دعوة لحوار مفتوح حول الذات و الهوية و الواقع و المعصرة
أقدم كأرضية للحوار مقتطف من كتاب المفكر العربي علي حرب
(النص والحقيقة .. الممنوع والممتنع .. نقدُ الذات المفَكِّرة)
بالتحديد من فصل : نقد الكوجيتو
بعنوان من يصمد
من يصمد ؟
أعرف ان هناك تحديات هائلة ومصيرية يواجهها العرب اليوم وبسبب ذلك أقول ما اقول واراني استهد هنا بفكر مغربي عنيت به الدكتور عبدالله العروي الذي كان قد القى محاضرة في بيروت عام 1980 على ما اذكر ،تنبأ فيها بان القرن المقبل لن يكون عصر الانتهاء من الاستعمار ونيل الشعوب حرياتها بل سيكون بالعكس عصر تصفية الشعوب الضعيفة وابادتها اي على عكس كل الاحلام والامنيات فضلا عن "التحليلات" التي كانت تتوقع للبشرية التقدم والازدهار والسلام بالاستناد الى حتمية القرن التاسع عشر الساذج . وانا أصدق نبوءة العروي، بالرغم من أملي بأن لاتصح ، اكثر مما أصدق مثلا مقولة الرئي الكاتب فاكلاف هافل الذي كتب بتفائل بعد ثورة المخمل في براغ لكي يؤكد "حصول المصالحة بين الاخلاق والتاريخ" ولكن الاحداث التي تسارعت فيما بعد ولاتزال تتسارع تكشف مدى الوهم في رؤية الرئيس التشيكي مقابل واقعية النبوءة عند المفكر المغربي . وانا لا اريد ان ازرع التشاؤوم . ولكن مغزى النبوءة عندي أنه لن يصمد الا القوي الذي يثبت جدارته ويستحق وجوده، اي القادر على الخلق والابتكار والانتاج. وبناء القوة يتطلب اول مايتطلب نقد الاسس وتفكيك البديهات. ولايخشين أحد. فالتفكيك هو وسيلة الفعالة لوصل ما انقطع من الاواصر او لبناء مايراد بناؤه، أي بناء إمكانات تتيح للواحد ان يفكر فيما لم يكن يفكر فيه، وان يفعل ما لم يكن قادرا على فعله. فهو على كل حال شرط الخروج من السبات . والفكر ليس في حقيقته شيئا غير ذلك. إنه فعالية نقدية مستمرة، أي عملية نقد ونقد للنقد، بها بستيقظ المرء من غفوته اللاهوتية او الماورائية او الدوغمائية او الاناسية او العرقية او حتى العقلية والاخلاقية..
والمفكر العربي عندما يفكك مقولاته واجهزته المفهومية، يخرج من سباته القومي ويتحرر من انتماءاته الضيقة وعقليته الدوغمائية، لكي يسهم في عملية الابداع الحضاري لغة وثقافة وفكر. ولاشك أنه يخدم بذلك ذاته والعرب فضلا عن الناس اجمعين. نعم لن ينجز العربي حضارة مالم يتغير ويكف عن ان يكون ذاته ليكون على ما غير ماهو عليه أو ضداً على ماهو عليه. عندها يجتاز الحدود ويغير الشروط نحو الافضل، أي نحو ما يمنحه القدرة وقوة الاداء ويجعله صاحب مبادرة خلاقة او استراتيجية فعالة. فالهوية حضور،والوعي وعي بالعالم، والتراث مادة للعمل والبناء، والثقافة اشتغال على الذات، والمعرفة اختبار للواقع ، والعقل تدبير وتقدير، والسياسة صناعة للحدث والمشهد ، والحضارة صناعة للحياة والمستقبل، فلا نعبدنّ الاسماء ولا نحولنّ النصوص الى اصنام.
في الختام إذا كان لي أن ألخص مداخلاتي بوسعي القول : يجدر بنا قلب الاولويات. ذلك أن المسألة لاتتعلق بمشروع حضاري عربي بقدر ماتتعلق بمشروع عربي حضاري، اي لاتتعلق بمشروع يخصنا وحدنا ويكون عربي المحتوى والمضمون، بل تتعلق بمشروع ننجزه يكون له مزاياه الحضارية وبُعده العالمي. والفارق كبير بين المشروعين. إنه فارق بين الطريقتين في التفكير. الاولى بها نعسكر داخل فكرنا ونتصارع على المقولات والعقائد والهويات. والثانية بها نخرج من قوقعة الكوجيتو ونتوجه الى العالم لكي نتعرف إليه ونشارك في صنعه وتشكليه او في فتحه على آفاق جديدة.