أحدث المشاركات

تطاول» بقلم الفرحان بوعزة » آخر مشاركة: الفرحان بوعزة »»»»» إقناع» بقلم يحيى البحاري » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» في صحبة الذباب» بقلم عبدالله سليمان الطليان » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قصة ابن زريق البغدادي مع قصيدته اليتيمه» بقلم هائل سعيد الصرمي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» صورة وجدار» بقلم بتول الدليمي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» تبصر العين..» بقلم إدريس علي الواسع » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة بمقال التحكم بالعقل أكثر مشاريع المخابرات الأمريكية سرية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» غزة العزة» بقلم المختار محمد الدرعي » آخر مشاركة: المختار محمد الدرعي »»»»» حلمي .. حلمك .. " ق. ق. ج "» بقلم بهجت عبدالغني » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

صفحة 10 من 11 الأولىالأولى 1234567891011 الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 110

الموضوع: قاص تحت الضوء (الحلقة الأولى ) .. مع أ. حسام القاضي

  1. #91
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    أجدد ترحيبي بأديبنا المتميز القاص المبدع حسام القاضي وأستأذنكم جميعا في طرح مقاربة متواضعة تعبر عن رؤيتي الخاصة – وغير المتخصصة - في أعمال أديبنا الكبير وأسلوبه وفكره .
    وكتوطئة لذلك فأعترف أن جميع قراءاتي لأدب الأستاذ حسام القاضي هي فقط من خلال إعماله المنشورة في رابطة الواحة الثقافية ، وتحديدا في قسم القصة والأقصوصة ، إضافة لمشاركاته العديدة التي أتابعها وأبحث عنها في المواضيع الآخرى والتي تشكل الجانب النقدي من أدب كاتبنا القدير وضرورتها واضحة في استكمال الصورة العامة حول غزارة علمه ووضوح النهج الفكري ورؤيته في الأسلوب القصصي .
    هذا المدخل لكتابات الأستاذ حسام القاضي ومشاركاته يفتح كذلك أمام المتأمل نافذة لشخصيته وأدبه في الحوار وتواضعه في التعليم والتوجيه ، ما يفسر انتشار القبول والمحبة له بين الأعضاء جميعا ، فتجده يخالف بأدب ويوجه ويعلم بأسلوب أخوي لطيف محبب ، ويشير أو يلمح لما يراه بذكاء واحترام دون أن يجهل أو يرفض الآخر ناهيك عن أن يقدح فيه أو يعيبه ، كل ذلك مضافا إلى المنهجية والحرفية يجعله ناقدا يقترب من المثالية ، وإن كان مقلا في ذلك ولعل هذا يرجع لانشغاله وضيق وقته ولرغبتنا في الاستزادة من آرائه وتحليلاته .

    بعد ذلك أنتقل إلى الحديث والمقاربة بتلقائية غير مرتبة – ولا أسميها نقدا – لكوني لست ناقدا بل أنا تلميذ هاو يتحدث عن انطباعته في أدب أستاذه وفكره وأسلوبه ، وهذه حقيقة وليست مجاملة ، فالأستاذ حسام القاضي أحد الذين استقيت منهم وتأثرت بهم في أدب القصة خاصة القصيرة ، واستفدت من كتاباته ومشاركاته في عناصر القصة ومصطلحاتها ومصطلحات النقد والتحليل والمدخل إليه .

    أسلوب الكتابة عند حسام القاضي يتميز بعدة صفات تتضافر فيما بينها ، فهو أسلوب بسيط المفردات مع كونها منتقاة ببراعة وجيدة التوظيف في السياق ويبتعد عن االتعقيد في التراكيب اللغوية وهذا يساعد القارئ على الانغماس بالقصة والاستمتاع بها دون الإخلال باللغة . كما يتصف أسلوبه بالتشويق والتصعيد الهادئ للأحداث ما يشد القارئ للقصة دون أن يشعر بالقلق أو الإثارة المبالغة التي لا تتناسب مع الحدث ، ووصولاً إلى الخاتمة .
    ولعل مما أستدرك على كاتبنا في أسلوبه استخدامه للألفاظ العامية في بعض المواضع ، وهي وإن كانت تتماشى مع النص والموقف إلا أنها تعتبر نقطة سلبية بالنسبة للقارئ غير المصري .
    كذلك أتمنى على أديبنا الكبير مزيدا من الاعتناء بالتشكيل ، ليسهل خاصة على المبتدئين قراءة النصوص بسلاسة أكبر .

    مع أنه يتقن بحرفية كبيرة كل عناصر القصة القصيرة فلو أردت أن أختار أكثر ما يميزها عند حسام القاضي لقلت : الرمزية .
    في كل قصصه التي قرأتها تقريبا كان الرمز بارزا بقوة وغالبا ما يكون محور القصة ،وأنظر كمثال على قوة الرمز قصة "عملية جراحية" والتي رافقها كذلك غموض في التفاصيل نسجت كلها بحبكة ممتازة ، وكذلك في "الحصار" الذي يأخذك في عالم أقرب إلى الأحلام وتتبدى فيه براعته في الحبكة مع قمة الإمتاع .

    عندما أصف فكر حسام القاضي وأغراض الكتابة عنده ربما من المناسب أن أختصرها في ثلاثة عناوين كبيرة :
    المبدئية ... والثبات ..... و((التصميم)) .
    البطل عنده صاحب مبدأ وموقف في أغلب الأحيان ، وهو ثابت عليه لا يتزعزع ، ومصمم على بلوغ غايته غير عابئ بالضغوط الممارسة عليه أو الجذب المتعرض له . وأرى من وجهة نظري الخاصة أن هذه هي الرسالة التي يريد حسام القاضي أن يوصلها للقارئ أو يوصل القارئ إليها في أعماله ، بصورها المتنوعة ومواقفها المتباينة .

    أعود ثانية لأسلوب القصة عند حسام القاضي بشيء من التفصيل في بنية القصة كما أراها :
    العنوان ، مشوق بشدة وهو بداية الإبداع عنده ، ويصعب أن تقاوم قراءة قصة له عندما تقرأ عنوانها ... "41 بدون لون " .... " لكنه حي " .... " الحصار " ، فهو عنوان مرتبط بقوة بالقصة ، لا يكشف لحظة التنوير فيها ، ومشوق بنفس الوقت .
    أما المدخل ، فسرعان ما يزج بك في أحداث القصة وحبتكتها دون أن تملك أي مقاومة له ولا تكاد تميزه عن وسط القصة وحدثها الأساس ليقودك إلى حبكة بارعة غير معقدة في معظم الأحوال ، وقد تجد فيها شيئا من الغموض المقصود .
    في الحوار تتجلى مهارة الأستاذ حسام القاضي بشكل كبير كذلك .. "41 بدون لون" ... "ربطة عنق" ... ، وهو حوار ممتع يتفاوت في أسلوبه بين قصة وأخرى .
    أما الخاتمة عند كاتبنا الفذ فتتميز بتركيزها على العبرة والمعنى والفكرة مع المحافظة على عنصري المفاجئة والإدهاش دون أن يكونا الهدف الأساسي لها .
    كشف الغموض جاء مبكرا أحيانا في قصة حسام القاضي قبل لحظة التنوير لكنه كان ضروريا لتفاعل الحدث وتطوره " 41 بدون لون "

    أخيرا في قراءتي المتواضعة لأدب الأستاذ حسام القاضي فإني أجد في قصته الرائعة " لكنه حي " خير مثال يظهر بوضوح مقدرته في الكتابة وفكره الجلي وتتضح فيها جميع عناصر القصة القصيرة عنده متناغمة بشكل رائع .
    أخي الأديب الكبير والناقد الراقي / د. مازن لبابيدي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    يجب أن اعترف أولا أنني أواجه مأزقاً كبيرا، فقد مضت ساعات طوال أقرأ وأحاول أن أجد تعقيباً يناسب هذا العمل الرائع النبيل ، ومع ذلك لم أصل إلى شيء ..
    وأتساءل إن لم تكن هذه دراسة نقدية نموذجية فكيف تكون إذاً؟؟!!!
    ماذا أقول؟
    هي ليست مجرد دراسة تفصيلية عن أعمالي المتواضعة بما لها وما عليها بل قد تعدت ذلك كثيرا،فهي قبل أن تشير إليها أشارت إلى نفسك الشفيفية النبيلة وإلى تواضعك الجم الذي كللني تاجاً أفخر به وأراه أكبر مني .
    أخي الأديب الطبيب يبدو انك استخدمت ببراعة أدواتك الطبية لتشخيص حالتي الإبداعية ، و استخدمت مبضع الجراح لتشريحها والنفاذ إلى أعماقها .
    عمل أكثر من رائع أفاد قصصي أيما إفادة وأسعدني والله برقيه ودفئه وسلاسته والتي هي مثال للسهل الممتنع .
    اعذر حروفي العاجزة أخي الكريم.

    وأرجو ان تتقبل مني أسمى آيات التقدير والشكر والعرفان.
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  2. #92
    الصورة الرمزية كريمة سعيد أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    المشاركات : 1,435
    المواضيع : 34
    الردود : 1435
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة



    أرجو أن أكون قد وفقت في طرح وجهة نظري المتواضعة.

    مع فائق تقديري واحترامي
    الأستاذ القدير حسام القاضي
    تواضعك يميزك لأنه من سمات المبدعين الحقيقين الواثقين ....
    ووجهة نظرك أستاذي الكريم تنمّ عن فكر راق يتميز بالروية والتأمل والقراءة المتمعنة ....
    فشكرا على إضاءاتك المفيدة التي لم يخل منها أي رد من ردودك التي تابعتها بشغف واستفدت منها كثيرا...

    شخصيا أعتبر هذا اللقاء وثيقة مهمة تتضمن أجوبة شافية عن الكثير من الأسئلة التي تراود محبي كتابة القصة ...

    جزيل شكري وعظيم تقديري واحترامي

  3. #93
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري مشاهدة المشاركة

    يسرني أن أرحب بالأخ الأديب الكبير حسام القاضي في بيته وعرينه وأتمنى له التوفيق في هذا الكم الكبير وهذا التوافد المغدق الذي يعبر عن مدى تقدير الجميع له ولخلقه وأدبه الكريم.

    ولكي يكون حضوري ذا قيمة تفيد الجميع خصوصا أدباء القص أوجه هذه الأسئلة للأديب الكبير واثقا بأنه سيجيب بما يثري ويفيد من خلال تجربته الإبداعية الواسعة.

    ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟

    كيف يرى القاص حسام القاضي العلاقة الناشئة بين القص والنص؟؟ وكيف يمكن تأصيل هذه العلاقة لتشكيل الحالة الإبداعية؟؟

    أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟


    أكرر ترحيبي ودعواتي بالتوفيق.


    تحياتي
    أخي الأديب والشاعر الكبير / د. سمير العمري
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مستويات الحالة الابداعية هي المراحل المتدرجة التي تدور في العقل الباطن منذ لحظة وجود الفكرة حتى لحظة الكتابة ، وهي بالطبع تختلف من مبدع لآخر حسب اولوياته فهناك من يهتم في البداية بجمالية العبارة وهناك من يهتم بالموضوع أو الشخصية (وأنا أميل لهذا)، وكل ذلك من أجل تجسيد الفكرة النظرية في قالب النص القصصي مثلاً ، ويمكن تحديد هذه المراحل فيما يأتي :
    مرحلة الاحساس بالرغبة في الكتابة (وجود مثير ما).
    مرحلة تحديد الشكل الأدبي رواية أو قصة .
    مرحلة الاختيار بين البدائل (الطرح).
    مرحلة الولادة للإنتاج الأصيل.
    مرحلة التهذيب والتنقيح والحذف والإضافة في النتاج الإبداعي.
    اما عن النص والقص
    النص هو الصورة الأخيرة المستقلة المعبرة عن كل ما أراده المؤلف من خلال جمل مترابطة،أما القص فهو الأسلوب الخاص الذي جاء عليه تأليف القصة، ولهذا هناك فرق بين القص والقصة؛ فالقصة ممكن ان تكون واحدة ، ولكن يختلف القص من مبدع لآخر بحسب الصياغة والمبالغة ؛فالعلاقة بين النص والقص علاقة عموم وخصوص ،فكل قص نص أدبي ، أما النص فيمكن ان يكون نثرياُ أو شعرياً.
    خالص تقديري واحترامي.

  4. #94
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
    جماليات الماضي في أسلوب القاضي


    إذا أردنا الحديث عن القصة القصيرة ، كفن فرض نفسه بقوة ، وأصبح له مئات بل آلاف الكتاب في كل مكان ، بين هاوٍ أو مستسهل بظنه للنثر بعيداً عن ميزان الشعر وقافيته ، أو مبدع حقيقي يعرف كيف يكتب القصة فان الحديث يدفعنا إلى تقنيات الكتابة ، والتميز في الطرح ، والجودة في الأداء ، والإصابة في المضمون .
    وإذا أردنا أن نتحدث عن الأديب المصري الكبير : حسام القاضي ، ككاتب للقصة القصيرة ، وأنموذج لكتاب القصة الواعين المخلصين لأمانة الكلمة ، فإننا نقف أمام جملة من أعماله مبهورين لجودة الأسلوب وروعة الطرح عبر خصائص اختص بها وميزت ما يكتب بأدوات أجاد وأحسن في استخدامها :
    1- العنوان :
    " من عناصر القصة القصيرة، العنوان. ويمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء إستراتيجية أي نص أدبي. وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في القصة، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها، وعناوين لها طبيعة إيحائية، وعناوين لها وظيفة تناصية، وعناوين لها طبيعة استعارية، وعناوين يؤتى بها لتشوش الأفكار. وهذه الوظيفة الأخيرة للعنوان هي التي أرادها (امبرتو ايكو). ومن أمثلة هذا العنوان مثلاً عنوان قصة قصيرة جداً لعدنان كنفاني نصه: (مصير العظماء)، ورد في مجموعة "بروق" (1)
    "ومهما يكن الشأن، فإن القصة القصيرة العادية يحسن بها أن تجمع حسن العرض إلى نمو الحدث إلى المشهدية المسرحية، كما يتوخى من كاتبها أن يحكم بنائه ويحذق حبكته، ويختار مفرداته دونما ترخص في الفصحى ودونما إغراق في التقعر، مراعياً اللغة الوسطى، وذلك لأن تضحيته بما سبق، أو انحرافه إلى لغة شاعرية مفعمة بالتأنق والزخرف والصنعة، يجعله بعيداً عن السمت المقصود، وقريباً من فنون أخرى، قد لا تحتمل القصة أعباءها. ولا بد أخيراً من التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج أو ومضة من ضوء، تكتنز المعنى والمتعة معاً." (2)

    أهم ما يميز القص في أسلوب القاضي بدايةً العنوان ، الذي يأتي ملفتاً يعبر عن القصة لكنه لا يفضحها ، يجذب الأنظار مثيراً يختصر القصة كلها دون أن يشي بما فيها .
    " ولكنه حي " جاء العنوان هنا بنفس الجملة القصيرة التي انتهى بها ذات النص " ولكنه حي "
    اختصر جواب تساؤلات هذه الأم التي تموت وهي تلد طفلها الذي جاء نتيجة اغتصاب قاس وتعذيب مضنٍ من سجاني الحرية ومغتصبي حقوق الإنسان ، جاء الطفل نازفاً متوجعاً كحال أمه ، يبحث له عن أب لا يعرفه ، وهوية ربما لم يدركها ، بينما ينشغل الشيوخ بكل شيء إلا هو ، إلا هم الأمة النازف ، الذي اغتصب واستبيحت محارمه ، ولم يكن هناك معتصم ، ولم تصل الصيحة إلى أحد ، لأن آذانهم مغلقة ، وان سمعوا ، فإنهم لن يحركوا ساكناً ..
    لكنه حي .. سيأتي للدنيا رغم كل شيء ، مشوهاً أو مريضاً ، لكنه سيكبر ، وربما يتعلم كل شيء ، ويعرف أن الفضيلة أمه ، وأن مغتصبي أمه فعلوا كل شيء فما انتصروا ، لأنه رغم كل شيء .. بقي حياً ..
    وهكذا ، نجد العنوان ملفتاً أكثر في " نفس ما أرادوا "
    حين يبرز القاص التشابه بين اغتصاب بالإكراه يحدث لبطلته ، يستنكره المجتمع والناس ويمنعه القانون والدين ، وبين اغتصاب بإرادة الأهل والمجتمع وتأييد القانون ، حين تتزوج الفتاة من رجل قاس لا تحبه ، يريد الحصول على كل شيء بنفس العنف الذي واجهته سابقاً ، بنفس الوسيلة ولنفس الغاية .. الحصول على جسدها دون أي اعتبار لمشاعرها .
    ثم يتكرر ذات الإبداع في العنوان في " حقيبة متربة وجورب أبيض " و " بيتزا " و " ربطة عنق "
    2 - البداية :
    "من عناصر القصة القصيرة البداية والنهاية. ومن زمن بعيد رأى (ادغار آلان بو) الذي وصف بأنه أبو القصة القصيرة، أن البداية الناجحة هي التي تحدد نجاح القصة أو إخفاقها. وكذلك كان (يحيى حقي)، وهو من هو في فن القص، يرى أن القصة الجيدة هي ذات مقدمة جيدة محذوفة، لأن هذا الحذف يدفع بالقارئ إلى الإحساس بأنه إزاء عمل حي وجو فني متكامل (انظر مقدمة عنتر وجولييت، لحقي ص 4). بيد أن هذا الحكم إنْ صحَّ على بعض القصص، فقد لا يصح على قصص أخرى، ذلك لأن للقصة مستلزمات أخرى لا بد من توافرها لتنجح وتمتع وتعني." (3)
    ومن خلال قراءتنا لأعمال القاضي نجد أنه تميز بالبداية القوية المدهشة في نصوصه ،
    أنظر البداية في بيتزا :" تمنعه الحمى من القفز من فراشه لدى سماعه النبأ ، حاول الوقوف على قدميه سقط محدثادويا "(4)
    فمن هذا الرجل ، وأي أمر ذاك الذي يجعله يحاول القفز حين يسمعه .. ؟
    تلك أسئلة تبدأ بها القصة بما يميز الأسلوب الذي يشد القارئ منذ أول وهلة .
    وهكذا نجد البداية المدهشة ذاتها ، في " ربطة عنق :
    "آسف جدا لن تستطيع الدخول .
    لم ؟ معي تذكرتي و …." (5)
    ثم البداية المدهشة في " مرايا "
    "تسلل الشيب إلى فوديه وهو على حاله يبحث وسط الحطام"(6)
    وهذه وحدها استوقفتني وشدتني منذ الجملة الأولى ، التساؤلات التي تجعل القصة القصيرة مدهشة إلى أبعد مدى .. أي حطام ذاك الذي يبحث فيه حتى يتسلل الشيب إلى فوديه ..كم بقي هناك ؟ عشر سنين ، أكثر ... ربما
    3. القفلة / المفارقة:
    من أساسيات ما تعلمناه في فن القصة القصيرة أن تكون القفلة مدهشة ، أن تحمل المفارقة ، أن تكون صادمة لكي تكون مبدعة ويبقى لها الأثر الطويل .
    لكن المفارقة تبدو من خلال ملامح النص ، وليس شرطاً أن نعتمد الأسلوب الذي يجعل القصة تسير كلها في اتجاه ما ليختلف الأمر كله في آخر جملة ، ربما مثل أسلوب جريفث للإنقاذ في آخر لحظة .. آخر ثانية .
    " أما النهاية، ففيها يكمن التنوير النهائي للقصة، وهي اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل ... "
    " وتعددت أشكال النهايات في القصة القصيرة، وأمكن للنقاد أن يروا فيها ستة أنواع من النهايات، هي: النهاية الواضحة، وفيها تحل المشكلة دون تعقيدات تذكر. والنهاية الإشكالية، وفيها تبقى المشكلة دون حل. والنهاية المعضلة، وفيها يمكن أن يكون الحل من خلال مشاركة القارئ في التوقع، دون أن يكون هذا الحل هو الحل المثالي الوحيد. والنهاية الواعدة، وفيها يتم التنويه بمخارج كثيرة دون ذكرها صراحة. والنهاية المقلوبة، وفيها يتخذ البطل موقفاً مناقضاً لما كان عليه في البداية، فإذا كان يكره شخصاً في البداية، ينتهي به الأمر إلى أن يحبه في النهاية. والنهاية المفاجئة، وفيها يفاجئ السارد القارئ بحل غير متوقع-(أنظر القصة القصيرة- النظرية والتقنية ، لامبرت ترجمة علي منوفي ص 135)... " (7)
    التزم القاضي بأن تظهر ملامح المفارقة من خلال النص ، لتتكشف أخيراً في نهايته ، من خلال قصة " 41 بدون لون " مثلاً
    يقودنا الحوار تدريجياً للتساؤل دون أن نكشف الحقيقة كاملة ، عن هذا الجريء الذي يواجه البطل ، يتمرد عليه ، بل ويقرر الانفصال عنه ، لنكتشف عبر ملامح النص أن هذا المتمرد ما هو إلا حذاء مقاس 41
    ولا يحاول الكاتب أن يحتفظ بالأمر كمفاجأة تبدو فقط من خلال الجملة الأخيرة ، إنما تتكشف الأمور تلقائياً من خلال تطور الحوار ذاته :
    يبدأ التلميح بهذه العبارة :
    " لا تغالط نفسك حاول أن تتخيل نفسك سائرا في الطريق مكتمل الأناقة حافي القدمين"(8)
    ثم يصبح الأمر واضحاً جداً ، حين يقول :
    " أي كثير هذا ؟! أتسمي هذه الأشياء الخفيفة المهترئة أحذية .. مرة حذاء كاوتشوك منباتا ومرة أخرى ولا داعي لأن أقول فأنت تعلم جيدا وأخيرا هذا الحذاء الخفيف من تلكالماركة المسماة ْ{ كوتشي } " (9)
    ثم تظهر المفارقة الساخرة المؤلمة هنا :
    " لماذا !! أنسيت أنك مقاس 41 بينما مقاسي الفعلي 43 .. ألا تعلم أنك بصغر مقاسك هذاتضطرني للسير في الطريق التي تحددها أنت لا أنا .. من في الدنيا يتصور أن يسيَرالحذاء مرتديه . "(10)
    أي حذاء يسير مرتديه ..هو الحذاء الذي يملي شروطه إذن ، هو الحذاء الذي يستحق أن تكون قفلة قصته السمع والطاعة له ، حين يخالف مرتديه ، فقط لكي يخالفه :
    "والآن إلى أين تذهب ؟
    ـــ كنت ذاهبا جهة اليسار لأمر ما .
    ـــ إذن لليمين سر .
    ــ سمعا وطاعة" (11)
    المفارقة تظهر في بداية النص هذه المرة في : حقيبة متربة وجورب أبيض "
    "بخطوات حذرة اتجه صوبها، تبدت أمامه كاملة، ثنت ساقها اليمنى فانزاح الغطاء أكثر،أمسك طرف الغطاء وهم بـ.... ولكنه خشي أن... تركه وتراجع ، جثا على ركبتيه يتأملها"( 12)
    فتوحي لكل من يقرأها بعكس الواقع الذي يتجلى بعد لحظات ، حين نكتشف أن هذه الفتاة ابنته .
    4- الفلاش باك :
    استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع اللحظي للأحداث أو الفلاش باك ، بطريقة سلسة دون أن يكسر السرد المنطقي للأحداث أو يضر بتسلسلها ، كان هذا واضحاً جداً في " ربطة عنق " فالرجل/البطل يقف أمام الموظف في المطار ، ثم يبدأ تداعي الأحداث :
    "أزيز الطائرات فوق رأسه .. قنابل متساقطة .. شظايا متطايرة في كل اتجاه .. رائحة اللحم البشري المحترق تزكم الأنوف . دُمرت كتيبته بالكامل . مات كل شيء إلا هو وجهاز اللاسلكي"(13)
    ثم يستفيق البطل من ذكرياته أمام الحدث الذي يشكل الصدمة للبطل/والقارئ معاً :
    "وأمام المرآة كانت هناك حقيبة وجواز سفر ملقيين في إهمال واضح "(14)
    وبنفس الطريقة ، وعندما كان البطل أمام ابنته النائمة في " حقيبة متربة وجورب أبيض " يبدأ الاسترجاع اللحظي لحدث قريب ، قبل عودته إلى المنزل :
    "لاتنس أني رئيسك في العمل.ـ لا أحني رأسي إلا لله .ـ رأسك الحجري هذا هو ما أطاح بك.ـ لا يصح إلا الصحيح .ـ إذاً ارحل..ولا تنس الحقيبة "(15)
    الأجمل –في ظني – كان الدمج بين الزمنين ، والحدثين ، والذاكرتين ، القريبة والبعيدة في قصة مبدعنا " نفس ما أرادوا "
    انظر معي هذا الإبداع :
    " هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة "(16)
    فالبطلة هنا كانت تراهم فيه وتطعنه وكأنها تطعنهم ، رأت الزمنين أمامها ، والحدثين ، وذات الشخوص ، من حاولوا اغتصابها أول مرة ، ومن يحاول اغتصابها الآن ، فكان الدمج بطريقة مذهلة ، جعلت من القفلة إبداع لا حدود له .

    5- أسلوب السرد :
    "هو الكيفية التي تروى بها القصة، عن طريق القناة نفسها، أو ما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الأخر متعلق بالقصة ذاتها. ويمكن النظر إلى الأسلوب من ثلاث زوايا مختلفة، انطلاقا مما أورده الناقد عدنان بن زريل؛ في كتابه النص والأسلوبية:
    1- (من زاوية المتكلم)؛ أي الباث للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب هو الكاشف عن فكر صاحبه، ونفسيته. يقول (أفلاطون): كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه. ويقول (بوفون): الأسلوب هو الإنسان نفسه. ويقول (جوته): الأسلوب هو مبدأ التركيب النشط، والرفيع، الذي يتكمن به الكاتبُ النفاد إلى الشكل الداخلي للغته، والكشف عنه".
    2- (من زاوية المخاطب)؛ أي المتلقي للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب ضغط مسلّط على المتخاطبين، وأن التأثير الناجم عنه يعبر إلى الإقناع، أو الإمتاع. يقول (ستاندال): الأسلوب هو أن تضيف إلى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة بإحداث التأثير الذي ينبغي لهذا الفكر أن يحدثه. ويقول (ريفاتير): الأسلوب هو البروز؛ الذي تفرضه بعض لحظات تعاقب الجمل، على انتباه القارئ، فاللغة تعبر، والأسلوب يبرز".
    3- و(من زاوية الخطاب)؛ "الأسلوب هو الطاقة التعبيرية، الناجمة عن الاختيارات اللغوية. وقد حصر (شارل بالي)، مدلول الأسلوب، في تفجرّ طاقات التعبير الكامنة في اللغة. ويعرّف (ماروزو) الأسلوب بأنه: اختيار الكاتب، ما من شأنه أن يخرج بالعبارة، من حالة الحياد اللغوي، إلى خطاب متميز بنفسه. ويعرفه (بييرغيرو): بأنه مظهر القول، الناجم عن اختيار وسائل التعبير، التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم، أو الكاتب، ومقاصده". (17)
    كان الأسلوب في قصص القاضي حوارياً بالكامل في قصة واحدة للكاتب هي " 41 بدون لون "
    بينما لم أجد أي قصة للكاتب بأسلوب الراوي الداخلي أو المخاطب ، كذلك لم أجد الكثير من المونولوج الداخلي .
    بينما اعتمد الكاتب في جميع قصصه الأخرى على أسلوب السرد الموضوعي أو كما يسمى " الراوي الخارجي " أو " الراوي العليم " أو " المشاهد الثالث "
    فالراوي هنا ، وفي جميع قصص الكاتب محل الدراسة باستثناء "41 بدون لون " كان طرف خارجي ، محايد ، لا يتدخل برأيه ، والكاتب هنا كمحرك العرائس ، لا يظهر إطلاقا أمامنا ، بينما بصماته في كل مكان .
    واستخدام الأفعال المضارعة ، دليل دائماً على استخدام الأسلوب الموضوعي :
    "تسلل الشيب إلى فوديه" مرايا
    "تهدجت أنفاسه" الحطام
    "تقبض عليه بشدة" ولكنه حي

    6. التحليل النفسي :
    " لعلَّ أبرز مراحل التطور الروائي في العصر الحديث يبدو في تلك النوعية التي اتجهتْ إلى تحليل النفس البشرية، والغوص إلى أعمق أعماق الإنسان، بحثا عن الأدواء والعِلل الخبِيئة الكامنة في النفس البشرية، بُغْية إصلاحها، وسعْيًا وراء إنقاذها.. هذا ما نجِده لَدَى ( دستوفسكي ) في رائعته " الإخوة كارامازوف " وتَبْدُو وَحْدَةُ القصة فيها ـ كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال ـ في ظاهرة " القلق " الذي يحاصر قُلُوبَ جميع أفراد الأسرة ( أسرة كارامازوف ) وهو : قلقٌ فكريّ… ومن ثَمَّ فالقصة تحليلٌ دقيقٌ للنَّفْسِ الإنسانية، في نوازعها الخفية، وفيها يشْرَحُ المؤلفُ الأفكارَ التي تُسَاوِر كُلَّ قلب، دُونَ أن يستطيع، صراحة مواجهتها، على حين هي تصطرع دائما في كل نفْس، وفي هذا الصراع يتجلَّى بؤسُ الإنسان الذي يَدْفَعُهُ إلى الهاوية، ولكنّ الإنسان ـ مهما بَدَا خبيثًا شرِّيرًا ـ له مع ذلك باطِنُه الطيّب الذي يتراءى في أشدّ المواقف يأسًا (18) ".
    كما يمكن أن نَجِد نموذجًا آخر للتحليل النفسي الرائع، في تلك الرواية الملحمية " يوليسيس " ـ لجيمس جويس ـ حيث نجِدُ فيها خلاصةً وافيةً قويَّةً لكُلِّ ما عاناه الفكرُ الإنسانيُّ بين الحربين العالميتين، وموجز ما انتهى إليه التحليل لِطَوِيَّةِ النفس الإنسانية، والحديث النفسيّ فيها يكشِفُ عن صَدَى التجارب الإنسانية المضطربة في الفكر المكبوت، ويُنَاظِرُ المؤلفُ بين حوادث قصته التي تدُور في (إيرلاندا ) وبين حوادث ( الأوديسا ).. (19)..

    ولعل من أبرز القصص للكاتب حسام القاضي والتي يبرز فيها الجانب نفسي ويطغى حتى على الحدث ، هي قصة " عملية جراحية " فهذا الرجل / الغارق في الصراع مع نفسه حتى الثمالة / على وشك إجراء جراحة هامة ، تبدو معالمها الغريبة في الاتضاح منذ اللحظة الأولى :
    (عجبا كيف تململ الرأس على الرغم من كمية المخدر الموضعي التي رشها كما حددها الطب) (20)
    ثم الجو الذي أحاط زيارته للطبيب ، كان الكاتب يعني كل كلمة ، حين رأى كتاب أفلاطون ، بغلافه السميك يتلاعب به الطبيب/ كما يتلاعب بأعصاب مرضاه .
    ثم تبدأ ملامح المشكلة تتضح ، لهذا المريض الغريب ، الذي يشكو من جلد شفاف لا يخفي خلفه انفعالاته ، رغباته ، وآراءه حول الناس ..
    باختصار ، كانت مشكلة هذا الرجل هي : الصدق .
    يدور بنا الكاتب ، في رحلة حام حولها شبح أرسطو وسارتر ، بحثاً عن ذات مفقودة ، ورغبة في الحصول على إنسان بدون إنسانية ، وجه بدون ملامح ، قناع يستر الوجه فيصبح كما كل شيء في الحياة ، ماسخاً ، مقنَّعاً ، منافقاً .
    هذه الشخصية الحائرة ، المتقلبة المزاج ، الباحثة عن هويتها ، نجدها أيضاً في قصة الكاتب " مرايا "
    "كان يهم بحلاقة لحيته عندما شعر بضبابية المرآة .. لم يبال أرجع الأمر إلى ندىالبكور وزفير التنفس .. أتم حلاقته معتمدا على حفظه لتضاريس وجهه ونسى الأمر . بعدها و في حانوت الحلاق كانت صدمته .. لم يشأ أن يلحظ ذهوله فأومأ برأسه موافقاعلى جودة الحلاقة وأسرع بالخروج .. أراد أن يتيقن من الأمر فتمهل أمام واجهاتالمحلات الزجاجية ينظر ويدقق حتى تأكد من حقيقة الأمر .. هل وهن بصره إلى هذا الحد؟ ولكن إذا كان كذلك فكيف يرى أشياء كثيرة وبوضوح .. شئ واحد لا يراه لكنه أهم منأي شئ سواه" (21)
    هنا يقودنا الكاتب عبر رحلة الشك والحيرة ، وانعدام الهوية ، بحثاً عن الذات ، ورغبة في كسر حالة الجمود / الضياع ، التي يعيشها البطل ، رمزية تشير إلى واقع معاصر نحياه ونشعر به كل يوم .
    فمهمة هذا الحائر كانت البحث عن صورته في المرآة ، محاولة إيجاد أي شيء ، أي قطعة زجاج ، أو مرآة هنا أو هناك ، يستطيع أن يرى فيها نفسه .
    كادت القصة أن تنتهي دون بارقة أمل ، في أن يجد هذا الشخص هويته ، لولا أن الكاتب فضل أخيراً أن يتركها مفتوحة على كل احتمال ، حين انتهت كما بدأت ، ببحثه داخل الركام ، لا يمل ، بحثاً عن شيء يصلح لهذه المهمة المستحيلة .
    ثم أن ذات النظرة المتوغلة في باطن النفس الإنسانية ، والعلاقات التي تحكم الناس ، وتناقضاتها ، نجدها في قصة الكاتب : الحطام
    "كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائهببرود واحتقار .. لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماءبدعاء حار له .. ويصبر .. وصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريبفيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل" (22)
    هنا البطل ، يمر بحالة مزاجية مشابهة لبطلي القصتين السابقتين ، في صراع داخلي محموم ، ولكن لهدف يختلف هذه المرة ، فكم من أناس نحترمهم ، ونعاملهم كما يجب ، يقابلونا بالازدراء والتحقير ، ويكون جزاء الإحسان نكران الجميل ..
    شبه الكاتب هؤلاء الناس بتماثيل صنعها ، ثم أنه بدأ يحطمها بنفسه ، متلذذاً بتكسيرها بمعوله ، بالتخلص من كل شيء يقربه منها ، رغم أنه وجد نفسه يتحول إلى واحداً منها ، بعينين من حجارة ، ونظرة جامدة ، فكان لزاماً عليه أن يحطم نفسه ، وأن يخرج من داخله منتصراً ..
    " عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
    إلى عينيه نظرفي تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية "(23)


    وهكذا ، عشنا في رحلة ممتعة مع الكاتب المبدع : حسام القاضي ، عبر أسلوب جميل أدرك جماليات القص فغاص فيها حتى الثمالة ، ميزه دائماً متابعته لقضايا الأمة ، وحرصه عليها .
    شكراً للأستاذ حسام وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل رؤية صغيرة لإبداعات كاتبنا الكبير .
    كل الود والحب
    أحمد عيسى
    غزة

    1) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
    2) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 17)
    3) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 15)
    4) نفس ما أرادوا -للكاتب
    5) ربطة عنق -للكاتب
    6) مرايا -للكاتب
    7) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
    8) 41 بدون لون - للكاتب
    9) السابق
    10) نفسه
    11) نفسه
    12) حقيبة متربة وجورب أبيض - للكاتب
    13) ربطة عنق-للكاتب
    14) السابق
    15) حقيبة متربة وجورب أبيض -للكاتب
    16) نفس ما أرادوا- للكاتب
    17) محمد بلوافي : السرد والأسلوب ، ديوان العرب
    18) محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، ص622
    19) المرجع السابق، ص593
    20) عملية جراحية -للكاتب
    21) مرايا - للكاتب
    22) الحطام –للكاتب
    23) السابق

    أخي الكريم الأديب والناقد / أحمد عيسى
    السلام عليكم ورحمة الله
    "جماليات الماضي في أسلوب القاضي"
    عنوان مميز ذكرني على الفور بـعنوان "تخليص الابريز في تلخيص باريز"
    للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ، وعودة للماضي الجميل
    في اختيرا العناوين اللافتة..
    فاجأتني أخي بدراسة نقدية أكاديمية جميلة ومفصلة جلت خلالها
    في معظم أعمالي المتواضعة بدءً من العنوان ثم البداية ثم عرجت على الأسلوب
    بالتفصيل ثم دور التحليل النفسي ، كذلك النهاية
    عمل نقدي كبير ومؤثر تناول قصصي بالشرح والتحليل ملقياً الضوء
    على السمات المميزة لها.
    أرجو ان تتقبل مني أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام

  5. #95
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطنطاوي الحسيني مشاهدة المشاركة
    مستمتعون ومتعلمون ومتابعون
    حياك الله اخي احمد عيسى واخينا د مازن لهذا التحليل الرائع الثري الغني
    ونحيي استاذنا القاضي ومربينا
    ونسأله سؤالا صغيرا في رأيه في الآقصوصة او الومضة او من يسميها ق ق ج
    ارجو ألا يكون زمن الآسئلة انتهى
    تحياتي وامتناني لهذا الآلق والجمال الذي أعاد لنا أخينا القاضي في أحلى حلة وذكرنا بإبداعاته المتدفقة الرائعة
    أخي الأديب / الطنطاوي الحسيني
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أولاً أشكرك لاهتمامك
    والحقيقة يا اخي وكما أتذكر ان مسمى الأقصوصة أقدم كثيراً من الومضة بل ومن القصيرة جداً أيضاً
    وكان يقصد به نوع من القصة يقع ما بين الرواية والقصة القصيرة من ناحية الحجم ،وعلى هذا لاتكون الومضة هي الأقصوصة ، وأعتقدني قد تكلمت عن الومضة من وجهة نظري طبعا في رد سابق ، وهو بالتأكيد جاء بعد سؤالك ،
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...t=42155&page=8
    هي مجرد وجهة نظر متواضعة ولأهل الخبرة فيها االحكم والفصل.
    أشكرك مرة أخرى
    مع تقديري واحترامي

  6. #96
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء شوكت خضر مشاهدة المشاركة
    أراني أعجز هنا عن شكر أستاذ له الفضل في تعليمي كتابة القصة القصيرة ، ورغم بعده عن القصة القصيرة جدا إلا أني أراه يولي هذا الفرع من القص اهتمامه بالنقد والمتابعة ..
    أخي ومعلمي الأديب القاص الأستاذ حسام القاضي ..
    لن أنكر فضلك علي في كتابة القصة القصيرة ما حييت وقد كنت نعم المعلم والناقد الصادق ..

    لك التحية وكل التقدير .
    أختي الأديبة الكبيرة / وفاء خضر
    السلام عليكم
    أشكرك
    كرم منك وتواضع كبير قولك الجميل هذا
    وهو شرف لي إن كان.

    تقديري واحترامي

  7. #97
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة
    الأستاذ الكريم حسام القاضي

    شكراً لتواجدك معنا

    ولا شك بأننا هنا جميعاً نستفيد من تجربتك الثرية المبدعة

    ونستلهم من قلمك الجميل ما يضيء أفقنا الأدبي

    أستاذي

    ما هو رأيك في استخدام الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية في الأعمال الأدبية مثل ( القصة القصيرة والمسرحية .. الخ ) ؟

    لأن البعض يقول : إن الذي يكتب في الأدب هو أديب وليس واعظاً دينياً .


    لك خالص تحياتي
    أخي الفاضل الأديب والمفكر / بهجت الرشيد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك لاهتمامك وتواضعك الجم
    عن نفسي أرحب طبعاً باستخدام الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في الأعمال الأدبية ، ولكن يجب ان يكون ذلك بشكل مدروس بحيث توضع في مكانها المناسب حسب السياق العام دون اقحام او افتعال ، وهذا يتطلب أديباً واعياً يخطط لمثل هذا ،أماان توضع والسلام أي حسبما أتفق فهذا ما ينتج عنه الشكل الوعظي والمرفوض أدبياً ، والبعض يعتقد انه هكذا أبدع أدباً إسلامياً ـ ونحن نحتاجه بدون شك ـ والحقيقة انه يجب ان يكون أدباً أولاً متوفراً فيه سمات الأدب الحقيقي ثم يكون اسلامياً ثانياً ، وإلا سيكون الناتج وعظاً مباشراً لاعلاقة له بالأدب ؛لذا يجب على من يتصدى لهذا أن يعمل على تضفير الحديث الشريف أو الآية الكريم في نسيج العمل لينتج عملاً ابداعياً حقيقياً.
    ولي تجربة متواضعة في قصتي "..ولكنه حي" حيث ادرجت حديثاَ شريفاً ضمن السياق العام للقصة.
    تقديري واحترامي

  8. #98
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    فلتسمحوا لي بإدراج قراءة في قصتي "ربطة عنق"
    قامت بها مجموعة أدباء الواحة في الكويت ذات يوم
    فلأصحاب الفضل منهم خالص الشكر والتقدير

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم

    في اجتماع أدباء الواحة الاسبوعي في دولة الكويت , المنعقد يوم الجمعة الموافق 12/01/2007 , قام الأخوة الأدباء :
    د. مصطفى عراقي
    د. مصطفى عطية
    أ. مأمون المغازي
    أ. محمد سامي البوهي
    د. محمد حسن السمان
    وبوجود الأديب القاص حسام القاضي
    بتقديم قراءات مختلفة , لقصة " ربطة عنق " للأديب القاص حسام القاضي , بدأها الدكتور مصطفى عراقي , ثم انتهت بالأديب القاص محمد سامي البوهي , وقد جرت مناقشات مستفيضة في القصة , على اختلاف مناحيها ومدلولاتها والفنيات المعتمدة في كتابتها , وقد اعتمدت القراءات المختلفة , ضمن قراءة واحدة , جرى التوافق عليها , وتتلخص هذه القراءات المشتركة , فيما يلي :
    جاء عنوان القصة لافتا جدا , وموظفا توظيفا بارعا , في صياغة النص , فقد أوغل العنوان ابتداء من رأس النص الى عمقه , معطيا دلالات ومؤشرات , ذات أهمية ايجابية , في تقديم الرسالة الهادفة , التي استلهمت النص , ففي كل جزئية من جزئيات القصة , كنا نرى ربطة العنق , التي شكلت مفتاحا رئيسيا , من مفاتيح القصة , بمدلولاتها الشكلية , التي توحي بقسرية التقيد , ثم نرى في ربطة العنق , معنى الربط المحيط بالعنق , وفي هذا مدلول قوي , على الامساك بالرقبة , وتطويع الفرد ليستجيب لما يفرضه , من يمسك بالرقبة , لئن كان فردا آخر , أو مجموعة , او نظاما سياسيا , أو حتى لو كان التزاما أدبيا أو وطنيا أو فكريا أو دينيا .
    ثم نشاهد الكاتب قد ولج مباشرة الى قلب الحدث , دون مقدمات , ليرسم لنا في اللوحة الأولى , مشهدا لبطل القصة " البطل " في مرأى حواري , وهو يحاول الدخول الى ... , والموظف المسؤول عن تنظيم الدخول يمنعه من الدخول , والبطل يشير بسهولة ويسر , أنه يملك تذكرة , كناية عن أنه يحمل صفة المواطنية لهذا التكوين المجتمعي :
    " -آسف جدا لن تستطيع الدخول .
    - لمَ ؟ معي تذكرتي و ...
    - الأمر لاعلاقة له بالتذكرة إنه ...
    - كيف ؟ أليست التذكرة هي شرط الدخول الأساسي ؟
    - لا هناك شروط أخرى أهم.
    - مثل ماذا ؟
    - لاداعي للسخرية . إقرأ إعلاننا الموجود بالمدخل هناك .
    وتبرز المشكلة , عندما يشير الموظف الى أن الدخول مشروط بوضع ربطة العنق :
    " - الأمر لله , ممنوع الدخول ياسيد بدون ربطة عنق ."
    ويعود البطل ليستغرب ما يجري , قائلا : ربطة عنق ! ثم ليستغرب دخول أناس ليس لديهم ربطة عنق , بل وبدون حلّة , بمعنى أنه هناك استثناءات بل وتجاوزات شديدة , ويعود الموظف ليجيب : هؤلاء أجانب ولانستطيع أن نملي عليهم شروطنا , كما لو أن الكاتب اراد بذلك أن يوحي بأن هذا المجتمع مخترق , أو أن هذا المجتمع أو من يتحكم به , يستطيع التحكم بالقريب , ولكنه لايستطيع أن يقول لا للأجانب :
    " - هؤلاء اجانب ولانستطيع أن نملي عليهم شروطنا .
    - منطق غريب , هناك يجبرون الغريب قبل القريب على احترام شروطهم بينما نحن ..."
    ثم يبرز الكاتب حقيقة أن الذي يقوم بعملية منع البطل من الدخول في المجتمع , هو موظف يقوم بأداء واجب وظيفي , لايملك القرار :
    " - ألا ترى أنك تعطّلني عن أداء وظيفتي ؟ أفسح الطريق لمن خلفك ليستطيع الدخول . "
    ثم يعيد الكاتب بايجاز وتكثيف لقطة حوارية , يؤكد فيها الموظف على ضرورة شرط " ربطة العنق " , في حين أن البطل يريد أن يعرّفه بشخصيته , فيقول له : ألا ترى عنقي , ألا ترى هذا التضخم كيف أحيطه بربطة عنق , بل كيف أحيطه بياقة قميص , في دلالة واضحة على أنه البطل صاحب الرقبة الضخمة التي لايمكن أن تلوى اوتربط , ثم يصرّح البطل , بعد أن يقول الموظف , أن لادخل له بعنق البطل :
    " - كيف ؟ لقد اصبحت هكذا من أجلكم , ومن أجل ابنائكم وأحفادكم و..."
    ثم يتجلى الاهمال للبطل هنا , أو لمن يقدمون أعمالا جليلة للوطن , وعدم تقدير وظنيتهم وتضحياتهم , من خلال قول الموظف , ردا على قول البطل , وهو يشير الى تضحياته من اجل الوطن والشعب والأمة بشكل غير مباشر:
    " - ماهذا الهراء ؟ من اجل من؟ أنا لم أرك من قبل , ولاأعرفك, كفاك هذيانا وابتعد قبل أن اطلب رجال الأمن . "
    ثم يرتفع مستوى الحوار , ليظهر أن الأمر ليس مجرد موقف عارض , وإنما هو فلسفة مبرمجة , بين وجهتي نظر , حيث يقول البطل :
    " - أنا لاأهذي إنها الحقيقة , وقد كنت على استعداد لما هو أكثر من هذا , ومازلت وعن طيب خاطر ."
    وبالمقابل يزداد وضوح فكرة الاهمال والتغييب , في ظل مجتمع لايقدّر العاملين الأسوياء , لايقدّر الذين يضحون في سبيل الوطن , عندما يتوجّه الموظف الى البطل , ليقول له :
    "- وهل طلبنا منك ذلك؟ هل رجوناك ؟ أم قبّلنا يدك ؟ "
    وفي عبارة أخرى , يقول :
    " - أنا شخصيا لم اطلب منك أن تذهب , وعليه فأنا لست مسؤولا عما حدث لك , والآن انصرف وإلا ... "
    وأخيرا , نجد تحقيق علمية التهميش , عندما نجد أن الموظف يأمر قوى الأمن :
    " - ألقوا بهذا الرجل خارجا ."
    ومع الانتقال الى اللوحة الثانية من القصة , نلاحظ وكأن الكاتب , أراد أن يستخدم الحواس كلها مجتمعة في رسم المشهد , فصوت أزيز الطائرات , وأصوات القنابل المتساقطة , ثم رؤية الشظايا المتطايرة في كل اتجاه , ورائحة اللحم البشري المحترق , دمرّت الكتيبة بالكامل , مات كل شيء إلا البطل , وجهاز اللاسلكي , وفجأة صوت صفير ضعيف ينبعث من الجهاز , وكأن الكاتب يصوّر لنا ساحة المشهد , يوضبها باتقان , لينقلنا الى اللمحات البطولية , في استحضار موفق , نرى أن الكاتب اختصر التفصيلات ,ليسمعنا النداء :
    " فهد ينادي نمر . فهد ينادي نمر . حوّل . "
    ويعود الكاتب لاكمال صورة المشهد , عندما يرينا كيف ينتشل البطل ساقه الجريحة المغروسة في الرمال , بصعوبة بالغة , ليبدأ الكاتب بحزمة حوارية , من نوع مختلف , حيث نفهم من خلالها , أن البطل هو الوحيد الباقي على قيد الحياة , بعد تدمير كتيبته بالكامل :
    " - نمر معكم . حوّل .
    - كم عددكم ؟
    - واحد .
    - ماذا ؟
    - دمرت الكتيبة بالكامل .
    ويعطينا الكاتب صورة مكثّفة , للتركيز على البطل , عند الحاجة , وهو الأهم , عندما يسال القائد العسكري , البطل نمر , هل يمكنني الاعتماد عليك ؟ وليرقى الكاتب بصورة البطل , عندما يجيب : بإذن الـلـه , ونرى أن القائد وقد عرف مسبقا , نوعية البطل الذي يتعامل معه , او مع أمثاله من الأبطال , فيطلب منه , طلبا قريبا من المهمة المستحيلة , بحالة من الحميمية الخالصة بين الابطال , فهو يريد تعطيل قوات العدو المتجهة شرقا لبعض الوقت :
    - من أنت ؟
    - رقيب مجند ( ......)
    - هل يمكنني الاعتماد عليك ؟
    - بإذن الـلـه .
    - أريد تعطيل قوات العدو المتجهة للشرق بعض الوقت .
    - عُلم .
    - وفقك الـلـه . "
    ويتحرك المشهد , بشكل درامي , فنرى أن الكاتب ببراعة , يصوّر لنا البطل وكأنه مارد جريح , هبّ متنقلا من مدفع إلى مدفع , متوليا دور الناقل والمعمّر والرامي .
    " كمارد جريح هبّ متنقلا من مدفع إلى مدفع , متوليا دور الناقل والمعمّر والرامي . "
    ثم يفاجئنا الكاتب باستحضار مشهد درامي آخر , حيث يصوّر لنا كتلا بيضاء تحيط بالبطل , وينبعث صوت الممرضة , لتقول للبطل : حمدا لله على سلامتك يابطل .
    " من بين الكتل البيضاء المحيطة به جاء صوتها :
    - حمدا لله على سلامتك يابطل .
    - أين أنا ؟
    - في أمان . لاتحاول تحريك عنقك .
    - أشعر بآلام شديدة .
    ثم وكأن الكاتب راح يحضّر القارئ للمشهد اللاحق , عندما تقرر الممرضة ضرورة , أخذ البطل لحقنة مهدئة :
    " - سترتاح بعد هذه الحقنة "
    وعندما يسأل البطل عمّا حدث , نجد أن الكاتب , أتحفنا بصورة ملحمية , عالية التأثير , حيث تظهر أن البطل عند تفانيه في أداء واجبه في تعطيل قوات العدو , التحم مع ماسورة المدفع المنصهرة , من شدة الضرب :
    " لقد وجدوك معلقا لماسورة المدفع المنصهرة من شدة الضرب . "
    وأخيرا يضعنا الكاتب , في حالة فلسفية , خلال حزمة من الافكار المتتالية , تمثّل جملة هواجس , ومرتسمات للمعاناة :
    " - لاحل لي سوى الهجرة .
    - ................
    - جحود في كل مكان .
    - ................
    - لا أمل في تحسن الأحوال .
    - ................
    - الحياة هنا أصبحت لاتطاق .
    - ................
    - لامعنى لكلمة وطن , إنه لفظ أجوف ."
    ثم يظهر الكاتب حالة حدية من القهر والألم , عندما يذكر البطل , خلال هواجسه , أن لاأهل له , وقد توفيت زوجته وابنته , ويظهر حالة معاناته , عندما كان يحاول أن يعثر على نقطة دم واحدة لانقاذهما , ولكن دون جدوى .
    " - من ؟ لاأهل لي . لقد توفيت زوجتي وابنتي , لم أجد نقطة دم واحدة لإنقاذ حياتهما "
    ثم يظهر الكاتب تصميم البطل على الهجرة والرحيل , ضمن حالة من فقدان الوزن , رسمت بذكاء , عندما يذكر البطل , أن ساعته معطّلة , وأنه بات يعرف الوقت من المذياع :
    "- سوف ارحل وليذهب الجميع الى الجحيم .
    - ..............
    - أحاول معرفة الوقت من المذياع , ساعتي معطّلة ."
    ثم يعيدنا الكاتب الى صوت المارشات العسكرية المنبعثة من المذياع , ثم يبين معاودة حاجة الوطن للأبطال , عندما يسمعنا بيانا من القيادة العامة للقوات المسلحة :
    "- هنا القاهرة , صدر البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة , قامت مجموعة من قوات العدو بمهاجمة منطقة ( ......) في الشرق , ولقد تصدى رجالنا ومازال القتال مستمرا حتى لحظة صدور هذا البيان و ... "
    ويقرع الكاتب الجرس ثانية وثالثة , بصوت المذياع , هنا القاهرة , ليركّز على رمز الخاجة للابطال واستصراخا للوطنيين :
    " -هنا القاهرة .
    - ............
    - ............
    - هنا القاهرة ."
    ثم تاتي القفلة الصارخة بقوتها , وكأنها تذكرنا بالعنوان " ربطة عنق " , التي ربما هنا عنت الامانة في العنق , لنجد أن الكاتب أرانا البطل وقد نفر من هواجسه , ليلبي نداء الواجب , تاركا الحقيبة التي اعدها للسفر وجواز سفره مهملين أمام المرآة التي ربما اراد الكاتب توظيفها , لكأن البطل كان ينظر من خلالها لشخصيته الحقيقية .
    " وأمام المرآة كانت هناك حقيبة وجواز سفر ملقيين في إهمال واضح . "
    وأخيرا نقول إن قصة " ربطة عنق " عمل أدبي متميّز , حوى أبعادا كثيرة مختلفة , كثّفت خلال نص كياني , متعدد الجوانب , أبدع الكاتب بتصميمه وفق خارطة هندسية , جعل فيها اربعة مرتسمات , تتطرق الى كيان الأمة , وحوى كل مرتسم جيوبا داخلية , تخدم الغرض بشكل مدهش , وقد استخدم الكاتب ببراعة الحزم الحوارية الموفقة , فعندما ينتهي كادر ما , يبدأ كادر جديد , اعتمدت جرعات الشحن المتتابع , لايصال القارئ الى الولوج في الحالة , دون حاجة للتخيل والتوقف للتفكير, لاتيعاب الفكرة , ولئن أبدع الكاتب في استخدام العنوان , فهو قد أبدع في قفلة النهاية , التي تضمنت مفتاحا لفهم مداخل ومرتسمات الخريطة الهندسية للنص , وقد قدمت القصة رسالة هادفة رفيعة المستوى .
    الأديب د. مصطفى عراقي
    الأديب د. مصطفى عطية جمعة
    الأديب ا. مأمون المغازي
    الأديب ا. محمد سامي البوهي
    الأديب د. محمد حسن السمان

  9. #99
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية بوغرارة مشاهدة المشاركة
    هل تمر أيام هذا الشهر بسرعة ؟

    هل نوشك أن تغلق هذه الصفحة المنيرة و المتخمة دروسا و فوائدا ؟

    ربما أخذنا تعطشنا للدرس الأكاديمي ، فأفنينا جل مداخلاتنا في استغلال خبرة هذا العلَم المتميز ،

    و لم نترك له فرصة يأخذ فيها أنفاسه .نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    و لعل الأستاذ حسام يسمح لنا بالغوص في مشاعره و في بنات أفكاره ، و يجيبنا عن الأسئلة الآتية:

    - من بين إنتاجك القصصي ، ما هو العمل الأقرب إلى نفسك ، و الأحب إلى قلبك ؟

    و لماذا ؟

    - ما هي القصة التي لم يكتبها بعد و يحلم بها الأديب حسام القاضي ؟

    - ما حكاية توقيعك / أديب ...أحيانا ؟نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    كل التقدير لك .
    أولاً أشكرك فقد كنت خير معين لي على طرح أفكاري المتواضعة هنا

    أما عن أقرب قصصي وأحبها لنفسي فهي "عملية جراحية" فبرغم اعتقادي بصعوبة وجود عمل مكتمل إلا أنني كثيراً ما يخامرني شعور ما بأنها ربما تحمل عناصر النجاح المطلوب.

    - ما هي القصة التي لم يكتبها بعد و يحلم بها الأديب حسام القاضي ؟


    أظن من الأسهل أن تقولي ماذا كتبت ؟ فالحقيقة أنني ما كتبت شيء بعد.
    اما عن توقعي فقد كنت في مكان ما وكان لابد من توقيع وكان الشعراء يكتبون جزء من قصائدهم والناثرون كذلك ، واما من كانوا مثلي فرأيت بعضهم يكتب" قاص وروائي وناقد" ، ولا أعتقد أنه من الصواب ان يطلق أحد ما على نفسه لقباً بعينه ، ومن هنا جاءت "أديب..أحياناً" للتخفيف من وقع هذه الصفة ، وأيضاً لعدم التفرغ فلي مهنتي التي تشغل معظم وقتي ، وأظن الأفضل الآن أن تكون " نادراً لا أحياناً".


    لك دائماً الاحترام والتقدير.

  10. #100
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري مشاهدة المشاركة


    ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟


    أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟




    إكتشفت الان فقط أنني لم أرد على الأسئلة كاملة كما ينبغي
    فأرجو المعذرة
    كنت قد تكلمت عن الشطر الأول من السؤال الأول بذكر مستويات الحالة الابداعية بشكل عام دون التعرض لتجربتي الشخصية كما هو مطلوب وربما جاء هذا السهو لأنني تكلمت عنها في معرض ردودي السابقة ،وبالطبع لم يكن هذا كافياً، ولذا فلتسمح لي أخي الكريم باستكمال ما أسلفت :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة
    مستويات الحالة الابداعية هي المراحل المتدرجة التي تدور في العقل الباطن منذ لحظة وجود الفكرة حتى لحظة الكتابة ، وهي بالطبع تختلف من مبدع لآخر حسب اولوياته فهناك من يهتم في البداية بجمالية العبارة وهناك من يهتم بالموضوع أو الشخصية (وأنا أميل لهذا)، وكل ذلك من أجل تجسيد الفكرة النظرية في قالب النص القصصي مثلاً ، ويمكن تحديد هذه المراحل فيما يأتي :
    مرحلة الاحساس بالرغبة في الكتابة (وجود مثير ما).
    مرحلة تحديد الشكل الأدبي رواية أو قصة .
    مرحلة الاختيار بين البدائل (الطرح).
    مرحلة الولادة للإنتاج الأصيل.
    مرحلة التهذيب والتنقيح والحذف والإضافة في النتاج الإبداعي.
    .

    في المرحلة الأولى وعندما يؤثر في شيء ما ،حدث عام أو خاص ..إلخ قد أجد له صدى على شكل فكرة ما تصلح لعمل أدبي،وهنا تأتي المرحلة الثانية وفيها يكون جنس العمل بالنسبة لي هو القصة القصيرة (أحياناً نادرة الشعر العامي)، وأنا عادة لا أتعجل الكتابة إذ يجب ان أترك الفكرة تختمر في ذهني وهي المرحلة الثالثة وفيها تتبلور الفكرة وتتضح معالمها كيفية الطرح (مباشر ..رمز..) وكذلك الزاوية التي انتقيها للتعبير عن الفكرة ،وكذلك تحديد نقطة البداية وهي من العناصر التي أوليها عناية خاصة ، وهكذا كيفية تطور الحدث ، وأكثر ما يهمني إيجاد النهاية وتحديداً أي العبارات أصلح لها ؛فانا لاأستطيع ان أبدأ في الكتابة إلا إذا كانت هذه العنصر متوفرة لدى وخاصة النهاية،ثم تأتي المرحلة الأصعب عندي وهي مرحلة الانتاج أو ولادة العمل وهي الترجمة الفعلية لكل ما سبق على الورق وبالتأكيد هي تختلف من مبدع لآخر وبالنسبة لي لا أستطيع الكتابة إلا وانا في حالة معايشة تامة لما أكتب حيث تكون الفكرة مسيطرة تماما على كل حواسي ، وهكذا يولد العمل من رحم هذه المعاناة ،ثم تاتي المرحلة الأخيرة وتكون بعدأ أن تهدأ انفعالاتي والتخلص من الشحنة الشعورية التي اكتب تحت تأثيرها ، وهذه المرحلة لها مدارس مختلفة وعن نفسي اميل إلى أن تكون هذه المرحلة مجرد رتوش بسيطة وحذرة ، فهذه المرحلة من اخطر المراحل فهي اما ترفع العمل وتجعله عملاً فنياً راقياً وإما تهبط به وتجعله مجرد صنعة محكمة فقط بعيداً عن أي ابداع.

    وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
    والحقيقة أني لا ألزم نفسي برؤية نقدية عند الكتابة فأنا أكتب أولاً ثم ياتي دور النقد؛ فالإبداع يأتي أولاً ثم يليه النقد وليس العكس.


    أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟


    آخر ما كتبت منذ ثلاث سنوات وكان " حقيبة متربة وجورب أبيض"
    وقد بدأت أكثر من قصة بعدها ولكن لم اجد ما يقنعني ويرضيني انا أولاً حتى أنشره
    وأرجو ان يوفقني الله فأكتب من جديد.

    أرجو أن أكون قد وفقت هذه المرة في الرد على أسئلتكم العميقة.

    مع خالص تقديري واحترامي لشخصكم الكريم.

صفحة 10 من 11 الأولىالأولى 1234567891011 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مسلسل أرباب المهن ورباتها - الحلقة الثانية - القاضي .....
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 16-11-2019, 04:47 PM
  2. قاص تحت الضوء (الحلقة الثانية ) .. مع أ. نزار الزين
    بواسطة أحمد عيسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 44
    آخر مشاركة: 23-04-2014, 05:29 PM
  3. قاص تحت الضوء.. نافذة منكم واليكم
    بواسطة أحمد عيسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 05-03-2014, 10:38 AM
  4. قاص تحت الضوء
    بواسطة وفاء شوكت خضر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-12-2013, 01:48 PM