للصباح وجه آخر
صباح الخير و المحبة الخارقة.. صباح المطر المتهاطل علينا كالثرثرة.. صباح الكلمات المتقاطعة التي نحلّها في فراغ مُذهل، أو في زاوية الضجر اليوميّ.. صباح كلّ شيء يذكّرنا بك حلماً لا يتّسع لغير التمنّي و التجلّي..
شبابيكك المشرّعة للشمس تُغازلنا بحرارة الشّوق إذ يجرّنا إليك، منساقين إلى أعوام الفجيعة التي خرّبت حقولنا المُحاطة بالتساؤل و التتالي..
لم نكن أشدّ حزنا منك.. لكنك علّمتنا أبجديات اللّغة التي لا تقول غير الحقيقة و لا تدّعي بغير الحق ..
تعلّمنا أن الجلوس على رصيف الفجيعة ليس سيئا للغاية، و أن القتلى الذين تكدّست بهم ذاكرتك كانوا منّا، و كنّا مثلهم نرحل بصمت لا يَبكيهِ أحد..
فليقل خطيبُك كلمته الأخيرة و يمضي بعيدا، حيث تنام الفكرة المطاردة، و تموت العصافير ضجرا من قدرها المحتوم !!
ليذهب بعيدا كي نرى وجهنا في المرآة جيّدا..
و كي نُخاطب أنفسنا بصيغة الحاضر بدل الغائب، و كي نمارس طقوس الصلاة كما نبتغيها دونما وصاية من أحد..
لترحل الآن دون وداعنا.. فقد جفّت الكلمات من البكاء، و المناديلُ ضجرت من المسافة، و من أصوات القطارات المسافرة في الغياب.. و ليرسمك الكون بعدئذ شاهداً على ما اقترفته فينا من خطايا و من ذنوب..
آه يا سيد الخطابة و الرّنانة.. يا سيد المنابر و المقابر..
كم كنّا نؤمن بالبلاد المغزولة بالشوق.. المعجونة بقلب الأمهات، و خوفهن الزائد..
كم مشينا في دروب المآسي طواعية كي نكسب الذكرى و كي لا نموت عبثا في شارع لا يعرف اسمنا و لا يعترف بهويتنا..
يا لعنة لم نصّدق حدّتها..
هــــــا نحن نلتقي.. في ضغينة الأبدية..
نخفي أيدينا كي لا نتصافح، و نخبئ الكلمات للحرب القادمة. للأعياد التي لن نتعانق فيها.. و للمناسبات العامة المحمّلة بمشاكلنا المزمنة، و الجرح الفريد الذي يعرف شكلنا..
هل سنمضي للنهاية الجاهزة لأجلنا؟
سيبصق الغرباء على قبورنا يا صاحبي، ليمضوا إلى دور الخرافة و الحضارة و الحقارة..
لن يبكي علينا أحد لأن الدموع تُقاس بالدّولار الأمريكي ، و لأن الفقراء يموتون كالهباء في مسيرتهم المقدسة نحو النهاية و العبث..
لا !
لست أمريكياً كي يُقال فيك شعراً و نثراً جميلاً ..
لست أمريكياً كي تنثر العواصم الغربية ( و العربية ) زهورها عليك في صلاة الغائب، و ليس دمي متوّجاً بالغزوات القديمة، وأزمنة القرصنة والاحتلال، كي يُوقف العالم برامجه نعياً في ّ/أو فيك..لسنا سوى صورة البؤس على هذه الأرض..و لهذا علينا أن نحيا و نحيا.. علينا أن ننجو لأجل كلّ الدّروب التي تحفظ ملامحنا، أحزاننا و خطانا.. لأجل المياه المسدلة من شلالات ذكرياتنا..
لنا يشهد الكون أناّ بدأنا رحلتنا الطويلة من أول الميل..من ضجيج أقدامنا الحافية...
و خشخشة مفاتيحنا في أبواب التاريخ..لنا هديل الحمام في أفق الجهات .. و زقزقة العصافير الموغلة في اليقين... لنـــــــــــــــــا الله... و لهم تاريخ الاغتصاب..
yasmina_salah@yahoo.fr