شهادة إبداعية
مؤتمر الأقليم بقنا ( 2011)
محمد فؤاد محمد
مهد الشاعرية الأول
أذكر أول ما أذكر ذلك الطفل الذي كان يجرى وراء الفراشات عند الأصيل ويلهو بيمامات في الحقل الوسيع حتى يأتي المساء فيجلس يستمع لقرآن المغرب مع الأسرة التي تجتمع على العشاء في تلك القرية الصغيرة التابعة لمركز مطاى / محافظة المنيا شمال الصعيد ثم يجتمع مع بعض أقرانه فيلعبون ما أتيح لهم من ألعاب على ضوء القمر .
وأذكر أيضاً أننا لبسنا ملابسنا الجديدة ذات يوم سبت أنا وزملائي وذهبنا نهرول وراء عمى الأستاذ( شحاتة العشري ) ناظر مدرسة (الكوادى) التي تبعد عن قريتنا( كوم البصل) ما يقرب من اثنين كيلو متر فقد كنّا نخاف من الطريق أن نمشيه وحدنا وخاصة بعد هزيمة يونيو وقد كانوا يحذروننا من الطريق وأنّ العدو الصهيوني سوف يلقى بأقلام وأدوات مدرسية من أجل أن تنفجر فينا -ولذلك لاتلومونى على بغضي لإسرائيل وكل من يتعامل معها- على أيّة حال كان الطريق مخيفاً تنتشر بين جنباته تلال النخيل وحقول الذرة ولا يستطيع تلميذ أن يقطعه بمفرده .. إلا أنني قد قطعته وأنا في الصف الثالث الابتدائي وحدي عندما جاء أحد التلاميذ من القرية متأخراً عنا وأخبرني أن والدي قد مات فعدت من المدرسة مبكراً باكياً ملتاعاً وحيداً لا أخاف الطريق ولا أخاف النخيل ولكن أخاف من الطريق الطويل في الحياة -رحمك الله يا أبى فقد أعطيتني اثني عشر قرشاً بالأمس تزيد عن مصروف الأسبوع كأنك تعلم أنك سوف ترحل عنا-.
الحقيقة ومنذ ذلك اليوم فقد أحسست بانكسار شديد ولوعة ورقَّ قلبي وعرفت الدموع مجراها في مقلتي رغم
أن الله جعل يدا ًحانية ربتت على كتفي ..هي يد عمى الذي عوضني ما استطاع من حنان وعطف وأبوة فقد تركني أبى وثلاث أخوات كن ّأصغر منى ولاتسل القلب الغض عن الحزن عندما ماتت أختي الصغرى صفاء ابنة الرابعة بعد مرور عام من وفاة أبى ولاتسل العين - أيضاً- عن دموعها . و كان لعمّي بنتان وقتها ثم رزق بالبنين وصرنا أسرة واحدة هادئة مؤتلفة وكان -رحمه الله- يصطحبني معه في المناسبات الاجتماعية، وبدأت أعول الهمّ مع عمّى وأنا صغير في حقلنا السبعة أفدنة التي كان يمتلكها أبى وعمّى .
(السبعة). فهكذا يسميها أهل القرية حتى الآن .كانت بالنسبة لي بيت وحقل ومنتزه ومكان عمل يجتمع فيها أصدقائي وفيها أأتلفت مع الطبيعة الجميلة وطيورها المغردة ومياهها العذبة والفلاحين
البسطاء ,والسواقي الدائرة ، والفراشات الجميلة -التي كنت أجرى وراءها عند الأصيل على المروج الخضراء- والنّوار المتفتح الذي يسر الناظرين.
كل هذه المفردات غرست نبتة الشعر في قلب الطفل الغضّ حتى ترعرعت الشاعرية المبكرة فيه.
قرآن المغرب ولغتنا الجميلة :
كنت وأنا أستمع لقرآن المغرب أطرب لهذه الألفاظ العذبة تستوقفني وأنسجم معها ولو لم أعرف معانيها فأهيم بجرسها الموسيقى وتترك في قلبي دلالات وإيماءات كبيرة أذكر مثلا .(فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ).وأيضا سورة الرحمن، الفرقان ,ص, وغيرها من السور التي أسمعها من عمى الحاج لبيب الديب الذي كان دائم القراءة في القرآن وكذلك السور التي حفظتها في صغرى في كتّاب خالتي (فاطمة أم سويفى).
أما برنامج لغتنا الجميلة ومقدمه الشاعر فاروق شوشة فقد كان من طقوسي اليومية وكنت أغالب النعاس حتى يأتى موعده، فالعاشرة والنصف شتاء في ليل القرية الغير منارة وقتها أمر ليس سهلا وكنت أحاول بسرعة أن أدوَّن أشعاراً مما أسمع من هذا البرنامج العظيم .
كانت هواية كرة القدم تستهوي معظم أطفال القرية وأنا منهم كنا نذهب للعب( بحري العزبة) التي أسميها مجازاً( القرية )و كان للأطفال في قريتنا من بين الهوايات هوايتان حرمني الأهل منهما خوفاً علي ذلك الطفل الوحيد الذي (طالوه علي عطش ونشف) -كما تقول أمي وعماتي- هما هواية السباحة في الترعة والجري وراء قطار القصب ¬-الذي كان يمرّ بجانب قريتنا - فكنتُ أنزوي وحيداً في البيت أو في الحقل أسلي نفسي ببعض الكتب التي وجدتها في منزلنا ، وقد كان عمي -رحمه الله- رجلاً مثقفا ًيحفظ الكثير من القرآن الكريم ويخطب الجمعة أحياناً وكان يشجعني علي القراءة والاطلاع ، ويحكي عن قصص هذه الكتب وكيف اشتراها ( بتراب الفلوس) فكنتُ أقرأ هذه الكتب روايات جورج زيدان مثل : أرمنوسة المصرية غادة كربلاء ، 17 رمضان مقتل الإمام علي ، شارل وعبد الرحمن ... وغيرها )وكذلك الروايات الشعبية مثل: أبو زيد الهلالي و(الزير سالم أبو ليلة المهلهل)، وعنترة بن شداد ... وبعض كتب الشعر والأدب وبعض المجلات القديمة التي وجدتها في بيتنا .
كل ذلك قرأته في بداية المرحلة الثانوية تقريباً وعندها بدأت أحاكي الطبيعة أكتب عن المروج والزهور والنوًار والطيور والفتيات الحييات وكنتُ أجمع أصحابي علي ما أكتب وأحكي لهم بعض القصص التي قرأتها،
وبدأت علاقتي ببيت ثقافة مطاي لأطالع تقريباً معظم دواوين الشعر الجاهلي ، وكنت أحفظ كثيراً منه وخاصة المعلقات ، وكذلك شعر صدر الإسلام والأموي والعباسي ، وكذلك الشعر الحديث ، وقد كنت مغرماً بأشعار البحتري والمتنبي وكتابات الرافعي في: وحي القلم ، أوراق الورد ، وتحت راية القرآن وغير ذلك من كتاباته وكذلك كتابات أبى العلاء المعرى مثل: رسالة الصاهل والشاحج ورسالة و الغفران ومسرحيات على أحمد باكثير ورواياته كذلك كتاب الأغاني والأمالي والعقد الفريد وغيرها وبدأت أحاول تأسيس مكتبة خاصة بي فكنت أذهب بطريقة شبه يومية إلى مدينة مطاي التي تبعد عن قريتنا خمسة كيلو مترات أطالع وأشتري مايقع في يدى من إصدارات في الأدب خاصة والثقافة عامة وكنت غالباً ما تراني في قصر الثقافة أو عند بائعي الكتب والمجلات وعندما سألني صديق عن ذلك قلت له -مازحاً- كيف لا وأنا الذي قلت في أم حشمت بائعة الجرائد :
خليلي ّمرا بي على أم حشمت.......... نقضّي لبانات الفؤاد المشتت . مثلما قال امرؤ القيس من قبلي في أم جندب :
خليلى مرا بي على أم جندب ............نقضّي لبانات الفؤاد المعذب .
وكنت أتحين فرصة افتتاح معرض القاهرة الدولي كل عام لأشتري وأحمل ماأستطيع وبما أستطيع ادخاره حتى كونت مكتبة عامرة بأنواع العلوم والمعارف
وأنا لا أزال تعجبني وتجذبني كعهدها الجملة القرآنية فقرأت كثيراً في كتاب فى ظلال القرآن للأستاذ :سيد قطب ، ذلك المشروع الأدبي الضخم ،والكتابات عن التصوير الفني فى القرآن الكريم وكذلك كتب السيرة النبوية وخاصة التي تميل منها للجانب الحركي وأيام العرب وعندها بدأت أندرج في حقل العمل الدعوي المعتدل المتمثل في جماعة (الإخوان المسلمون )واستغرق مني هذا الأمر جلّ وقتي رغم معارضة الأهل الشديدة لي خوفا عليّ ًمن الملاحقات الأمنية-والتي طالتني بالفعل بعد ذلك -وكثيراًما كنت أصعد المنبرفي القرية والقرى المجاورة بحس شاعر .
وعندما خشيت أن يجرفني الشعر إلي اللهو واللعب - علي حد تفكيرفي ذلك الحين - أعرضت عن الكتابة حيناً وبدأت أستغرق فى كتب التفسير والسيرة والكتب الفكرية فوجدت أن هذه القراءات تأمرني وتدفعني بقوة أن أرجع إلى الشعر والأدب لما فيها من عيون الأدب والبلاغة فرجعت وأنا أمتلك لغة جديدة لمسّتها لغة القرآن الحلوة العذبة بحلاوتها وطلاوتها وغزارة دلالاتها.
وكنت أستأنس بقصص عمر بن ربيعة مع ابن عباس وكيف كان ابن عباس يهتم ويحفظ أشعار هذا الفتى المترف الغزِل وقبل ذلك اهتمامات الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم) بالأدب والأدباء .
وكان أيضاً ميدان هذه المطالعة الحقل والطيور والخمائل الجميلة وأقرأ في البيت والطرقات كنت لا أمل ّالقراءة أبداً وساعدتني مهنة التدريس على ذلك فما كنت أترك القراءة حتى في طريقي وأنا أسير أيضا بين الحقول والأشجار إلى مدرسة الكوادي معلما أثناء ذهابي أو عودتي إلى قريتنا . .
مرحلة نشر الشعر
بدأت أكتب وأدون ما أكتب وأهذبه ثم أرسله للجرائد والمجلات فتردّ عليّ المجلات بأنّني موهبة وكذلك الجرائد وأنا أكتب وأمارس عذابات الكتابة والقراءة كل يوم بل كل لحظة أعيشها ،وكان للدكتور حلمي القاعود يد حانية على تجربتي الشعرية عبر مجلة الشعر كان كثيراً ما يشجعني عبر ردوده في المجلة وكنت أحاول ممارسة التجريب والأشكال الأدبية الجديدة رغم أنني كنت أكتب القصيدة العمودية أيضاً فقد كان تجريبي رأسياّ فى عمق الأصالة لا منفلتاً بعيداً عنها فإن أي تجريب وتحديث بعيداً عن الأصل ما هو إلا تهويمات وفقاعات تربو وتنتفش حيناً من الزمن ويكون لها دعاتها وغلاتها ثم تتلاشى ..تتلاشى وتندثر..تندثر رويدا وهى تهرول إلى مستقبلها فتجده سراباً لا ماء فيه إنني لا أدعو إلى الجمود أبداً ولا أحبه ولكن لا أدعو للانفلات من الأصل وفى التجديد فى نطاق الأصل مندوحة ومتسع و مجال واسع جداً والإبداع الحقيقي المتجدد لا ينضب معينه أبداً وإلا كنّا سكتنا عندما قال عنترة : هل غادر الشعراء من متردم ؟
وفي ذات يوم أمسكت عدداً من مجلة إبداع وكان العدد خاصاً عن الشعر في الوطن العربي ، وقد كان صدوره في إبريل 1985 وما إن فتحت العدد إلا وقد فاجأتني قصيدتي " حصار وحصاد " بين كبار شعراء الوطن العربي ، فرحت بها كثيراً وتناول النقاد العدد بالقراءة والتحليل وقد أثني علي القصيدة الشاعر أحمد فضل شبلول في مجلة الإذاعة والتليفزيون وقال :( لقد نجح محمد فؤاد في استخدام الشكل المدور في قصيدته) فقد كان هذا الشكل من التجديد الشعري بمكان أما قصيدة النثر فلا أمارسها ولكن أقرؤها وفيها نصوص تعجبني .
كم كانت فرحتي وأنا أمسك بالعدد ، فالنشر في مجلة إبداع المحترمة أيام د / عبد القادر القط كان له قيمة كبيرة ، وبالذات فى عدد خاص وبعدها أحسستُ بقيمتي الشعرية فبدأت أنطلق إلي نادي أدب المنيا وأنا أحملُ تجربتي الشعرية لألتقي د/ جمال التلاوي ود/ محمد التلاوي ود/ عبد الحميد إبراهيم ود/ علي البطل ود/أحمد السعدني وكذلك د/ مراد عبد الرحمن والشاعر منير فوزي والقاص عبد الحكيم حيدر وغيرهم
وبدأت علاقتي بنادي أدب المنيا وبدأت أعمالي تتداول بينهم ولقيت تشجيعاً وخاصة من الدكتور جمال التلاوي الذي فتح لنا بيته وقلبه ، وكان كل مساء ثلاثاء يجمعنا مفعماً بالحميمة والشاعرية ، كما كنا نشارك ونلتقي كبار شعراء مصر والوطن العربي في مؤتمر طه حسين كل عام ,أذكر ممن حضر الشاعر الكبير عبد الله البردونى والشاعر الليبى عبد الحميد البكوش ( رئيس وزراء ليبيا الأ سبق ) الذى وقّّع لى على قصيدة من قصائدي أعجبته وغيرهم،ولم يكن ذهابي للمنيا بالأمر اليسير فالقرية تبعد عن المنيا أكثر من أربعين كيلو متر وكنت غالباً ماأنزل من السيارة عند إحدى القرى القريبة منا ثم أسير في منتصف الليل أكثر من اثنين كيلو متر بين الحقول وكل ذلك من أجل الأدب والشعر يهون .
تجربتي وشعراء الصعيد
وفي هذه المرحلة بدأت أتعرف علي شعراء الصعيد " الجواني " وكان حلقة الوصل بيني وبينهم الشاعر : شوقي أبو ناجي رحمه الله الذي تعرفت عليه عن طريق المراسلة وقد دعاني في أول ندوة لي خارج المنيا في 24/4/1986 ولم أذهب للندوة... لماذا ؟ فقد كان ذلك اليوم هو يوم زفافي . !
والتقينا بعد ذلك في ندوات كثيرة في أسيوط وثقافة سوهاج وجامعة أسيوط فرع سوهاج وقتها .. وغيرها ، فلمست الشاعرية والنقاء والصفاء من شعراء الصعيد وقتها شوقي أبو ناجي ، د/ مصطفي رجب ، الشاعر عبد الستار سليم ، الشاعر درويش الأسيوطي ، الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ،د/محمد أبو دومة ، الشاعر عزت الطيري .... الخ ، هؤلاء الأفذاذ الذين يمتلكون مشروعاً أدبياً ضخماً في مصر والوطن العربي وهم ما زالوا يقاومون التهميش والتجاهل من المؤسسات الثقافية التى لاتعطيهم ما يستحقون ولا نصفه ولا ثلثه. ولذلك أتمنى أن تهتم المؤسسات الثقافية بهؤلاء الأعلام وكذلك بالراحلين أمثال( شوقي أبو ناجى ) وهو الذى كان يهتم بالراحلين من أدباء الصعيد ويعقد باسمهم المؤتمرات عن الشاعر محمود حسن إسماعيل، وإسماعيل الكيلانى ،،، فضلا عن تفرد شوقي رحمه الله فى فنّ الشعر الحلمنتيشى وبطريقة فنية تربوية ساخرة كان يلمس احتياجات المجتمع النفسية والتربوية ولا أخصُّ شوقياً. -رحمه الله -إلا من قبيل الوفاء فمعظم ما ذكرت من الشعراء له تميزه وتفرده وله غبنه من المؤسسات الثقافية أيضاً .
كانت المؤتمرات التى حضرتها في معظم المحافظات بالنسبة لى تعطيني دفعة قوية للإبداع والقراءة وكذلك كنت أتعرف من خلالها على شخصيات أدبية لها وزنها في الوطن العربي إضافة إلى من ذكرت مثل د:صابر عبد الدايم والشاعر يس الفيل والشاعر أحمد شبلول والشاعر محمد الشهاوى وكذلك الشاعر عبدا لله السيد شرف -رحمه الله - وقد زرته في منزله وقد زرت أيضا د:محمد رجب البيومى –رحمه الله - أنا و الشاعر شوقي أبو ناجى وأهدانا أعماله الشعرية وقتها فقمت بإعداد دراسة نقدية عن ديوانه فى رثاء زوجته ونشرتها في (المجلة العربية ) فسرّ الرجل بها وراسلنى معجباً بالدراسة ،وتوطدت علاقتي بمعظم شعراء مصر. وكانت الانتفاضة الفلسطينية لحظة فارقة في شعري إذ وجدت فيها وقود تجربتي وقد ترعرعت قصائدي في أحضانها ,فما زلت أذكر مؤتمراً في جامعة أسيوط فرع سوهاج قدمني د/ مصطفى رجب وألقيت قصيدة بعنوان( طيوف فلسطينية ) وبعد أن انتهيت من إلقائي استوقني الأديب الراحل( محسن الخياط)وأنا نازل من على المنصة وطلب مني القصيدة ونشرها في جريدة الجمهورية ,وكذلك أذيعت لي بعض القصائد .
في هذا الجو المهيأ والمناخ الصحي للإبداع بدأت أكتب وأحاول وأجرب وأراسل المجلات المصرية و العربية وبين الحين والآخر كانت تنشر لي هذه المجلة أوتلك وفى هذه الفترة بدأت أتعرف عن طريق المراسلة ب /أ / د:عماد الدين خليل وهو أديب ومفكر عراقي له إسهاماته الكثيرة والعميقة في الحضارة الإسلامية والتاريخ والأدب ،كنت أطلعه على كل جديد لي وعرضت عليه أن يقدم لي ديواني الأول: (دماء على خيوط الفجر) فرحب الرجل وبدأت أتصل بدور النشر وسلاسل الهيئة والمؤسسات الثقافية وكنت أرجع (بخفيّ حنين )وفى هذه الفترة التي طالت بدأ اسمي يظهر في المجلات العربية والمصرية مثل مجلة إبداع والشعر والهلال في مصر ومجلة المنهل والمجلة العربية والفيصل والدفاع وبيادر في السعودية وكذلك المنتدى الإماراتية وجريدة البيان و مجلة الكويت ومجلات أخرى كثيرة وكذلك مجلة المشكاة المغربية والتي تعرفت عن كثب بشعراء المغرب العربي من خلالها وعلى رأسهم د/حسن الامراني الذي كنت أراسله إلى أن قابلته في حشد مهيب كبير أبيض اللون ناصعه تحوم فوقه حمامات جميلات عرفته بين الجموع رغم أني لم أر إلا صوره في المجلات.. نعم في الحرم قابلته في عمرة رمضانية وتعانقنا جسدا ًوروحاً.
في الحرم الله ..الله :( قد يهون العمر إلا ساعة.. وتهون الأرض إلا موضعا ) كنت أتنقل بروح شاعر في أماكن الشعر الأول وأردد ما أحفظ من شعر الأقدمين (تخيرت من نعمان عود أراكة.. لهند ولكن من يبلغها هندا )، (أيا جبلي نعمان بالله خليا نسيم الصبا يخلص إليَّ نسيمها )أردد أشعاراً كيفما تتسق مع الموقف كان هذا في شتاء 2000م
بعد كلّ هذه المعاناة مع دور النشر ما كان منِّى إلا أن أفكر في النشر على نفقتي الخاصة فحملت أشعاري وهمومي وعذاباتي وألقيت بها في مكتبة الآداب في القاهرة فكان ديواني الأول :(دماء على خيوط الفجر)عام (2000م) تقديم د/عماد الدين خليل ، ثم تلاه ديوان :(الركض إلى حدائق الأحبة ).عام( 2002)م من بين منشورات فرع ثقافة المنيا تقديم د/جمال التلاوى .
وكما عملت على نشر قصائدي في المجلات فقد شاركت بها في المسابقات وحصلت على جوائز من الثقافة الجماهيرية ،والشباب والرياضة ،ونادي القصيد ,وتم تكريمي في مؤتمر إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي عام 2002 م كما حصلت على جائزة أفضل ديوان شعر جائزة الشاعر السعودي عبد الله باشراحيل واستلمت الجائزة وسط احتفال كبير في جامعة المنيا حضره أدباء من مصر والوطن العربي .
وما هذه إلا خطوط عريضة من حياتي لم أدخل إلى التفاصيل فلم أذكر مثلا ً حجم الملاحقات الأمنية بسبب أفكاري وآرائي التي لا ينبغي لها إلا أن تكون حرة.. وجريئة ..ويكفي أن أقول لك أن ضباط أمن الدولة عاثوا فسادا ًفي مكتبتي الغالية علي وأخذوا أشعاري وكان ذلك أشد علي من الأربعين يوماًالتي قضيتها في سجونهم وذلك قبل الثورة المباركة التي غيرت كل شئ وجعلته جميلاً نعم إنّ في حياة كل إنسان تفاصيل كثيرة لاتتسع لها شهادة إبداعية
ولا يفوتني أن أذكر أنني كنت أجمع الأصدقاء في قصر ثقافة مطاى نتدارس الأدب والشعر أعطى كل ما عندي للأصدقاء وأصحاب المواهب الجديدة وكنت أفرح بأية نبتة من موهبة كنت أفتح قلبي وبيتي لها ..أذهب مساء لقصر ثقافة مطاي أجمع الأصدقاء نلقي الأشعار ونتطارح الأفكار ونتبادل الابتسامات ،بل وحقلي أيضا شاركني في صقل هذه المواهب فكم كان يأتيني الصديق الشاعر والناقد/ رأفت السنوسي فنجلس تحت أشجار الصفصاف أقوّم له أشعاره وأشجعه وكذلك الشاعر الصديق /خلف كمال, والقاص/ موسى نجيب, وغيره من مبدعي مركز مطاي نجلس ومازالت الفراشات التى كان يجري وراءها الطفل تحوّم حولنا والطيور تغرد وتلقى قصائدها الأجمل فوقنا .وكان لنا في قصر ثقافة مطاى و نادي أدب مطاى جهد ثري استطعنا أن نصدر مجموعات أدبية وبعض المطبوعات الطموحة وننفق عليها غالبا من جيوبنا الخاصة ومن اعتمادات ندواتنا كما أصدرنا مؤخرّا سلسلة (نوافذ أدبية ) والتي حمّلني أصدقائي الأدباء مسئولية رئيس تحريرها وهي ترحب بكل الأدباء.
وهاأنذا وأصدقاء المنيا مازلنا نغرد بالشعر والأدب ما غردت الأطيار مع د جمال التلاوى و محمد عبد القوى وعصام السنوسي ومختار عبد الفتاح وأشرف عتريس وياسر الباشا ود شعيب خلف ود شعبان عبد الحكيم و أدباء مطاي أيضاً ,, ....وغيرهم نلتقي دائما في المنيا بروح الفريق يؤلف بيننا الحب والإيثار والتعاون وعطاء د جمال التلاوى الكبير وتفاهمه وسعة صدره للأدب والأدباء.وكذلك نعقد المؤتمرات في الثقافة واتحاد الكتاب ونطرح موضوعات ونناقش جوانب من الإشكاليات الثقافية ومستقبل الأدب في ظل المتغيرات العصرية وديناميكيتها السريعة وعلاقة الأدب بها وما مستقبل الأدب في ظلها ؟؟ وهنا تطرح أسئلة كبيرة تحتاج إلى أبحاث مستقلة نتمنى أن تجيب عليها أبحاث المؤتمر أو نفرد لها بحثا خاصاً.
عود إلى مهد الشاعرية الأول . ورغم انتقالي إلى مدينة مطاى أنا والأسرة المكونة من أربعة أولاد وابنة : أحمد ليسانس آداب وأسامة ليسانس آداب وتربية وأروى كلية تربية ومحمد الفاتح وإسلام كلاهما الصف الثاني الثانوي وزوجتي الكريمة التى تعمل في التربية والتعليم والتي وفّرت لي مناخاً إبداعياً مناسباً . ورغم هذا الانتقال إلا أنني مازلت أذهب إلى مهد الشاعرية الأول حيث الطيور المغردة والفراشات الزاهية والقرية الوديعة لألتقى إخوتي وأحبابي ولأقبّل يد التي حنت علىّ منذ أن وضعتني في 5/6/1959 م حتى الآن أعطاها الله الصحة والعافية وكذلك ألتقي أطفال الأمس أصحاب الطفولة البريئة الذين علا الشيب رءوسهم .
ومازال الحقل ينتظرني بين الحين والآخر فأبتسم له فتضحك لي أشجار الصفصاف والكافور وبعض شجيرات التين التي تنتشر على جنباته تتمايل أغصانها محيية ومرحبة بى .
محمد فؤاد محمد
عضو اتحاد كتاب مصر -عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
أميل :m_fouad_59@yahoo.com
رئيس نادي أدب مركز مطاي
رئيس تحرير سلسلة نوافذ أدبية
رئيس لجنة شعر الفصحى بفرع اتحاد كتاب المنيا