تمييزُ العددِ الصَّريحِ مجموعٌ مجرورٌ بالإضافة وجوبًا منَ الثلاثةِ إلى العشرة، نحو "جاءَ ثلاثةُ رجالٍ، وعشرُ نِسوةٍ"- ما لم يكن التمييزُ لفظَ مِئَةٍ، فيكون مفردًا غالبًا نحو "ثلاث مِئَةٍ". وقد يُجمعُ نحو "ثلاثِ مئينَ، أو مِئاتٍ". أما الألفُ فمجموع البتةَ، نحو "ثلاثة آلافٍ".1- التمييز
واعلم أنَّ مُميَّزَ الثلاثةِ إلى العشرة إنما يُجرُّ بالإضافة إن كان جمعًا كعشرةِ رجالٍ، فإن كان اسمَ جمعٍ أو اسمَ جنس جُرَّ بمن؛ فالأولُ كثلاثةٍ من القوم، وأَربعةٍ من الإبل. والثاني كستَّةٍ من الطَّيرِ، وسَبعٍ من النَّخلِ. قال تعالى: {فَخُذْ أَربعةً من الطَّير}. وقد يُجرُّ بالإضافة كقوله تعالى: {وكان في المدينةِ تسعةُ رَهْطٍ}. وفي الحديثِ "ليس فيما دونَ خَمسٍ ذَوْدٍ صَدَقةٌ"، وقال الشاعر:
ثَلاثَةُ أَنفُسٍ وثَلاَثُ ذَوْدٍ * لَقَدْ جارَ الزَّمانُ على عِيالي
وأما معَ أحدَ عشرَ إلى تسعةٍ وتسعينَ فالتمييزُ مفردٌ منصوبٌ، نحو "جاء أحدَ عشرَ تلميذًا، وتسعٌ وتسعونَ تلميذةً". وأما قوله تعالى: {وقَطَّعناهمُ اثنتيْ عشَرةَ أسباطًا}، فـ"أسباطًا" ليس تمييزًا لاثنتيْ عَشرةَ، بل بدلٌ منه والتمييزُ مُقدَّر، أي قطعناهم اثنتي عشرةَ فِرقةً؛ لأنَّ التمييزَ هنا لا يكونُ إلا مفردًا. ولو جازَ أن يكون مجموعًا كما هو مذهبُ بعض العلماءِ لَمَا جازَ هنا جعلُ "أَسباطًا" تمييزًا؛ لأن الأسباطَ جمعُ سِبطٍ، وهو مُذكَّر، فكان ينبغي أن يُقالَ: وقطَّعناهم اثنتيْ عشرَ أسباطًا؛ لأنَّ الاثنين تُوافِقُ المعدودَ والعشرةَ وهي مركبةٌ كذلك.
وأما معَ المئَةِ والألفِ ومُثنَّاهما وجمعِهما فهو مفردٌ مجرورٌ بالإضافة وجوبًا، نحو "جاءَ مِئَةُ رجلٍ، ومِئَتا امرأَةٍ، ومِئاتُ غُلامٍ. وألفُ رجلٍ، وأَلفا امرأَةٍ، وثلاثةُ آلافِ غلامٍ". وقد شذَّ تمييزُ المِئَة منصوبًا في قوله:
إذا عاشَ الْفَتى مِئَتَيْنِ عامًا * فَقَدْ ذّهَبَ الْمَسَرَّةُ وَالفَتاءُ
1- لا يجوزُ الفصلُ بينَ التمييزِ والعدَدِ إلاّ ضرورة في الشعر، كقوله:2- بعض أحكام تمييز العدد
"في خَمْسَ عَشْرَةَ من جُمادَى لَيْلَةً"
يريدُ في خَمسَ عَشرَةَ ليلةً من جُمادى.
2- إذا جئتَ بعد تمييز العَددِ كأحدَ عشرَ وأخواتها وعشرين وأخواتها بِنعتٍ صَحّ أن تُفردهُ منصوبًا باعتبارِ لفظِ التمييز، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون، رجلًا كريمًا"، وصَحَّ أن تجمعهُ جمعَ تكسيرٍ منصوبًا باعتبار معنى التمييز، نحو "عندي ثلاثة عَشر، أو ثلاثون رجلًا كِرامًا؛ لأن رجلًا هُنا في معنى الرجال؛ ألا ترى أنَّ المعنى ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون من الرجال".
ولكَ في هذا الجمعِ المنعوتِ به أن تحمِلَهُ في الإعراب على العَدَد نفسه، فتَجعلهُ نعتًا لهُ، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون رجلًا كِرامًا". ولكَ أن تقولَ: "عندي أَربعونَ درهمًا عربيًا أَو عربيّةً"، فالتذكير باعتبار لفظٍ الدرهم، والتأنيث باعتبار معناهُ؛ لأنه في معنى الجمع كما تقدمَ.
فإن جمعتَ نعتَ هذا التمييز جمعَ تصحيحٍ وجبَ حملُهُ على نفسه، وجعلُهُ نعتًا لهُ لا للتمييز، نحو "عندي أَربعةَ عشرَ، أو أَربعونَ، رجلًا صالحونَ".
3- قد يضافُ العددُ فيستغنى عن التّمييز، نحو "هذه عَشَرَتُكَ، وعِشرُو أبيك، وأحدَ عشرَ أَخيكَ"؛ لأنك لم تُضِف إِلاَّ والمُميّزُ معلومُ الجنس عند السامع. ويستثنى من ذلك "اثنا عشرَ واثنتا عَشْرةَ"، فلم يُجيزُوا إضافتها، فلا يقال: "خُذِ اثنيْ عشرَكَ"؛ لأنَّ عَشْرَ هنا بمنزلةِ نون الاثنين، ونونُ الاثنينِ لا تجتمعُ هي والإضافة؛ لأنها في حكم التنوينِ، فكذلك ما كان في حكمها.
واعلم أنَّ العددَ المركبَ إذا أضيفَ لا تُخِلُّ إِضافته ببنائه، فيبقى مبنيّ الجزءَين على الفتحِ، كما كان قبلَ إضافتهِ، نحو "جاءَ ثلاثةَ عشرَكَ".
ويرى الكوفيّون أنَّ العددَ المركّب إذا أضيفَ أعربَ صدرُهُ بما تقتضيهِ العواملُ، وجرَّ عَجزُهُ بالإضافةِ نحو "هذه خمسةُ عشَركِ، خُذْ خمسةَ عشرِكَ، أعطِ من خمسةِ عشرِكَ". والمختارُ عند النُّحاة أنَّ هذا العددَ يلزم بناءَ الجزءين، كما قدَّمنا.