لم يكن مدرجا في خطة بحثي أن يكون هناك باب مستقل يتناول موضوع البحث من الناحية الشرعية ، ذلك لأنني فضلا عن قناعاتي بعدم إقحام النصوص الشرعية الثابتة في الظواهر العلمية النظرية المتغيرة ؛ فلست بالعالم الشرعي الذي يوظف المباحث العلمية توظيفا سليما يخدم النص الشرعي ، أو يستدل بالنص على سلامة العلم ... ولكن هالني هذا الطابور الطويل من المفكرين المسلمين الحائزين على درجات علمية مميزة ، الملمين إلماما لا بأس به بالعلوم الشرعية ، أولئك الذين يسرفون في الأخذ من النص الشرعي ليستدلوا به على سلامة الكثير من الاكتشافات العلمية التي تقع في دائرة علمهم والتي لا تقع !
ولا يزال الأمر في نمو وتكاثر ، حتى تكونت الهيئات والجمعيات التي تغذي هذا الاتجاه وتقويه ، وبرغم أنني فقط من المتحفظين – لا الممانعين- للسير في هذا الاتجاه ؛ إلا أنني أجدني مضطرا لأن أبرز بعض جوانب الخلل الذي أصابنا من وراء السعي المطلق في هذه الدروب ، وسوف نتناول ذلك – إن شاء الله - من زاوية ما يتصل اتصالا وثيقا بهذا البحث ، فهذا كل ما يهمني الآن.
ولما كان الدكتور زغلول النجار من ألمع وأبرز الشخصيات التي تسعى سعيا حثيثا في تأكيد الاكتشافات الفلكية تأكيدا قرآنيا ؛ إضافة إلى كونه من الشخصيات القليلة التي تتمتع بالقبول العام من معظم المسلمين المهتمين ؛ كان لزاما علينا أن نتتبع ما قيل في باب الإعجاز العلمي الكوني على خلفية أقوال الدكتور النجار باعتباره أحد أهم دعائم التفسير العلمي الإشاري ، وأن غالب ما يقوله في هذا الباب لا ينكره غيره ممن يتوجه وجهته و ينتحي ناحيته..
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
مناقشة أراء د/ زغلول النجار
د/زغلول النجار:
هو أحد أعلام هذا العصر تعلم وعلم في أوربا ، وتخصص في علوم الجيولوجيا ، وهو عالم بمفردات وأدوات علوم وتكنولوجيا العصر ، وهو دارس ومتفقه في علوم الدين الإسلامي، وهو أهل ثقة عندي ، وعند عامة المسلمين الذين يعرفونه 00 ولكن لا يمنع كل ذلك من الاختلاف معه في حدود الاجتهاد البشري .وسوف أقوم هنا بمناقشة بعض المفاهيم مع فضيلة الدكتور ، على خلفية آرائه ، على الفضائيات ومن خلال محاضراته ، وكتبه .
وقد اقتبست هذا الحوار التالي للدكتور النجار من شبكة الانترنت ، بتصرف يسير، وآثرت البدء في هذه الناحية من البحث بكلام الدكتور النجار لمكانته العلمية عندي ، وأنه من القلائل الملمين بطرفي الخيط العلمي والشرعي ، ومن ناحية أخرى حتى أقطع على القارئ انشغاله طوال قراءته لهذه الأفكار وهذا البحث ، بسؤال قد يطرأ على ذهنه أو يلح عليه وهو، ما قول العلماء من أمثال الدكتور النجار في هذا النقاش ؟ وأيضا لأن الدكتور النجار سيكون خير من يستوعب هذا النقاش وأقدر من يرد عليه ، إن شاء الله .
وحوارنا يتركز حول مسألتين أساسيتين :
الأولي: دوران الأرض حول نفسها.
الثانية: نظرية الانفجار العظيم
دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس
وأن هذه الحركة هي المسئولة عن ظاهرة الليل والنهار، وليس دوران الشمس حول الأرض
يقول الدكتور النجار:
في الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها , تنـزل القرآن الكريم بالتأكيد على حركتها وعلى حركة باقي أجرام السماء , ولكن لما كانت تلك الحركات خفية على الإنسان بصفة عامة , جاءت الإشارات القرآنية إليها لطيفة , رقيقة , غير مباشرة , حتى لا تصدم أهل الجزيرة العربية وقت تنـزل القرآن فيرفضوه ؛ لأنهم لم يكونوا أهل معرفة علمية , أو اهتمام بتحصيلها ، فلو أن الإشارات القرآنية العديدة إلى حركات الأرض جاءت صريحة صادعة بالحقيقة الكونية في زمن ساد فيه الاعتقاد بسكون الأرض وثباتها واستقرارها ؛ لكذب أهل الجزيرة العربية القرآن ، والرسول, والوحي , ولحيل بينهم وبين الهداية الربانية , ولحرمت الإنسانية من نور الرسالة الخاتمة , في وقت كانت قد حرمت فيه من أنوار الرسالات السماوية السابقة كلها فشقيت وأشقت!!!
من هنا فإن جميع الإشارات القرآنية إلى حقائق الكون التي كانت غائبة عن علم الناس كافة في عصر تنـزل الوحي السماوي ومنها الإشارات المتعددة إلى حركات الأرض وإلى كرويتها , جاءت بأسلوب غير مباشر , ولكن بما أنها بيان من الله الخالق ، فقد صيغت صياغة محكمة بالغة الدقة في التعبير , والشمول , والإحاطة في الدلالة حتى تظل مهيمنة على المعرفة الإنسانية ، مهما اتسعت دوائرها , لكي تبقى شاهدة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وعلى أن خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد -- كان موصولا بالوحي , ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض , وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى .
ومن تلك الإشارات القرآنية ما يتحدث عن جرى الأرض في مدارها حول الشمس ، ومنها ما يتحدث عن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس , وقد استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلى تلك الحركات الأرضية بالوصف الدقيق لسبح كل من الليل والنهار , واختلافهما وتقلبهما وإغشاء كل منهما للآخر , وإيلاج كل منهما في الآخر , وسلخ النهار من الليل , ومرور الجبال مر السحاب كما يتضح من الآيات القرآنية التالية:
أولا : سبح كل من الليل والنهار :
يقول ربنا تبارك وتعالي في وصف حركات كل من الأرض والشمس والقمر:
(1) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء:33)
(2) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ َيسْبَحُونَ (يس:40)
فالليل والنهار ظرفا زمان ، لابد لهما من مكان , والمكان الذي يظهران فيه هو الأرض , ولولا كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس لما ظهر ليل ولا نهار , ولا تبادل كل منهما نصفى سطح الأرض , والدليل على ذلك أن الآيات في هذا المعنى تأتى دوما في صيغة الجمع كل في فلك يسبحون , ولو كان سبح كل من الشمس والقمر فحسب ، لجاء التعبير بالتثنية يسبحان, كما أن السبح لا يكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها , والسبح في اللغة ، هو الانتقال السريع للجسم بحركة ذاتية فيه ، من مثل حركات كل من الأرض والشمس والقمر ، في جرى كل منها في مداره المحدد له , فسبح كل من الليل والنهار في هاتين الآيتين الكريمتين ، إشارة ضمنية رقيقة إلى جرى الأرض في مدارها حول الشمس , وإلى تكورها ودورانها حول محورها أمام الشمس .
ثانيا : مرور الجبال مر السحاب :
وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أنه خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (النمل : 88)
ومرور الجبال مر السحاب هو كناية واضحة على دوران الأرض حول محورها , وعلى جريها حول ومع الشمس ؛ لأن الغلاف الهوائي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض بواسطة الجاذبية وحركته منضبطة مع حركة الأرض , وكذلك حركة السحاب فيه , فإذا مرت الجبال مر السحاب كان في ذلك إشارة ضمنية ، إلى حركات الأرض المختلفة التي تمر كما يمر السحاب .
ثالثا: إغشاء كل من الليل والنهار بالآخر:
يقول الحق ( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
...يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إن فِي ذَلِكَ لَآيات لِقَوْمٍ يتفكرون ( الرعد:3)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إذا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إذا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَاهَا (4)... ( الشمس ).
وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إذا تَجَلَّى (2) (الليل).
وغشي في اللغة تأتي بمعني غطي وستر, يقال غشيه غشاوة وغشاء بمعني أتاه إتيان ما قد غطاه وستره ؛ لأن الغشاوة ما يغطي به الشيء.
والمقصود من يغشي الليل النهار ، أن الله تعالي يغطي بظلمة الليل مكان النهار على الأرض فيصير ليلا, ويغطي مكان الليل على الأرض بنور النهار فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة لحقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس دورة كاملــة كـل يوم ( أي في كل أربع وعشرين ساعة) بتعاقب فيها الليل والنهار بصورة تدريجية. أي يحل أحدهما محل الآخر في الزمان والمكان ، مما يجعل زمن كل منهما يتعاقب بسرعة على الأرض.
والليل والنهار يشار بهما في مواضع كثيرة من القرآن الكـــريم إلى الزمـان والمكان( أي الأرض) وإلى أسباب تبادلهما( أي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس), كما يشار بهما إلى الظلمة والنور, وإلى العديد من لوازمهما!! ويتضح ذلك من قول الحق تبارك وتعالي: ( وَالنَّهَارِ إذا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَاهَا (4) ... أي يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم) بالنهار إذا أظهر الشمس واضحة غير محجوبة, وبالليل إذ يغيب فيه ضياء الشمس ويحتجب, وقول عز من قائل : وَاللَّيْلِ إذا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إذا تَجَلَّى (2) حيث يقسم ربنا تبارك وتعالي بالليل الذي يحجب فيه ضوء الشمس ، فيعم الأرض الظلام, وبالنهار إذ تشرق فيه الشمس فيعم الأرض النور, ومن هنا كانت منة الله تعالي على عباده أن جعل لهم الليل لباسا وسكنا, وجعل لهم النهار معاشا وحركة ونشاطا ، حيث يقول ربنا تبارك وتعالي:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إن فِي ذَلِكَ لَآيات لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (يونس:67)
ويقول: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) ( النبأ:11,10).
ويقولعز من قائل:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إن جَعَلَ اللَّهُ عليكم اللَّيْلَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إن جَعَلَ اللَّهُ عليكم النَّهَارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) ( القصص:71 ـ73).
رابعا: إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
(1) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ... ( آل عمران:27).
(2) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
(الحج:61 .)
(3) أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( لقمان:29).
(4) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (فاطر:13).
(5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (الحديد:6).
والولوج لغة ، هو الدخول , ولما كان من غير المعقول دخول زمن على زمن اتضح أن المقصود بكل من الليل والنهار ليس الزمن ، ولكن المكان الذي يتغشاه كل من الليل والنهار, وهو الأرض ، وعلى ذلك فمعنى قوله تعالى: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أن الله تعالي يدخل الجزء من الأرض الذي يخيم عليه الليل بالتدريج في مكان الجزء الذي يعمه نور النهار, ويدخل الجزء من الأرض الذي يعمه نور النهار في مكان الجزء الذي يخيم عليه الليل ، وذلك باستمرار, وبطريقة متدرجة, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وليس هنالك من إشارة أدق من ذلك في التأكيد على حقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, وهذه الإشارة القرآنية تلمح أيضا إلى كروية الأرض ؛ لأنه لو لم تكن الأرض كروية الشكل, ولو لم تكن الكرة تدور حول محورها أمام الشمس ، ما أمكن لليل والنهار أن يتعاقبا بطريقة تدريجية ومضطردة .
تعقيب:
إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل له تفسير علمي واضح ومحدد كما يلي:
إذا تتبعنا طول الليل والنهار على خط واحد من خطوط الطول على سطح الكرة الأرضية فسوف نجد الآتي:
في وقت الانقلاب الصيفي على المنطقة القطبية الشمالية سنجد أن طول اليوم 24 ساعة كلها نهار دائم ، ثم يبدأ الليل في الولوج في النهار باستحواذه على جزء من هذه الأربع والعشرين ساعة كلما اتجهنا ناحية الجنوب ، حتى إذا ما تخطينا خط الاستواء وجدنا أن الليل قد دخل في جزء كبير من الفترة التي كانت نهارا وأصبح الليل أطول من النهار .. ثم يزداد معدل طول الليل باطراد كلما مضينا في هذا الاتجاه جنوبا ، وهكذا... حتى إذا ما اقتربنا من القطب الجنوبي وجدنا أن النهار قد بدأ في التلاشي، حتى يتلاشى تماما فوق القطب الجنوبي بحيث يصبح اليوم (24 ساعة) كله ليلا.. وهذا معنى جلي وواضح لإيلاج النهار في الليل والليل في النهار في وقت واحد على خط واحد من سطح الكرة الأرضية.
أي أن اليوم 24 ساعة تنقسم بين الليل والنهار بالتدريج ، تبدأ من ليل = صفر ونهار = 24 ساعة ، ثم بالاتجاه جنوبا يطول الليل ويقصر النهار تدريجيا حتى يتساوي عند خط عرض معين علي حسب الوقت من السنة ، ثم بعد ذلك يطول الليل ويقصر النهار ليكون الليل أطول حتى يصل إلى 24 ساعة ويكون النهار = صفر .
هذا الوضع يمكنك رصده يوميا ولكن علي سطح الكرة كاملة من الشمال إلى الجنوب . أما علي النقطة الواحدة من سطح الكرة فانه يحدث في نصف عام وتحدث الظاهرة كاملة إذا كانت نقطة الرصد علي أحد القطبين . أما إذا كانت نقطة الرصد أقرب إلى خط الاستواء فإنها تحدث نسبيا أي بفارق طول الليل والنهار علي مدار الفصول علي القاهرة مثلا .
هذا بالإضافة إلى ما يحدث على خط العرض الواحد على مدار الشهر من تناقص الشهر القمري بمقدار يوم عن الشهر الشمسي ، وتتوزع مدة هذا اليوم الناقص من الشهر القمري على أيام الشهرالشمسى بمقدار فترة زمنية ( زيادة ) قدرها 47.14دقيقة يوميا، وعلى هذا فإننا نلاحظ في منتصف الشهر القمري طلوع القمر من ناحية المشرق واقعا بذلك في نصف الكرة التي يتغشاها النهار ، وتزيد هذه الظاهرة بمعدل يومي ثابت في صورة تأخر شروق القمر يوميا ، حتى تكون بداية شروقه إلى ما قبل الفجر مباشرة في نهاية الشهر. وبهذا يكون قد مر يوم من الشهر القمري بالنقصان عن الشهر الشمسي، وهذا يشير إلى أن إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل يتم بصورتين دائمتين إحداهما يومية على خطوط الطول، والأخرى شهرية على خطوط العرض.
خامسا: سلخ النهار من الليل:
يقول ربنا تبارك وتعالي:
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذا هُمْ مُظْلِمُونَ ( يس:37) , والسلخ لغة هو نزع جلد الحيوان عن لحمه, ولما كان من غير المعقول أن يسلخ زمن النهار من زمن الليل, كان المقصود بكل من الليل والنهار هنا ، هو مكان كل منهما على الأرض , الذي يتبادل فيه النور والظلام, وليس زمانه, وعلى ذلك فمعنى قوله تعالي: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون . أن الله تعالى ينزع طبقة النهار من أماكن الأرض ، التي يتغشاها الليل ، كما ينزع جلد الحيوان عن لحمه, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس , وفي تشبيه إزالة نور النهار من غلاف الأرض بنزع جلد الحيوان عن لحمه ، تأكيد على أن نور النهار إنما ينشأ في طبقة رقيقة من الغلاف الغازي للأرض ، تحيط بكوكبنا ( كما يحيط جلد الحيوان بجسده), وأن هذا النور مكتسب أصلا من ضوء الشمس وليس ذاتيا , وأنه ينعكس من سطح الأرض ، ويتشتت في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بها, والذي يصبح ظلاما ببعده عن أشعة الشمس, كما أن الظلام سائد في الفضاء الكوني بصفة عامة ، لعدم وجود جسيمات كافية فيه لإحداث التشتت لضوء الشمس ولضوء غيرها من النجوم , وهذا الضوء لا يظهر إلا بالانعكاس على أسطح الكواكب وأسطح غيرها من الأجرام المعتمة ، أو بالتشتت في أغلفتها الجوية، إن كانت بها جسيمات كافية للقيام بهذا التشتت.
سادسا: اختلاف الليل والنهار:
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي:
(1) إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرض لَآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة:164).
(2) إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيات لِأُولِي الْأَلْبَابِ
( آل عمران:190).
(3) إن ّفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض لَآيات لِقَوْم يَتَّقُونَ (يونس:6).
(4) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (المؤمنون:80).
(5) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( الجاثية:5) .
(6) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أن يَذَّكَّرَ أو أَرَادَ شُكُورًا ( الفرقان:62).
وفي تلك الآيات يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض, ودورانها حول محورها أمام الشمس بالوصف الدقيق لتعاقب الليل والنهار, كما سبق أن أكد ذلك في آيات سبح كل من الليل والنهار,, ومرور الجبال مر السحاب, والتكوير والإغشاء, والولوج, والسلخ, وهي تصف حركة تولد الليل من النهار, والنهار من الليل, وصفا غاية في البلاغة والدقة العلمية.
سابعا: تقليب الليل والنهار:
دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كذلك يشير القرآن الكريم إلى ذلك أيضا بقول الحق( تبارك وتعالي):
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ( النور:44)
والرد على ذلك : .......