها ، فإنه يَحملُها على الكثيرِ الغالبِ . فإن اعترضه وجهانِ أو أزيدُ متقاربان في الكثرةِ ، حملَ الكلمةَ عليهما معًا ؛ ولو كانَ أحدُهما أكثرَ ، كما في مصادر الثلاثيِّ ، ومضارعه ، وأبنية المبالغةِ . و ( أستاذ ) منَ الألفاظ التي لم يستعملها العربُ ؛ فلما أردنا جمعَها للحاجة المعنوية ، جمعناها جمعَ تكسيرٍ ، كما هو القياسُ المطرِد ؛ فقلنا : ( أساتيذ ) على الأصل ، و ( أساتذة ) على الحذف ، والتعويضِ . ولما كان معناها معنى المشتقِّ ، جمعناها أيضًا جمع مذكر سالمًا ، ولم نكتفِ بأحد الجمعينِ ؛ إذْ كانا متقارِبَين في الكثرةِ ، وكان القياسُ يُجيزُهما معًا ، كما قالوا : ( راكعون ) ، و ( رُكَّع ) . وهذا الأصلُ في القياسِ يُفهَم من قولِ سيبويه رحمه الله : ( وإذا جاء شيءٌ مثلُ " بُرَة " لم تجمعه العرب ، ثم قِستَ ، ألحقتَ التاء ، والواو والنون ، لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين جُمِعَ بالتاء والواو والنون ، ولم يُكسَّر على الأصل ) (6) .
على أنَّ زعمَه أنَّ الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين أن يجمع بالتاء ، والواو والنون ، ليس صوابًا بإطلاقٍ ؛ إذ الكثرة في ما حُذفت لامُه . أمَّا ما حُذِفت فاؤه ، فلم يُسمع فيه إلا قولهم : ( لِدون ) ، و ( رِقون ) ، و ( حِشون ) .
ويُفهَم هذا المذهب المتقدِّم من قوله أيضًا : ( ولو سميته أيضًا بـ " شية " ، أو " ظُبة " ، لم تجاوز " شيات " ، و " ظبات " ، لأن هذا اسمٌ لم تجمعه العرب إلا هكذا ؛ فلا تجاوِزنّ ذا في الموضعِ الآخَر ، لأنه ثَم اسم ، كما أنه ههنا اسم . فكذلك فقِس هذه الأشياء ) (7) ، وقوله أيضًا : ( وأما " عِدةٌ " ، فلا تجمعُه إلا " عِدات " ، لأنه ليس شيءٌ مثل " عِدة " كُسِّر للجمع . ولكنك إن شئتَ ، قلتَ : " عِدون " إذا صارت اسمًا ، كما قُلتَ : " لِدون " ) (8) . وقد أصاب سيبويه في هذا الرأيِ ؛ لكنه أخطأ بما ذكرَ في ( عِدة ) من وجهين :
الأول : أنه ناقضَ بهذا كلامَه في هذه المسألة ؛ وهو أنَّ الكلمةَ لا يُتجاوَز بها بعد التسمية الجموعُ التي جمعتها العربُ عليها قبل التسمية ؛ قالَ : ( ولو سمَّيتَه بـ " شاة " ، لم تجمع بالتاء ، ولم تقل إلا : " شياهٌ " ، لأنَّ هذا الاسم قد جمعته العربُ ، فلم تجمعه بالتاء ) (9) ، وناقضَ أيضًا قولَه : ( ولا يَجوز " ظبون " في " ظبة " ، لأنه اسمٌ جُمِع ، ولم يجمعوه بالواو والنون . ولو كانوا كسَّروا " رُبَة " ، و " امرأ " ، أو جمعوه بواو ونون ، فلم يجاوزوا به ذلك ، لم تجاوزه ) (10) . معَ أنهم قالوا : ( ظبون ) ، وأنشدوا :
تعاور أيمانُهم بينهم *** كئوسَ المنايا بحدِّ الظبينا
الثاني : أنه ناقضَ بهذا أصلَه الذي احتجَّ به في مواضعَ ؛ وهو ( أنَّ الحمل إنما يكون على الغالب ) ، كما في ادِّعائه أنّك إذا سميتَ رجلاً بـ ( اضرب ) قطعتَ همزتَه ، ولم تصلها ، لأنَّك نقلتَها من حيِّز الأفعالِ إلى حيِّز الأسماء ؛ والأكثرُ في الأسماء القطعُ (11) . وكما ناقض هذا الأصلَ هنا ، ناقضه أيضًا في ادِّعائه أنك إذا سميت رجلاً بـ ( مِن ) ، لم تغيرها ، لأنّها تشبه الأسماء نحو ( يد ، ودم ) (12) ، معَ أن ( يد ، ودم ) قليلةٌ كقلةِ ما ابتدئ بهمزة الوصل من الأسماء .
الضربُ الثاني : أن يَّكون لفظًا جامِدًا . وله حالانِ :
الحال الأولى : أن يبلغَك عن العربِ فيه سَماعٌ . فحكمُه أن تستعملَه كما استعملوه ، ولا تغيّره عن حالِه لاختلافِ المسنَد إليه تذكيرًا ، وتأنيثًا ؛ بل تطلقُ عليهما لفظًا واحدًا ، سواءٌ كانَ حقيقةً ، أم مجازًا .
فأما الحقيقةُ ، فمعروفةٌ أمثلتُها ، ولا خلافَ فيها . وأما المجاز ، فنحوُ قولِهم : ( هذا عضو مجمعِ كذا ) ، و ( هذه عضو مجمع كذا ) ؛ إذْ كان هذا اللفظُ يدلُّ في حقيقة وضعِه على ( العظم بلحمه ) ؛ ولكنَّ المحدَثينَ عدَلوا بهِ عن ذلك إلى ضربٍ من المجازِ ، حينًا من ( التشبيه البليغِ ) كالذي تقدَّمَ ، وحينًا من ( الاستعارةِ ) إذا حُذف المشبَّه ؛ ألا ترى أنك إذا قلتَ : ( هذه عضوُ مجمع كذا ) ، فكأنما قلتَ : ( هذه في المجمعِ مثلُ العضوِ في البدنِ ) ؛ فتكونُ شبهتَها بالعضوِ . وذلك أنه يجمعُ بينَهما أنَّ كلاًّ منهما يؤلِّف معَ مثلِه بناءً تامًّا ، قائمًا بنفسِه . ثم كثُرَ هذا في كلامِهم ، حتى أصبحَ حقيقةً عُرفيَّةً ؛ فلذلك يمتنعُ أن تقولَ : ( هذه عضوة ) ، لأنك تكونُ شبهتَها بالعضوةِ . وليسَ ذلكَ من كلامِ العربِ .
فإن قلتَ :
أحملُها على معنَى المشتقِّ ، كما قالُوا : ( مررتُ برجلٍ أسدٍ أبوه ) ؛ أي : شجاع ، و ( شربتُ ماءً عسلاً طعمُه ) ؛ أي : شديد الحلاوةِ .
قلتُ :
لو سلَّمنا أنّ هذا مقيسٌ ، لم نُسلِّمْ أنَّه يؤنّثُ إذا أسنِدَ إلى مؤنّثٍ ، أو كانَ وصفًا له ؛ إذ لم يردْ في كلامِهم مثلُ هذا . ذلكَ أنَّه وإن ضُمّنَ معنى المشتقِّ ، فإنه باقٍ على إرادةِ التشبيهِ ؛ ألا ترَى أنّ معنى قولِك : ( هذا رجلٌ حديدٌ ) هو : ( هذا رجلٌ كالحديدِ في الصلابةِ ) . وممَّا يُثبتُ لكَ امتناعَه أنّا لو أجزناه ، لكانَ لكَ أن تقولَ : ( مررتُ برجلٍ بدرةٍ أمُّه ) ، و ( هذه امرأة بدرةٌ ) ؛ أي : جميلة كالبدرِ ، كما قلتَ : ( هذه امرأةٌ عضوةٌ ) . وهذا بيِّنُ القبحِ والفسادِ . وممَّا يُثبتُ لك ذلك أيضًا أنك لا تجمعُ ( عضوًا ) إذا أردتَّ بهِ العاقلَ جمعَ مذكر سالمًا ؛ فتقول : ( عضوون ) .
الحالُ الثانية : ألا يبلغَك عن العربِ فيهِ سَماعٌ .
ولا أعرفُ من هذا إلا ما مؤنَّثُه غيرُ حقيقيٍّ . وحكمه أن تلتزمَ تذكيرَه ، لأن التذكيرَ هو الأصلُ ؛ ولذلكَ يُخطِئ بعضُ الناسِ ؛ فيؤنثُ ( الكمبيوتر ) .
فإن قلتَ :
ألا ترَى أنَّه بمعنى ( الآلةِ ) ؟
قلتُ :
ألا ترَى أنتَ كذلكَ أنّه بمعنى ( الجَهاز ) ؟ وليسَ أحدُهما بأولَى من الآخرِ . وإذْ ثبتَ أن العربَ لا تستنِد في تذكيرِ ما كانَ كذلكَ ، وتأنيثِه إلى علةٍ بيِّنةٍ ، فإنه ليسَ لنا أن نقيسَ على شيءٍ من ذلكَ ؛ ألا ترَى أنهم أنثوا ( الشمس ) ، وذكروا ( القمر ) لغيرِ علةٍ ظاهرةٍ ؛ وإن كنتَ لو فتشتَ واجدًا علةً ؛ غيرَ أنها علةٌ غيرُ موجبةٍ ؛ يبيِّنُ لكَ ذلكَ اختلافُ لغاتِ الأممِ في تذكيرِ ما كانَ كذلكَ وتأنيثِهِ . فلمَّا عدِمنا العلةَ الظاهرةَ ، امتنعَ علينا القياسُ ، لأنك لا تقيسُ على الشيءِ حتى تعرفَ علتَه .
فإن قلتَ :
لا أقيسُ عليهِ قِياسَ علةٍ ؛ ولكن قياسَ شبهٍ ؛ أشبِّهُهُ بـ ( الآلةِ ) من جهةِ المعنَى .
قلتُ :
ليسَ للمحدَثِ أن يقيسَ قياسَ شبهٍ إلا في المواضعِ التي طردتْها العربُ ، كالفعلِ المضارعِ ؛ إذ شبهوه بالاسمِ ؛ فأعربوه ؛ ألا تَرى أنه ليس شيءٌ إلا هو يشبه غيرَه من وَّجهٍ ، أو وُّجوهٍ ؛ فلو أخذنا بالقياسِ في ذلكَ ، لأفضَى بنا هذا إلى اضطرابِ الأصولِ ، وانتقاضِ عُقدِ القياسِ . ولذلك لو شبهتَ ( الكمبيوتر ) بـ ( الآلةِ ) ، لأنه أحدُ أفرادِها ، للزِمَك أن تشبهَه بـ ( الجهاز ) ، لأنه أحدُ أفرادِه أيضًا ؛ فتذكرَه ، وتؤنّثَه في حالٍ . وهذا فاسِدٌ . أمَّا خبرُ الأعرابيِّ الذي أنّثَ ( الكتاب ) حملاً على ( الصحيفة ) ، فشاذ . ولو أجزنا ذلك ، لكانَ لكَ أن تذكِّرَ كلَّ مؤنّثٍ ، لأنه ليسَ شيءٌ من الموجوداتِ إلا هو يقبلُ أن تُئَوّلَه بمعنى ( شيء ) . وهذا لازمٌ لا يصِحّ ؛ وإذا امتنعَ ، امتنعَ ملزومُه .
فإذا امتنعَ قياسُ العلة ، وقياسُ الشبهِ ، وجبَ عليكَ الحملُ على الأصلِ في الأسماءِ ؛ وهو التذكير ؛ فتُذكرُ لفظَ ( الكمبيوتر ) . ومثلُه أيضًا لفظُ ( الإنترنت ) ؛ فإنه مذكر ، وتأنيثُه خطأ .
وبذلك يتبيَّن أنَّ ما سُمِعَ عن العربِ ، وجبَ التزامُه ، وامتنعتِ الصيرورةُ حينَ إذٍ إلى القياسِ . فأما ما لم يبلغنا عنِ العرب فيه سماعٌ ، فإنا نحملهُ على أشبهِ شيءٍ بهِ . ويُخْطِئ من يّظنّ أن الأصلَ في مفرداتِ العربيةِ وأحوالِ أبنيتِها القياسُ ؛ بلِ الأصلُ فيها السّماعُ . والقياسُ إنما هو سبيلٌ إلى إدراكِ مذاهبِ العربِ متى ما عُدِم السماعُ .
وبما تقدَّمَ بيانُه يظهرُ أنَّ المجمعَ خلَّطَ بينَ المسائلِ ، وجعلَ حُكْمَها واحدًا ، معَ أنّ حكم ( رئيس ) غيرُ حكمِ ( أستاذ ) ، وحكمَ ( أستاذ ) غيرُ حكم ( عضو ) .
فيصل المنصور
_____________
(1) : في أصول اللغة 3 / 59 ، والقرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 508 - 510 . وانظر أيضًا : لجام الأقلام لأبي تراب الظاهري 223 - 225 ، ومعجم أخطاء الكتاب للزعبلاوي 13 - 14 ، و 404 – 405 .
(2) : هو لفظٌ معرّب عن الفارسية ، أصلُه ( اُستاد ) . ولم يرِِد في شيءٍ من شعر الجاهليين ؛ انظر : اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي لأبي العلاء المعرّي 1 / 27 ، والمعرّب للجواليقي 25 ، تح شاكر ، وتاج العروس ( س ت ذ ) ، وكتاب الألفاظ الفارسية المعربة لأدي شير 10 ، وتفسير الألفاظ الدخيلة لطوبيا العنيسي 2 .
(3) هو لفظٌ معرَّبٌ عن العبرانيةِ ، أصلُه ( تَلْمِيد ) ، ومعناه ( متعلِّم ) . وقيلَ : هو معرَّبٌ عن غيرِها . وقد وردَ في قليلٍ من الشعرِ الجاهليِّ بالدالِ ، والذالِ ، وبحذفِها ؛ إذْ كان أصلُه أعجميًّا ؛ والعربُ تتصرَّفُ في الكلِم الأعجميِّ ما لا تتصرَّف في غيره . واستعملوُه بمعنى ( الخادم عند صاحب الصنعة ، المعين له ) من قِبَلِ أن الخِدمة تعلُّمٌ ، أو من لازمِها التعلُّم . ومعنَى ( التعلُّم ) في العبرانيَّةِ عامٌّ . أمَّا معناه في العربيَّة قديمًا فمخصَّصٌ كما ترَى . وقد توسَّعَ المتأخِّرون فيهِ ؛ فأصبحَ ( المتعلِّم ) بإطلاقٍ ، وأجروه مُجرى الأسماء ، كـما فعلوا في ( صاحبٍ ) ونحوِه . وانظر : شرح مقامات الحريري للشريشي تح محمد أبو الفضل إبراهيم 1 / 70 ، والمعرّب للجواليقي 91 ، ورسالة التلميذ للبغدادي في نوادر المخطوطات تح هارون 1 / 243 ، مع مقدمة المحقق ، وتفسير الألفاظ الدخيلة للعنيسي 18 . فإذا أردتَّ تصريفَه ، قلتَ : ( تلمذَه ) على زنةِ ( فعلَلَه ) إذا جعلَه تلميذًا له ؛ قال أميَّة بنُ أبي الصلتِ :
فمضى ، وأصعد ، واستبدَّ إقامةً *** بأُلي قُوًى ، فمبتَّلٌ ، ومتلمَدُ
فـ ( تتلمذ له ) ، و ( تتلمذَ عليهِ ) ؛ فالأُولَى فيها معنَى الخدمةِ ، والتبعيَّةِ ، كما تقولُ : ( وزرَ له ) . والثانية متمحِّضة الدِّلالة على التعلُّم . وإنما عُدِّيت بـ ( علَى ) إذْ كانت بمعناهُ . أمَّا زعمُ صاحبِ ( معجم الأغلاط اللغوية ) أنَّ هذا لا يَجوزُ ، وأن الصوابَ ( تلمذَ له ) ، فزعمٌ باطلٌ ، ما كان حجتَه فيهِ إلا ( محيط المحيط ) ، و ( أقرب الموارد ) ، و ( المتن ) ، و ( الوسيط ) ، و ( المدّ ) ! وأزيدُه ( رسالة التلميذ ) . وذلك أنَّ السماعَ لم يرِد إلا بـ ( تلمذه ) إذا جعله تلميذًا له ؛ فكان القياس أن تكونَ المطاوعة منه على ( تفعللَ ) بزيادة التاء ، لا ( فعللَ ) ، كما تقول : ( دحرجه فتدحرج ) ، لأن القياسَ إنما يكونُ على الأكثرِ ؛ وهذا هو الأكثرُ . أمَّا ( فعللَه ففَعلل ) ، فلا أعرفه إلا أن يَّكون نادرًا .
(4) : أدب الكاتب 18 تح الدالي .
(5) : مقاماته 311 ، ط دار الكتب العلمية .
(6) : الكتاب 3 / 402 ، تح هارون .
(7) : الكتاب 3 / 400 .
(8) : الكتاب 3 / 401 .
(9) : الكتاب 3 / 400 .
(10) : الكتاب 3 / 401 .
(11) : الكتاب 3 / 198 ، 199 ، 256 ، 319 .
(12) : الكتاب 3 / 266 .