ذكر الجنة حياة للقلوب ، ونسيانها موت للقلوب ..
فأردت من موضوعي اليوم في هذه الأيام والليالي المباركة تحريك القلوب ، وتشويق النفوس ، ورفع الهمم لطلب أعلى الدرجات وعدم الرضا بالدنيات ..
فهيا ننطلق أنا وإياكم في رحاب أبواب الجنة التي تفتحت أبوابها ..
اعلموا رعاكم الله ..مهما جال في خواطركم ، أو تردد في أذهانكم فإنَّ ما في الجنة لا يوجد ما هو أعلى منه وأتم ..
صرح بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم تصريحاً فقال : ( قال الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )[متفق عليه] ..
مصداق ذلك في قوله تبارك تعالى في كتابه : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة:17] ..
فيا أيها المشتاقون ..فيا أيها المشتاقون ..
هذه هي أيام بذل الثمن في لوصول إلى تلك الدرجات وتلك الجنان ..
والله إنه لنعيمٌ لا يستطيع الخيال له تصويرا ، ولا يستطيع اللسان عنه تعبيرا ، وليس الخبر كالمعاينة.. انتظر { إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ }[التكوير:13] .
إنها الجنة ، ودار السلام ، ودار الخلد ، ودار المقامة ، ودار الحيوان ..
إنها جنة المأوى ، والمقام الأمين ، وجنات عدنٍ ، وجنات النعيم ..
إنها مقعد صدق عند مليك مقتدر..
إنها الجنة ..دار كرامة الرحمن فهل من مشمر لها !! ..
إنها الجنة ..فاعمل لها بقدر مقامك فيها ..
إنها الجنة ..فاعمل لها بقدر شوقك إليها ..
إنها الجنة ..دار الموقنين بوعد الله ..
المتهجدين في ظلام الليل ..
والصائمين في الهواجر ..
والله الذي لا إله إلا هو ما حُلّيت الجنة ولا زُينَّت لأمة من الأمم مثلما حُليت وزُينّت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ..
ومع هذا لا نرى لها عاشقاً ..ولم نسمع لها طالباً ..
فيا أيها المشتاق ..ويا أيتها المشتاقة ..
اسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلّقت أبواب جهنم ، وصفدت الشياطين )[سنن الترمذي]
نعم ستفتح حقيقة لا خيال ..
وسيناديك المنادي ..
يا باغي الخير أقبل .. ويا باغي الشر أقصر.
فأين المشمرات ؟؟!!!وأين المشمرون ؟؟!!!
{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }[مريم:63]
فإذا أردت ان تكون من أهلها وسكانها فإليك صفاتهم علك تفوز بها : { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[آل عمران:133-135] نعم يذنبون ولكنهم لا يُصرّون على الذنب ويتوبون ويستغفرون { أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }[آل عمران:136]..
مرَّ إعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ :{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ }[التوبة:111] ..
فقال الإعرابي : كلام من هذا ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا كلام الرحمن ) ..( هذا كلام الرحمن )..
فقال الإعرابي : بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله ..
فخرج إلى الغزو في سبيل الله واستشهد هناك .. فربح البيع .. والله ..
إنه كلام الرحمن { فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[التوبة:111]
إذا أردت أن تكون من أهلها..فكن من الخائفين ..
كن من الخائفين من العذاب ، الراجين الثواب .. قال الله : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }[الرحمن:46] قال صلى الله عليه وسلم : ( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن )[صحيح مسلم] .. يا الله .. يا الله ..
قال سبحانه { فَأمَّا مَن طَغَى ، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }[النازعات:37-41]
فأين هي جنة المأوى { عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }[النجم:14-18]
وأنت أيضاً أيتها المشتاقة المستبشرة ..
إذا أردت أن تكوني من أهل الجنان فاسمعي بعضاً من صفات نسائها ..
قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود والعؤود التي إذا ظلمت قالت لزوجها هذه يدي في يدك لا أذوق غمضاً ولا أنام حتى ترضى )[رواه الطبراني/الجامع الصحيح] ..
وقال أيضا مبشراً الصادقات القانتات المطيعات : ( إن المرأة إذا صلت خمسها ، وصامت شهرها،وحصَّنت فرجها،وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)[صحيح ابن حبان].
فماذا تريدين !!! أي فضل أعظم من هذا !!..
بل اسمعوا هذا الخبر العجيب من الرسول الحبيب ..قالت عائشة رضي الله عنها : جائتني امرأة معها جاريتان أو ابنتان تسألي حاجة فلم عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فبدل أن تأكلها قسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة بخبرها مع ابنتيها ، وأخبرته بفعلها ، فقال: ( إن الله قد تعجَّب من فعلها ، وإن الله أوجب لها بها الجنة و أعتقها بها من النار )[رواه مسلم] .. بتمرة .. يا حليم .. يا غفار .. يا حليم .. يا غفار ..
أمة الله إذا أردت أن تكوني من أهل الجنان ..
فاسألي خديجة ، واسألي فاطمة ، واسألي أم عمارة..
واسألي الصادقات المؤمنات وسيري على طريقهن .. يا رعاك الله..
اعلموا أيها المشتاقون ..اعلموا أيها المستبشرون ..
إن منازل الجنة إنما تكون على قدر الاجتهاد ها هنا في الدنيا ..
إن منازل الجنة إنما تكون على قدر الاجتهاد ها هنا في الدنيا ..
فوا عجباً من مضيع لحظة فيها فتسبيحة واحدة تغرس لك فيها شجرة أكلها دائم وظلها ..
فالبدار البدار .. قبل أان تصفر شمس العمر، وقبل أن يحين الغروب..
فمن تخيل دوام اللذة في الجنة هان عليه في الدنيا كل بلاء وشدة .. هان عليه كل بلاء وشدة.. قاله ابن الجوزي رحمه الله ..
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك اللهم ونتوب إليك..