للمجاهديـن وزوجاتهـم وأمهاتهــم أقدم هذه المشاهد من مكـــة
بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الْـحَـمْـدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْـعَـالَـمِـيـنَ ، وَالـصَّلَـاةُ وَالـسَّلَـامُ عَـلَـى رَسُـولِـهِ الأَمِـيـنِ
أَمِـا بَـعـدُ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ
#.* مُـقـدِمـةٌ *.#
فَـهـذِهِ الـمَـشَـاهِـدُ ، أُُهـدِيـهَـا لأحـبَـتـي الـمُـجَـاهِـديـنَ خَـآصـةً فِـي كُـلِّ أرجَـاءِ الـمَـعـمُـورَةِ ، وأَخُـصُّ بِـالـذِّكـرِ سَـادَاتُ الإسـلامِ ، وأبـطَـالُ الأنَـامِ ، رِجـاَل أفـغَـانـسـتـانَ ، وفِـلـسـطِـيـنَ والـعِـراقِ ، ولِـزوجَـاتِـهـم وأُمـهَـاتِـهـم وأبـنَـائِـهـم وبـنَـاتِـهـم ومَـنْ بُـلِـيَ بِـبَـلاءٍ كَـبـلائِـهِـم عَـامَـة 0
#.* إِلَـى سَـادَاتِ الأنَـامِ *.#
أعـلَـمُ أيُّهَـا الـسَّادةُ أنَّكـم تَـركـتُـم الـزَّوجَـات ، واتـخـذتُـم مِـن أَكـنَـافِ الـغَـوائِـلِ مَـرقَـداً ، عِـلـى مَـا تُـعَـانُـوهُ مِـن عَـظـيِـمِ الـبـلاءآت ، فَـأنـتُـم بَـيـنَ صَـرخَـاتِ الأبـنَـاءِ وأَنِـيـنِ الـزَّوجَـاتِ ، لا تَـبـتـئِـسـوا فَـأنـتُـم حَـصـنُ الأمـهَـاتِ ، وطُـهـرُ الـبَـنَـاتِ ، وحِـمَـى الـمُـحـصـنَـاتِ ، إِن تَـوسـدتُـم الأذَى يَـومـاً ، فَـأنـتُـم خُـلِـقـتُـم لِـتـتـوسـدوا قُـلـوبَ الـمُـؤمـنـيـنَ والـمُـؤمِـنـاتِ ، وخُـلِـقَـت لِـمِـثـلِـكُـم أَعَـالـي الـجَـنَّاتِ ، وتَـثـبِـيـتـاً لأفـئِـدتِـكُـم أُهـدي لَـكُـم هَـذهِ الـمَـشـاهـد ، لِـتـكُـونَ بِـمـثـابَـةِ حُـضـنِ أُمٍّ حَـنـونٍ يَـسـقِـيـكُـم أُنـسَـاً وسُـعـدَاً لا تَـشـقَـوا بَـعـدهـمـا أَبَـداً ، وإعـلان نَـصـرٍ لا يَـتـأتَـى إِلـيـكـم الـحُـزنُ عِـنـدَهُ سَـرمَـداً ، وسِـقـاء بُـشـرى لا تَـظـمَـئـوا مَـعـهُ حِـقَـبـاً ، مُـتـأسِـيَـاً بِـقـولِ رَبِـي " وَكُـلّـاً نَـقُـصُّ عَـلَـيْـكَ مِـنْ أَنْـبَـاءِ الـرُّسُـلِ مَـا نُـثَـبِّتُ بِـهِ فُـؤَادَكَ وَجَـاءَكَ فِـي هَـذِهِ الْـحَـقُّ وَمَـوْعِـظَـةٌ وَذِكْـرَى "
#.* الـمَـشـهَـدُ الأَوَّلُ *.#
فَـهـذا إِبـرَاهِـيـمُ عَـلـيـهِ الـسَّلامُ ، نَـبـيٌ كَـريـمٌ ، بَـلـغَ مِـن الـعُـمُـرِ مَـبـلَـغـاً ، ومِـنَ الهَـمِّ ثِـقَـلاً ، يَـدخـلُ كُـلـيـةَ الـتَـمـحِـيـصِ مِـن أَدهَـى أَبـوابِـهَـا ، وأَمَـرِّ عـتـبَـاتِـهَـا ، لِـيُـعـطِـيَ الأُمـمَ جَـمـعَـاءَ صُـورةً جَـلـيـةً مُـخـلَـصَـةً لأصـدَقِ شَـهـاداتِ الـحِـسـبَـةِ ، يُـرزَقُ بِـغُـلامٍ صَـغـيـرٍ ، بَـعـدَ مُـضـيِّ أَكـثَـرِ الـعُـمُـرِ ، فََتـتـوَرَّدُ حَـيـاة إِبـراهِـيـم بِـوجـودِ إِسـمَـاعِـيـلَ بُـشـرى ، ويـمـلأُ الـسُـرورَ مُـنـتـهَـى مَـرامـي الـنَّظَـرِ سُـعـدَى ، وتُـقـبِـلُ الـبَـسـمَـةُ إِلـى الـحَـلـيـمِ الأََوََّاه ، سَـاعِـيـةً لِـتـسـتـوطِـنَ بـعـدَ الـعَـنـاءِ فَـاهُ ، رضـاً بِـبـشـرى مَـن خَـلـقَـهُ فَـسـواهُ ، حـتـى إِذا اسـتـوتِ الـفَـرحـةُ عـلـى سُـوقِـهَـا ، وبَـسَـقَـت الـسَـعـادةُ بِـفـروعِـهـا ، أَتَـى إبـراهـيـمُ أمـر اللهِ ، ولـو نَـزلَ الأمـرُ عَـلـى لـجِـبَـالِ لـسَـالـت مِـن الـحُـزنِ عُـيـونـاً ، ولـو رُمِـيَـت بِـهِ الأرضُ لَـجَـرت مِـن الـغَـمِّ بَـراكـيـنَـا 0
#.* الـمَـشـهَـدُ الـثَّانِـي *.#
وجـاءَ أمـرُ اللهِ لإبـراهـيـمَ أَن يَـأخـذَ فِـلـذَةَ كَـبِـدِهِ ، وقُـرةَ عَـيـنِـهِ ، وَوحِـيـدَ ذُرِّيَّتِـهِ مـعَ أُمِّهِ الـصَـابِـرةَ الـمُـؤمـنـةَ الـمُـحـتـسـبـةَ ، إِلـى أرضٍ لا مَـاءَ فـيـهـا ولا كَـلا ، ولا أَنـيـسَ أو مَـأوَى ، ولـكِـنَّهُ أمـرُ اللهِ ، وانـطـلـقَ إبـراهـيـمُ ولِـسـانُ حَـالِـهِ يَـقـولُ : لَـبـيـكَ اللهـم لَـبـيـك ، وتَـحـمِـلُ الـمُـرضِـعـةُ رَضِـيـعِـهَـا ، وَهـي لا تـدري إِلـى أيْـن ، ولَـكِـن أمـرَ اللهِ فـوقَ كُـلِّ شَـيءٍ ، ورِضـاهُ أسـمـا مِـن كُـلِّ شـيءٍ ، وحُـبُـهُ أغـلـى مِـن كُـلِّ شـيءٍ ، وتـتـسَـارعُ خُـطَـىَ إبـراهـيـم إلـى مُـسـتـقـرِ الأمـرِ ، وتَـتـبَـعُـهُ خُـطـىَ أُمِّ إِسـمـاعِـيـلَ مُـسـتـفـهِـمـةً إلـى أيـنَ يَـا تُـرى ؟! ، حـتـى إِذا وصَـلَ إلـى أَرضٍ مُـحـرقـةٍ ، غـبـراء مُـجـدِبـةٍ ، عَـفـراءَ مُـظـمِـئـةٍ ، شَـهـبـاء مُـوحـشِـةٍ ، أَجـلَـسَ أمُّ إسـمـاعـيـلَ فِـيـهـا مُـسـتـوحِـشـةً ، وَوَلَّى تـاركـاً لَـهَـا وَحِـيـدة مـفـجـوعـة فـي ابـنِـهـا ونَـفـسِـهـا 0
#.* الـمَـشـهَـدُ الـثَـالِـثُ *.#
وَتـرىَ أَمُّ إسـمـاعـيـلَ هَـولاً مِـن الـوَاقِـعِ مُـرعِـبَـاً ، وتَـنـظُـرُ إلـى أمـرٍ مِـن الـبَـلاءِ قَـاهِـراً ، فَـتُـنـادِي يَــا إبـراهِـيــمُ أيـن تـذهـبُ وتـتـرُكـنـا بِـهـذا الـوادي الـذي لـيـسَ فِـيـهِ إِنـسٌ ولا شَـيء ؟! ، ولَـكـنَّه لا يـلـتـفِـتُ إِلـيـهـا ، وتَـكـرَّرَ الـنِـداء ، ثُـمَّ تَـكـرَّر ، ولَـكـنَّهُ لـم يُـعـقِـب ، وكـأنِـي بِـلـسـانِ حَـالِـهـا يَـقـولُ : يَـا إِبـراهِـيـمُ أنَـا امـرأةٌ ضَـعـيـفـةٌ ، أنَـا أََمـةٌ مِـسـكـيـنـةٌ ، يَـا إِبـراهِـيـمُ أَنـا مٌُرضـعـةٌ ، يَـا إِبـراهِـيـمُ أَنـا خَـائِـفـةٌ ، يَـا يَـا إِبـراهِـيـمُ أَنـا جَـائِـعـةٌ ، يَـا إِبـراهِـيـمُ أَنـا ظـامِـئـةٌ ، يَـا إِبـراهِـيـمُ كَـيـف أسـتـقـبِـلُّ اللَّيـلَ وَحـدي ، وكـيـفَ أَرقُـدُ وَحـدِي ، وكـيـفَ أعـيـشُ هـنـا وَحـدِي ، يَـا إِبـراهِـيـمُ ابـنـكَ كـيـفَ أُرضِـعـهُ وأنـا لا أجـد هـنـا شَـربـةَ مَـاءٍ ؟! ، وكـيـفَ أطـعِـمُـهُ وأنـا لا أجـدُ لُـقـمَـةَ غَـداء ؟! ، يَـا إِبـراهِـيـمُ تـتـرُكـنـا هُـنـا لِـنـمـوت ، يَـا إِبـراهِـيـمُ إِن هُـنـتُ عـلـيـكَ أنـا ولـم تَـرحـمْـنـي فـارحـم صَـغـيـركَ ، وقُـرةَ عـيـنِـكَ ، يَـا إِبـراهِـيـمُ هَـانَـت عَـلـيَّ الـحَـيـاةُ ، ولَـكِـن لا يَـهـونُ عَـلـيَّ ابـنـكَ ؟! ولَـكِـنَـهُ مـعَ تِـكـرارِ الـنِـداءآت لـم يَـلـتـفِـت إِلـيـهـا ، فَـلـمَـا رَأَت أبـوابَ الـنَّجَـاةِ قـد أُغـلِـقَـت ، وحِـبَـالَ الـحَـيـاةِ قـد قُـطِـعَـت ، لَـجَـأت إِلـى أبـوابِ الـسـمَـاءِ فَـقـرعَـت ، وسَـألـت سُـؤالَ الـنِّهـايـة عِـنـدَ مـوتِ الأمـلِ بِـكُـلِّ صُـورِهِ ، وقَـالـت : يَـا إِبـراهِـيـمُ [ آللهُ الَّذي أَمـركَ بِـهـذَا ] قَـالَ " نَـعَـم " ، وأقـبَـلـت كـلـمـةُ " نَـعـم " فِـي صُـورةِ عَـالَـمٍ يَـدُكُّ كُـلَ بَـلايَـا الـعَـالَـمِ فـكـانـت الـحَـيـاةُ فِـي نَـعـم ، والأمـلُ فـي نَـعـم ، والأُنـسُ فـي نَـعـم ، والـطـعـامُ فِـي نَـعـم ، والـشَـرابُ فِـي نَـعـم ، والـمـأوَى فِـي نَـعـم ، فـهَـانـت لَـديـهَـا الـمَـفَـازِعُ ، وذَابـت لَـديـهَـا كُـلُ الـقَـوَارِع ، وقَـالـت بِـلِـسـانِ الـمُـؤمـنـةِ الـواثـقـة والـمُـتـخـرِجَـةِ مِـن كُـلِّيَّةِ إِبـراهِـيـمَ الإيـمَـانِـيـة : " إِذَن لا يُـضَـيِّعُـنَـا " نَـعـم لـن يُـضـيِّعَـهـا اللهُ ( وَمَـنْ يَـتَـوَكَّلْ عَـلَـى اللَّهِ فَـهُـوَ حَـسْـبُـهُ إِنَّ اللَّهَ بَـالِـغُ أَمْـرِهِ ) 0
#.* الـمَـشـهَـدُ الـرَّابِـعُ *.#
وَلـم يَـكُـن إِبـراهِـيـم بِـأقـلَّ حُـزنـاً ، ولا أهـون أسَـفـاً مِـن أُمِّ إسـمـاعـيـلَ ، ولَـكِـنَّهُ أَمـرُ اللهِ الَّذي لا يُـنَـاقِـشُ فِـيـهِ ، ويَـثـقُـلُ الـنِّقَـاشُ مِـن الـخَـلـيـلِ لِـخـلـيـلِـهِ ، وبَـعـدمَـا تَـركَ إسـمَـاعـيـل وأمَّهُ بِـوادٍ غـيـرِ ذِي زَرعٍ ، خَـلا بِـنـفـسِـهِ عَـنـهُـمـا ، وأقـبَـلَّ الـخَـلـيـلُ بِـوَجـهِـهِ إلـى خَـلِـيـلِـهِ الـكَـريـم لِـيَـفِـيـضَ بِـمَـا فـي صَـدرِهِ مِـن ألَـمٍ ، فَـتَـرجـمَـهُ فِـي هَـذهِ الـكَـلـمـاتِ الـخَـاشِـعـاتِ ، الـرَّاجِـيَّاتِ ، الـمُـسـتـغِـيـثـات بِـرحـمـةِ الـرَّحـيـمِ بـعـبـدِهِ الـمُـبـتـلاء الـمُـسـتَـكـيـن لِـربِّهِ فَـقـالَ : ( رَبَّنَـا إِنِّي أَسْـكَـنْـتُ مِـنْ ذُرِّيَّتِـي بِـوَادٍ غَـيْـرِ ذِي زَرْعٍ عِـنْـدَ بَـيْـتِـكَ الْـمُـحَـرَّمِ رَبَّنَـا لِـيُـقِـيـمُـوا الـصَّلاةَ فَـاجْـعَـلْ أَفْـئِـدَةً مِـنَ الـنَّاسِ تَـهْـوِي إِلَـيْـهِـمْ وَارْزُقْـهُـمْ مِـنَ الـثَّمَـرَاتِ ) وَهـل إبـراهِـيـمُ لا يَـعـلـمُ أنَّ اللهَ يَـعـلـمُ هـذا الـحَـال ، بَـلَـى يَـعـلـم ، كَـيـفَ لا يَـعـلـمُ وهـوَ الَّذِي أمـرَهُ ، ولَـكِـن لِـيـفِـيـضَ الـصَـدرُ بِـشـكـوَاهُ ، والـقَـلـبُ بِـبـلـواهُ ، وكَـأنَّ إبـراهـيـم يَـقـولُ يـاربُ زوجَـتـي وابـنـي عِـنـد بَـيـتِـكَ ، وفـي وادٍ أنـت أعـلـمُ بِـحـالِـهِ ، وأدرى بِـمـآلِـهِ ، يـاربُ ارحـم غُـربـتَـهُـم ، وآنِـس وحـشـتَـهـم ، بِـأن ( تـجْـعَـلَ أَفْـئِـدَةً مِـنَ الـنَّاسِ تَـهْـوِي إِلَـيْـهِـم ) ، وارحـم جُـوعَـهـم ، وعَـطـشَـهـم ، بِـأن ( تـرْزُقْـهُـمْ مِـنَ الـثَّمَـرَاتِ ) 0
#.* الـمَـشـهـدُ الـخَـامِـسِ *.#
ويَـنـطـلـقُ إبـراهـيـمُ لأمـرِهِ ، ولا تَـدري أمُّ إسـمـاعـيـل كَـم يَـغـيـبُ عـنـهـا ، وبـعـدَ غِـيـابِ الأحـبَـابِ حَـلَّ الـمـرُّ بِِعُـدَّتِـهِ ، ونَـفِـدت عُـدَّةُ أُمِّ إسـمـاعـيـلَ مِـن الـمَـاءِ ، وضَـاقَ الـوجـود بِـرمـتِـهِ ، أمٌ تَـنـظُـرُ إلـى قَـلـبِـهـا يَـتـلـوَّى ويَـتَـلـبَّطُ مِـن الـجُـوعِ والـعَـطـشِ ولا تَـمـلِـكُ لهُ مِـن أمـرِهـا شَـيـئـا ، إِنَّهـا لـحـظَـاتٌ حـاسـمـة لا تـسـتـشـعِـرُهـا إِلا الأمـهـات ، عَـطـشٌ رَهـيـبٌ يَـجـلِـدُ ابـنَـهـا بِـعـصَـا الـمَـوتِ الـبَـطِـيءِ عـلـى مَـسـمَـعٍ ومَـرأى مِـنـهـا ، ولَـمَّا لَـم تَـسـتـطِـع أن تَـنـظـرَ إلـى هـذا الـمَـنـظـرِ الـمُـمَـزِّقِ لِـقـوى الـحَـيـاةِ ، والـقَـاضِـي عـلـى جَـمَـالِ الـوجُـودِ ، فَـمـا كَـانَ مِـنـهـا إِلا أن نَـأت مِـنـهُ لِـتـفـعـلَ سـبـبـاًَ ، ولـم يَـكـن مِـنـهـا إلا أن تُـقـلِّبَ بِـصـرَهـا فـي أفَـاقِ الـدُنـيـا لِـتـبـحـثَ عَـن فَـرجٍ لِـهـذا الـكَـربِ الـعَـظِـيـمِ ، فَـأبـصَـرت جَـبـل الـصَـفـا فَـصـعـدتـهُ لـتـسـتـكـشِـفَ لـعـلهـا تَـرى أحـداً ، أو مَـاءً يُـنـقـذُ ابـنـهـا مِـن ظَـمـأهِ الـمُـمِـيـت ، ولَـكِـنَـهـا لَـم تـرَ شَـيـئـاً ، فَـأقـلـقـهَـا حـالهُ فَـهـبـطَـت الـوَادي فَـأبـصَـرت الـمَـروَةَ فَـصـعـدتـهُ لـعـلهَـا تَـجـدُ مَـا يُـطـفِـئُ ظَـمـأَ نـبِـيِّ اللهِ إسـمـاعـيـل ، وبَـقـيـت تَـسـعـى بـيـنـهـمـا سـبـع مَـراتٍ ، وأقـبـلـت إسـعَـافـاتٌ مِـن الـسـمـاءِ ، وإمـداداتٌ مَـن قَـالـت عَـنـهُ " لا يُـضـيِّعُـنَـا " فَـبـحـثَ الـمَـلَـكُ فِـي الأرضِ بـعـقـبـهِ لِـيـفَـجِّرَ فـي الـوجُـودِ خَـلـقـاً آخـر ، [ إنَّهُ زَمـزَم ] لِـتـروي نَـفـسَـهـا وابـنَـهـا ، ويَـعـطِـيـهـا الـمَـلَـكُ مِـيـثـاقـاً مِـن الـسـمـاءِ مَـوثُـوقـاً أن هُـنـا بـيـتُ اللهِ سـيـبـنِـيـهِ هـذا الـغُـلامُ وأبـوهُ 0
#.* الـمَـشـهَـدُ الـسَّادِسُ *.#
اسـتـمـرَّ الـفِـراقُ بَـيـنَ إِبـراهـيـمَ وزوجِـهِ وابـنِـهِ سـنـيـنَ عَـددا ، حـتـى إِذا تـطَـاوَلَ الـعُـمُـرُ بِـفِـراقِ الأحـبَـابِ ، عَـلَـت الـمَـشِـيـئـةُ ، وأقـبَـلَ أمـرُ اللهِ إلـى إسـمـاعـيـلَ بِـالـبَـلاءِ ، وتَـحِـيـنُ سَـاعـةُ الـفِـراقِ الـمُـرِّ بَـيـنَـهُ وبَـيـنَ مَـن كَـابـدت كُـلَّ هَـذا الـبَـلاءِ لأجـلِـهِ ، فـقَـضَـت نَـحـبَـهـا ، وأسـلَـمَـت أمـرَهـا ، وانـقـطـعَـت رِسَـالـتـهَـا ، فـمَـاتـت ، نَـعـم مَـاتـت كَـنـفُ ومَـأوَى ومَـدرسـةُ وجَـامِـعـةُ وأُنـسُ إسـمـاعـيـل ، مَـاتـت غَـرِيـبَـةٌ مُـفـارِقـةٌ صـابـرةٌ مُـحـتـسـبـةٌ ، يَـا لهـا مِـن لَـحـظـةِ وداعٍ حَـارقـةً مُـدمِـرة ، أن تُـفـارِقَـهُ هَـذه الـمُـخـلِـصـةُ بَـعـدَ كُـلِّ هَـذِهِ الـمَـشـاهـدِ الألـيـمـةِ ، الـتـضـحـيَـاتِ الـمُـكـلِـمَـة ، وقَـبـلَ أن يَـلـقَـاهـا إِبـراهِـيـم ، وكـأن لـسـانُ حَـالِ إِسـمـاعـيـل يُـخـبِـرُ ويَـقـولُ : رَفِـيـقـةُ الـدروبِ فِـي كُـلِّ الـكُـروبِ رَحـلَـت ، وصَـفـحـةُ الإيـمـانِ وسَـبـيـلُ الإحـسَـانِ ذَهَـبـت ، فـيـا لَـهُ مِـن بَـلاءٍ عَـظـيـم ، وصـبـرٍ عَـجِـيـب0
#.* الـمَـشـهَـدُ الـسَّابِـعُ *.#
وبَـعـدَ فِـراقِ كُـلِّ هـذهِ الـسِـنـيـنَ ، وعُـمُـرِ حَـافِـلٍ بـالآلامِ ، وحـقَـائِـقِ الـرزايـا والأسـقَـامِ ، يـلـتـقـي إبـراهـيـم بِـإسـمـاعـيـلَ عـلـيـهـمَـا الـسَّلام ، وقـد أصَـابَـهُ الـكِـبـر ، وبَـلَـغَ بِـهِ مَـبـلَـغـاً يُـحـتِّمُ لَـهُ الـمَـعـونَـةَ ، فَـفـرِحَ بِـإسـمـاعـيـلَ لأنَّهُ بَـلَـغَ الـسَـعـيَ ، - أي أنَّهُ يَـسـعـىَ فـي الـحَـيـاةِ ويَـقـومُ بِـمـتـطـلـبَـاتِـهـا - لـيُـخـفِـفَ عـن أبِـيـهِ ولـو شَـيـئـاً مِـن أمـرٍهـا ، ولَـكِـن جَـاءت لَـحـظَـاتُ الـتَّمـحِـيـصِ لإسـمـاعـيـلَ وإِبـراهـيـمَ بِـبـلاءٍ مُـبـيـنٍ ( يَـا بُـنَـيَّ إِنِّي أَرَى فِـي الْـمَـنَـامِ أَنِّي أَذْبَـحُـكَ ) أي يـا إسـمـاعـيـلُ أوحـى اللهُ إلـيَّ بِـذبـحِـكَ ( فَـانْـظُـرْ مَـاذَا تَـرَى ) تَـأمَـل حَـالَـكَ ، وأجـمِـع أمـرَكَ ، وتَـأتـي إِجَـابَـةُ مُـؤمِـنٍ مُـتـخـرجٍ مِـن جَـامَـعـةِ الـعُـلـومِ الأدبـيـةِ الـتَّربـويِّةِ الإيـمـانـيـةِ الإبـراهـيـمـيـةِ لـتُـسـطِّرَ للـوجـودِ تَـارِيـخـاً فِـي الـتَّسـلـيـمِ ، والـصَـبـرِ ، والـرِضـا بِـأمـرِ اللهِ ، لـم يَـشـهـد الـوجـودُ لهُ نـظـيـر ( يَـا أَبَـتِ افْـعَـلْ مَـا تُـؤْمَـرُ ) أي يَـا أبَـتِـي أنـا لـن أعـصِـيـكَ ، أو أعـصِـيَ ربِّي ، ولا تَـخـشَـى عـلـيَّ يَـا أبـي ( سَـتَـجِـدُنِـي إِنْ شَـاءَ اللَّهُ مِـنَ الـصَّابِـرِيـنَ ) واسـتـسـلَـمَـا لأمِـرِ ربِـهـمَـا ، وأقـبَـلَ الأبُ الـكَـبـيـر ، والـطَّاعِـنُ فِـي الـسِّنِّ بِـفِـلـذَةِ كَـبِـدِهِ، وحـبـيـب قَـلـبِـهِ ، وَهـو خَـاضـعـاً خَـاشـعـاً ومُـسـتـسـلـمـاً ، ولـسـانُ حَـالِ إبـراهـيـم يَـقـولُ : لأجـلِـكَ يـا اللهُ كُـلُّ شَـيءٍ يَـهـون ، ولِـسـانُ حَـالِ إسـمـاعـيـل يَـقـولُ رضـيـنـا قِـسـمـةُ اللهِ فِـيـنـا ، ويُـقـبِـلُ الـشَـيـخُ الـكَـبـيـرُ إلـى اللـحـظَـاتِ الـحَـاسِـمـاتِ الـحَـارقـاتِ ، ويَـطـرَحُ الأبُ ابـنَـهُ أرضَـاً ، والابـن مُـسَـلِـمَـاً ، فَـيـنـظـرُ الأب إلـى وَجـهِ ابـنِـهِ وبِـيـدِهِ الـسِّكـيـنُ فـلا يَـسـتـطِـيـعُ أن يَـنـظـرَ إلـيـهِ وهـو بِـهـذهِ الـصُـورة ، فَـيـقـلِـبُ وجـهَـهُ إلـى الأرضِ حـتـى لا تَـمـنـعُـهُ الـشَـفـقـة الأبـويـةُ الـقـاهـرة ، حـتـى إِذا حَـوَّلَ وجـهَـهُ نَـحـو الأرضِ وَوضَـعَ الـسِّكـيـنُ عـلـى عُـنـقِـهِ ، وفـي لِـحـظَـةِ الـمُـوتِ وهـي لـحـظَـاتٌ شَـاهـدَ الـرَّحـيـمُ أحـدَاثَـهـا ، فَـأبـت رحـمـةُ اللهِ إلا إِنـقـاذَهـا ، وتَـألَّبَـت قُـوى الـوجُـودِ بِـأمـرِ ربِـهـا لـتُـنـقِـذَ إسـمـاعـيـل ، وجَـاءت إِسـعَـافَـاتُ الـسـمَـاءِ تَـحـمِـلُ فِـديَّةً عَـظِـيـمَـةً يَــــــــــا إبـراهـيـِـــــــمُ ( قَـدْ صَـدَّقْـتَ الـرُّؤْيـا ) يَـا إِبـراهِـيـمُ تَـوقـف ، يَـا إبـراهِـيـمُ كَـفـى ، يَـا إِبـراهِـيـمُ سَـلامٌ عَـلـيـك وعَـلـى إِسـمَـاعِـيـل 0
#.* خـاتـمـة *.#
الـبَـلاءآتُ مَـدارِسٌ رَبـانِـيِّةٌ ، وجَـامِـعـاتٌ تَـربَـويِّةٌ ، تَـصـنَـعُ أربـابَ الـقِـيـادةِ ، ورِجَـالَ الـسِّيَـادةِ ، لِـتَـخـضَـعَ لَـهـم الـمُـلـمـات ، وتَـخـنَـعَ لِـرجـولَـتِـهـم جَـذوةَ الـمُـدلِـهـمَّات ، وتَـخـدُمَ إِرادتَـهـم عُـلا الإرادَات ، لِـيـصـنَـعـوا تَـاريـخـاً لِـلـمَـجـدِ يَـمـتـطـي صَـهـوةَ الـسَـامِـيَـات ، وتـفـضـحَ بـوارقُ الـكَـاذبـاتِ و شـوَارقَ الـخَـائِـنَـات ، وَتَـمـسـحَ مَـن دَخـلَ أبـواب الـعِـزِّ زُورَاً ، ورَامَ الـعُـلـوَ غُـرورَاً ، فـيَـا بَـاكِـيـة عَـلـى قَـاصِـدِ الـفِـردوسِ عَـلـى الـنَّفـسِ الـبُـكـاء ، وعـزاؤكِ يَـوم اللِّقَـاء فَـا صـبِـري ، ويـا مُـبـتـلاً بِـلَـوعَـةِ الـشَـوقِ الـمَـوعِـدُ قَـرِيـبٌ عـلـى ضِـفَـافِ الـكَـوثَـرِ ، ومُـنـتـزهَـاتِ طُـوبـى عَـلـى أرضِ الـمِـسـكِ فِـي قُـصُـورِ الـذَّهـبِ تـحـت ظـلِّ عَـرشِ الـرَّحـمـنِ فَـلا تَـنـسـى واضِـح الـعُـنـوانِ ، ومـا دُنـيَـانَـا إلا ذَرةُ غُـبَـارٍ فِـي عَـالَـمِ الـفَـضِـاءِ فَـمـن نَـكـونُ نَـحـنُ فِـيـهـا ؟! قَـالَ اللهُ ( وَمَـا الْـحَـيَـاةُ الـدُّنْـيَـا إِلَّا لَـعِـبٌ وَلَـهْـوٌ وَلَـلـدَّارُ الْـآخِـرَةُ خَـيْـرٌ لِـلَّذِيـنَ يَـتَّقُـونَ أَفَـلا تَـعْـقِـلُـونَ ) ( وأبـشِـروا بِـوعـدِ اللهِ إذ قـال : ( وَالَّذِيـنَ هَـاجَـرُوا فِـي اللَّهِ مِـنْ بَـعْـدِ مَـا ظُـلِـمُـوا لَـنُـبَـوِّئَـنَّهُـمْ فِـي الـدُّنْـيَـا حَـسَـنَـةً وَلَـأَجْـرُ الْـآخِـرَةِ أَكْـبَـرُ لَـوْ كَـانُـوا يَـعْـلَـمُـونَ ) واقـتَـدوا بِـأبِـيـكُـم إِبـراهِـيـم وإِسـمـاعـيـل وأمّـهُ قَـاَلَ اللهُ ( قَـدْ كَـانَـتْ لَـكُـمْ أُسْـوَةٌ حَـسَـنَـةٌ فِـي إِبْـرَاهِـيـمَ وَالَّذِيـنَ مَـعَـهُ ) 0
كَـتَـبـهُ خَـادِمُ الإسـلامِ تَـشـرِيـفـاً لَـهُ ابـنُ الـقَـريَّةِ الـفَـلَّاحُ الـمُـعـتَـصِـم
جزاه الله خير الجزاء فى الدنيا والأخرة