قصة قصيرة
{فراشات تطاردها ألسنة اللهب}
يخطو أولى خطواته بعد أن فض حاجز الرؤى محدثًا ثقبًا ضيقًا فى جدارِ الرحمِ الأبيضِ الصغيرِ الفسيحْ .
يحاول رفع ريشاته الخضر عن جنباته ؛ وهى تكاد تكون ملتصقة من أثر بقايا مخاض طور حياته الأولى.
يبدو وهو أعلى الربوة كزهرةٍ بريةٍ تتراقصُ على وقع أنسامٍ عذبهْ ، يتمايل يمينًا ويسارًا من أثر قبلات أرسلتها الشمس الطفلة عبر الأثير بعد أن صافح وجه النهر القابع أسفل الربوة .
تعلو وجهه ابتسامة يحدوها التفاؤل ، ينظر إليها كأنما يريد أن تأذن له باقتحام عالمه الجديد .
يتهادى من فوق بساط الربوة الأخضر ... يبدو وهو يمتطى صهوة وجه النهر الصامت كبقعةِ ضوءٍ تَشعُ بألوانِ الطيفْ .
من حوله راحت تتقافزُ أسماك النهر ... تصدر من فِيها أصواتًا .. عبثًا حاول أن يحلَ رموز رسالتها .. راحت تتكاتف .. تتلاحم .. لتغير مجرى السيرِ إلى جدولٍ شقَ حقولُ الذهب الأصفرِ القابعْ فى أسر سنابله .. يسمع أنات حبيباته!!
يأخذه مجراه الصغير حيث حقول الورد الأبيض قد تطاولت عليه أنياب الشوك .. تتسلل .. تنخر أوراقه .. تحجب عنه ضياء الشمس ..
يتعجب .. يتنهد .. يدور حول نفسه .. يلف الأفق من حوله بنظرة شمولية فلا يجد غير البوم والخفافيش والغربان و قد تناثرت فوق الأغصان بعد أن فرت عنها طيور الحب .
يخرج من دهشته ليجد نفسه مرةً أخرى فوق صفحة وجه النهر ، وما هى إلا لحظات وينزلق متهاويًا عبر شلال هادر . تقذف به الأمواج إلى الشاطئ . يرتطم بأحد الحجارة المتناثرة على حافته . يُغشى عليه قليلاً .. يفيق على صوت سحابة ترعد وتزمجر دون أن تذرف قطرة ماء ، وكأنما تطالب أن ترتد إليها مياه النهر .
ينظر من حوله يجده جالسًا على كرسيه .. الأُسْدُ تحرسه .. والديباج ملبسه .. وجوارح الطير من فوقه تظلله .. حاشيته إبليس والنفس والدنيا والهوى .. والجرذان فى كل مكان من حوله تفتك بالضعفاء .. وبقايا إنسانْ راكعٍ تحت قدميه يرجوه أن يترك له بعض شرايينه!!
بعدها يسمع صوت منادٍ يعلن .. أن نفق الإنسان!!
يذرف قطرة دمع من عينيه الضيقتين .. ينظر إليها يجدها ما زالت فى السماء .. يتسلق آخر جدائلها .. يلقى بنفسه داخل القرص الأرجوانى .
ســـــعد يحيــى