الخطاب القرآني والخطاب السلطاني
بقلم الدكتور/ حاكم المطيري
كيف صار دين التوحيد الذي وحد العرب وحررهم من كل أشكال العبودية لغير الله وأخرجهم من الظلمات والجور إلى العدل والنور دينا يقر الافتراق ويبرر الاستبداد ويدعو إلى الاستسلام للاستعمار ويغض الطرف عن كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان؟! وكيف صار العرب ـــ الذين حملوا هذا الدين للعالمين ينشرون العدل والحرية والمساواة بين أمم الأرض حتى قال الله فيهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقال فيهم المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) : (إن العالم لم يعرف فاتحين أعدل ولا أرحم من العرب) ــ أسوء أهل الأرض مآلا وأضعفهم حالا لتخلفهم وتشرذمهم وتظالمهم يرسفون اليوم في أغلال العبودية ويفتقدون أدنى معاني الحرية تتصرف بأوطانهم وثرواتهم يد الاستبداد ومن ورائها أيدي الاستعمار ويباعون في أسواق النخاسة الدولية كقطعان الغنم السائمة والإبل الهائمة فلا يبدون حراكا ولا يحاولون عراكا؟! ليقف المصلحون من علمائها وأبنائها حائرين في معرفة علتها وأسباب عثرتها فهي من أكثر شعوب الأرض قابلية للخضوع للاستبداد الداخلي والاحتلال الأجنبي هذا حالها منذ احتلالها وهو حالها بعد استقلالها؟!
إن وراء ذلك بلا شك أسبابا اجتماعية وسننا إلهية لا تتخلف نتائجها عن مقدماتها كما قال تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وكما قال سبحانه( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) وهي تحتاج إلى تدبر ونظر وأول ما يجب البحث فيه وكشف خوافيه ما طرأ على دينها من تحريف وتبديل وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله ( إذا تبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم ) مما يؤكد أن دين المسلمين اليوم ليس هو الدين الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وكان سببا لظهورهم على الأمم بل هو دين اختلط فيه الحق بالباطل بل طمست فيه معالم الخطاب القرآني بتأويلات الخطاب السلطاني الذي قام علماء السوء باختراعه من أجل إضفاء الشرعية على كل انحراف تقوم به السلطة حتى نجح الاستعمار نفسه في توظيف هذا الخطاب السلطاني في خدمة مخططاته الاستعمارية في أرض الإسلام باسم الإسلام فإذا الأمة تتقرب إلى الله بالاستسلام لعدوها وترى ذلك من طاعة الله ورسوله وهو ما لم يخطر على بال أعداء الأمة أن يجدوا الطريق أمامهم مفتوحا باسم الدين والإسلام والقرآن ؟! لقد تولى كبر هذه الجريمة الأحبار والرهبان وعلماء السلطان الذين قال فيهم الإمام عبدالله بن المبارك
وهل أفسد الدين إلا الملوك 000 وأحبار سوء ورهبانها ؟!
لقد ظهر البون شاسعا والفرق واضحا بين الخطاب القرآني والخطاب السلطاني في مضامينهما وغاية كل منهما وثمرتهما فقد جاء الخطاب القرآني ليحرر الخلق كافة من كل أشكال العبودية لغير الله تحت شعار (لا إله إلا الله) وليخرجهم من الظلمات إلى النور كما في قوله تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) وجاء الخطاب السلطاني اليوم ليعيد المسلمين إلى حظيرة العبودية بكل أشكالها لخدمة الآلهة البشرية (الملوك والرؤساء) في الخضوع لهم وعدم الاعتراض عليهم والتذلل بين يديهم لكون طاعتهم من طاعة الله ورسوله مهما حاربوا الله ورسوله أو صادروا أحكام القرآن وحقوق الإنسان؟! وبلغ تأله الأصنام البشرية أن نازعوا الله في أخص خصائص الربوبية كما في قوله تعالى (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) (وله الحكم وإليه ترجعون) كما تنازعه الآلهة الحجرية (القبور والأضرحة) بأخص خصائص ألوهيته (وإياي فاعبدون)؟!