الفتاوى والاجتهادات المستحدثة والعلماء ومكانتهم في الإسلام،
كثرت هذه الأيام فتاوى مستحدثة مصدرها فقه استحدث من غير شرع الله هو " فقه الموازنات " ويطلق عليه أيضا " فقه الواقع " وأسماء سموها لا تغني من الحق شيئا، ولخطورة هذا الفقه المُبتدع على شرع الله، نثبت هنا رأي الشرع فيه بالأدلة الشرعية وليس بالهوى، واضعين الموضوع برمته بين يدي النقاد ليكملوا نقاش الموضوع تعميما للفائدة.
فقه الموازنات (1)
الفقيه يلزمه أن يعرف واقع المشكلة التي يعالجها ويلزمه أن يعرف النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة. واقع المشكلة هو ما يسمّى بالمناط، وحين نقول (فقه الواقع) نقصد معرفة الواقع والإحاطة به والتفقه فيه. وهذا يعتمد على العقل والخبرة بالواقع، وهو لا يقل أهمية عن التفقه في النصوص الشرعية المتعلقة بالواقع. ويمكن للفقيه أن يعتمد على أهل الاختصاص في معرفة الواقع.
أما ما يقصده المحرفون من عبارة (فقه الواقع) فهو شيء آخر. إنهم يقصدون التلاعب بالنصوص الشرعية وتحريفها وتجديدها لتصبح موافقة للأفكار الغربية والأذواق الغربية الطاغية في العالم الآن.
من أسلحة الكفار ضد الأمة الإسلامية:
إن الأخطار والمصائب والفتن التي أصابت الأمة الإسلامية في هذا القرن كبيرة وكثيرة،
بدءاً بهدم الخلافة وإنهاءِ الوجود السياسي للمسلمين كأمة واحدة ذات كيان سياسي واحد يقوم على عقيدة ينبثق عنها نظام شامل للحياة والناس،
مروراً بتفتيت وتقطيع أوصال الأمة إلى كيانات هزيلة مرتبطة بالغرب سياسياً وبعقيدة فصل الدين عن الحياة والعلمنة فكرياً، وما ينبثق عنها من أفكار كفر كالديمقراطية وحرية العقيدة وسائر الحريات العامة، كإطار عام لتشريع الأنظمة وقوانين الحياة والعلاقات،
ومروراً بزرع الحركات والأحزاب الشيوعية والاشتراكية والقومية والوطنية والعلمانية في سائر شعوب الأمة الإسلامية لتكون بديلاً عن عودة المسلمين إلى عقيدتهم وشريعتهم ولتكون سداً منيعاً في وجه الدعوة الإسلامية وحملتها.
وإلى جانب هذا، الحملات المسعورة التي شنها الكفار وعملاؤهم وأذنابهم على عقيدة الإسلام وتشريعاته.
أضف إلى ذلك حملات التشويه والتنكيل والتقتيل، والإعلام الكاذب، والدجل والتلفيق...التي ارتكبت وما تزال، في حق الإسلام وحَمَلَته المخلصين الذين لا يرجون إلا الله ولا يطمعون إلا برضاه.
ولسنا بصدد تفصيل مثل هذا الأمر، وإنما أردنا الإشارة إلى أن كل هذه الفتن والأخطار لا تبلغ عُشْرَ مِعشار الخطر الداهم الذي صارت خطواته ومنعطفاته ومفاصله واضحة لمن تتبع وضع هذه الأمة، ليس فقط لأنها أمته، وإنما لأنها خير أمة أخرجت للناس، هكذا كانت وهكذا ينبغي أن تكون،
ولأنها الأمة الوحيدة التي نجحت في أن تتلقى الأمانة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تبلغتها وحملتها وأدتها: ]وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً[.
هذه الأمة التي عصمها الله - كأمة - بالقرآن الكريم إن هي تمسكت به، تخلَّت عن هذا الموقع ردحاً من الزمن، وتكالبت عليها الأمم تنهشها وتذلها وتقطع أوصالها. وما أن استفاقت لحظة وأدركت ولمست أن كل ما حل بها من هدم لدولتها وقضاء مبرم على سلطانها، ومن تفتيت لها للإبقاء على ضعفها وتبعيّتها لعدوها الكافر، وكل ما أصابها من تضييع لكرامتها وتمريغ أنفها بالتراب على أيدي أحقر الناس وأذلهم: يهود، وأشياعهم من أمريكان وروس وبريطانيين وفرنسيين وغيرهم، ومن احتلال وتدنيس لمقدساتها: الأقصى والقدس وما حولها، والبلاد والأراضي المقدسة التي هبط فيها وحي الإسلام وبزغ فيها فجره وشعَّ فيها نوره،
بعد أن أدركت أمتنا ولمست كل هذا تنبَّهت وتلفَّتت يمنةً ويسرةً فلم تجد إلا حاكماً فاجراً هنا ورئيساً كافراً هناك، وكُفْرَ وطنيةٍ هنا، وكفرَ قوميةٍ هناك، وأنظمةً طاغوتيةً مُزَيَّنةً مجَمَّلةً بألفاظ العزة والكرامة والوحدة والتقدم، بل وأكثر وجدت أن الذوق صار فاسداً والمزاج موبوءاً، وألفاظ الكفر صارت من زينة الأفكار كالديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك من شعارات الدجالين.
الأمّـة والصحوة:
وما أن تنبهت الأمة حتى لفظت وتخلت عن كل ما يمكنها التخلّي عنه، وإذا الحركات الوطنية والقومية والاشتراكية شيء من التاريخ، لم يبق فيها أثر إلا بمقدار ما تنفخ فيها أنظمة الطواغيت. ولم يبق لها من تأييد حقيقي في الأمة إلا بمقدار ما يبقى من الشيء بعد استعماله واستهلاكه، فإما أن يُلقى في القمامة وإما أن يعاد صهره أو تشكيله لإعادة امتهانه في وظيفة دنيئة أخرى.
هذا ما حصل، وإذا الأمة تبدأ بالتفتح على حكمة الله سبحانه : ]إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم[ وعلى سنته في خلقه: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً...[، وتبدأ بتلمس طريقها للخروج من هذه الفتنة ]أَوَلا يَرَوْن أنهم يُفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون[. فبدأت التوبة وبدأ التذكر، وبدأت العودة وبدأت الصحوة، واستشعر الكافر المستعمر خطراً محدقاً به؛
ماذا يريد المسلمون؟
دولة إسلامية واحدة؟!،
أمة إسلامية واحدة؟!،
نظام حياة يقوم على: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟!
وماذا يحل بالكفر وشعوبه؟ وكيف يبسط الكافر المستعمر سيطرته الاقتصادية؟ وكيف يجعل نظامه الرأسمالي نظاماً عالمياً وحيداً لا منافس له؟ وكيف يكفي نفسه ويسد حاجاته من خيرات هذه الأرض وهذه الأمة؟
خوف الكفار من عودة الخلافة:
إن وجود الكيان الإسلامي المتمثل بالخلافة الإسلامية الحقيقية فعلاً لا اسماً فقط، إن هذا الوجود نذير خطر للرأسمالية الكافرة ولهيمنة أمريكا والدول الكبرى. لقد سقطت الشيوعية كدولة، وسقطت كعقيدة وأفكار، ولقد هُدِمَت الدولة الإسلامية منذ حوالي ثلاثة أرباع القرن، كدولة وسلطان، ولكن الإسلام لم يسقط كعقيدة وشريعة، لقد ابتعد المسلمون كثيراً عن الإسلام فترة من الزمن.
ولكن، ها هم بدل تركه كلية وتبني الرأسمالية يعودون إلى الإسلام ويتطلعون إليه كنظام سياسي وكسلطان وخلافة، ها هم يعودون إلى القرآن والسنة يستنطقونهما حكمهما على الرأسمالية والديمقراطية، ويستنبطون منهما حكم الردة، وحكم تعدد الدول الإسلامية، وحكم قوانين الأمم المتحدة، وحكم الجهاد، وشتى أحكام الفقه الدستوري.
إن المسلمين بدأوا يتلمسون الطريق والطريقة، وشرعوا يسعون لاستعادة هويتهم وبدأوا يعلنون: هُويَّتي عقيدتي. ونظام حياتنا ينبثق من عقيدتنا.
أفيترك الكافر المهيمن هذه الصحوة تسير صُعُداً حتى يستعيد المسلمون خلافتهم وسلطانهم، وتكون بداية غيض الكفر؟ كلا، ليس هذا شأن الكفار، ليس هذا شأن شياطين الجن والإنس، إبليس وذريته وأتباعه وأمريكا واليهود وحلفائهم، ليس هذا شأن الطواغيت
خطة لصرف المسلمين عن الخلافة:
هذا الطاغوت فكّر وقدّر، وخطط ومكر، وبدأ بتنفيذ خطته التي هي أخطر من كل ما سبق. عنوانها القضاء على الإسلام.
لقد وجد الطاغوت أنه على الرغم من كل ما فعله بالمسلمين، ومن كل ما كاد لهم، فما زال الإسلام يشكل خطراً عليه، ووجد أنه ليس من المجدي ولا من حسن التأتي للأمور، أن يهاجم الإسلام ليقضي عليه في مواجهة صريحة يتمايز فيها أهل الإسلام وأهل الكفر ونهج الإسلام ونهج الكفر، لئلا تتمسك الأمة بدينها وتعرف الكفر وتتعرف عليه فتحذر منه.
لقد كان المخطط، أو لنكن أكثر دقة، بعض هذا المخطط وأخطر ما فيه، أن تُخْدَعَ الأمة فتُعطى الكفر بعينه، الرأسمالية بعينها وببعض تفاصيلها، بعد أن يسمى كل ذلك إسلاماً.
فتسعى الأمة بيديها لتقضي على الإسلام ولتناضل لإحلال الكفر، واهمة أن هذا هو الإسلام، تفعل كل ذلك مسرورة منتشية بالانتصار. ومن هذا المكر الخطير لأجل كل ذلك أن تقاد الأمة ببعض الباطنيين والعلمانيين واليائسين والضالين، بعد أن تُشْهِرَهم وتُبْرِزَهم وتُلَمِّعَهم أجهزةُ الطواغيت وأدوات إعلامه. فتعمل على إبرازهم كعلماء وقادة للأمة الإسلامية، وكمفكرين ومجتهدين يستحقون من الأمة السمع والطاعة.
وبعد أن تتوفر لهم هذه الصفة، تؤيدهم الأمة وتسمع لهم وتصدق أقوالهم وفتاويهم وتضفي عليها الشرعية الإسلامية. فإذا نجح هذا يطلع علينا هؤلاء بأقوال وتصريحات وفتاوى ومؤلفات تغير أحكام الإسلام، وتستبيح محرماته لتتفق أحكام هذا (الإسلام الجديد) مع أفكار وقوانين الفكر الغربي ومع مفاهيم الغرب عن الإنسان والحياة.
ويترافق هذا المكر والكيد مع خنق كل صوت للحق ومهاجمته وتصويره بأبشع الصور، وبملاحقته وضربه بصمت مطبق، وإذا اضطروا إلى إظهار شيء من ذلك مهدوا لفعلهم بأنهم يريدون السلام والقضاء على الإرهاب.
هكذا يخططون وينفذون ليدوي صوت الباطل، وتنتشر كلمة الكفر، بعد أن يسمى الباطل حقاً والكفر إسلاماً، وليغيض صوت الحق ولا يجد من يسمعه بل يقاوَم ويلاحق حتى يُقضى عليه. وإذا ما آمنت الأمة لهذا الكفر، ووثقت به أنه حق ومشروع، وَوُضِعَتْ على سكة الردة، يهنأ الشيطان وأتباعه، ويقودون الأمة بسهولة ويسر إلى لجة الكفر.
هذا هو مكرهم أو بعض مكرهم فهل ينجح؟ إن المؤمن بوعد الله وبنصر الله وبسنة الله في خلقه يعلم أن هذا المكر ليس له إلى نجاح من سبيل، ولطالما مكروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالمؤمنين، فحاق بهم مكرهم السيء وحل بهم ما يمكرون. قال تعالى: ]وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكِرين[. وقال أيضاً: ]والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون{ وأُمْلي لهم إنّ كيدي متين.
منقول
يتبع ان شاء الله