((حظر تجول))
لم يكن حظر التجوال في مساء ذلك اليوم هو الذي يشغل باله بقدر ما كان تصميمه على الوصول إلى أهل الميّت لمواساتهم في يومهم المشؤوم ذلك .
غادر منزلهم وناقوس الخطر يقترب منه في كل لحظة ، فمجرد وجوده بسيارته القديمة تلك تثير الاف الأسئلة من سلطات الاحتلال وجنودهم .
ما إن وصل الى بداية التقاطع الذي يقوده الى منزله في غرب المدينة ... حتى وقع نظره على المجنزرات وهيي تتجه متقاطعة معه .!!
((فرصة))
كان مشغولا جدا بترتيب اوراقه لإعداد مجموعته الأولى ... أسرع الخُطى للوصول إلى كراج المدينة قبل بداية ساعات حظر التجول الليلي المفروض منذ ثلاثة أشهر ... أنخلع إطار سيارته فوقف ليصلحه لتنتهي بذلك فرصته التي لن تتكرر إلا في عهد نظام جديد آخر .
((وطن))
كان الوطن يعيش بقلبه ، يتنفسه مع كل نسمة هواء تدخل جوفه ... أحس بانقباض شديد يعتصر قلبه بداية الأسبوع الثالث لبدء الغزو .
اخذوه الى المستشفى بدأت الذبحة الصدرية تزحف في شرايينه ، والألم يعتصره ، سألهم : هل توقفت الحرب ؟
أجابوه بانقباض شديد يعتصر وجوههم : نعم سقطت بغداد !!
أدرك حينها أن شريانه الأبهر قد توقف تماما .
((يوم السقوط))
وقف عند ناصية الشارع المقابل للمصرف المركزي ، وقد آلمه مشهد الناس وهم يلجون للسلب والنهب ، لكنه بدا مصعوقا عندما بادره أحدهم قائلا : لماذا لا تدخل وتأخذ نصيبك ؟؟؟
حينها فقط أدرك أنه خسر المعركة فعلا !
فرح
كان فرحا جدا عندما أخبره الطبيب : أنه سيغادر المشفى بعد يومين .
لكنه غادر مرغما ظهر ذلك اليوم عندما سرق احدهم سريره يوم سقوط المدينة .
((شاعرٌ مشهور))
أراد أن يثبت لنفسه أنه لا يق شأنا من الشعراء الكبار الذين طالما تشدق بأسمائهم أمامه المحرر الثقافي للصحيفة التي يرتادها منذ عام ولم تنشر له أي نص . استلّ ورقتين من حافظته الجلدية وكتب قصيدته على الأولى وعلى الثانية قصيدة الشاعر المشهور . أبدل اسمي الشاعرين في كلتا الورقتين ، ثم نهض من المقهى باتجاه مبنى الجريدة ليجد المحرر قابعا في مكانه كعادته وقد اكتظت غرفته بالزوار .
بادره : أستاذ حصلت على نسخة من قصائد قديمة للشاعر رامبو وقد أحببت أن تكون أول من يطلع عليها .
فناوله القصيدته التي كتب عليها اسم الشاعر المشهور . تناولها المحرر بلهفة وبدأ تنظيراته المسهبة في تبيان روعة هذه القصيدة وجمالياتها ، والحضور مندهش لعمق تحليله ووصفه الدقيق للشاعر وانثيالاته في هذه الرائعة .
قاطعه : أستاذ هذه قصيدتي الجديدة إن أمكن نشرها ؟؟
وناوله قصيدة رامبو التي كتب عليها اسمه .
فثارت ثائرة المحرر : بأن مجرد قراءة هذه القصيدة هي إفساد لذوقه الادبي الراقي . وبدأت الأشارات لمثالب القصيدة وركاكتها . إستأذن بالخروج ممتعضا وعلق قائلا وهو يفتح حافظته الجلدية : أستاذي الكريم يبدو أنني أخطأت في وضع اسمي على قصيدة رامبو واسمه على قصيدتي في غفلة مني أثناء نقلي إياها من هذه المجلة وبامكانك التأكد من ذلك أيها الناقد الكبير .
((مزحةٌ سمجة ٌ))
لم تكن مزحة سمجة تلك التي أراد النيل منه بها صديقه ، بقدر ما كانت حقيقة ما جرى في ذلك الشارع … عندما استقرت الرصاصة في صدره
((سينما))
وقفت تتأمل لوحة تعكس صورة مشهدٍ سينمائي يطرّز واجهة إحدى دور السينما ، دفعها الفضول لتستقرأ كنه هذا المشهد متمثلاً بقبضة اليد التي ملأت ثلث الصورة وهي تتجه بمستوى نظرها لرجلٍ لم يتجاوز حجمه نصف حجم يده الممتدة ، ضحكت وهي تغادر المكان لأنها أدركت حينها سبب فشل السينما العربية .
((في دائرة الحدث))
تناثرت على قارعة الطريق بقايا حطام تلك السيارة المفخخة في ذلك الصباح الملبّد برائحة البارود ، لم يكن وصوله متأخرا كعادته ، فلا زالت بقاياه المتناهية الصغر .. متناثرة بين الأشجار القريبة من منطقة الحدث .
((موت))
الموت كلمةٌ لم تكن غائبةً عن قاموس ذكرياته فقد دفن أبويه منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد حاول جاهدا أن يتناسى هذه الكلمة وفي أيامه القليلة الماضية كان الموت حاضرا بجميع إشكاله في مختلف تفاصيل أيامه ولياليه ولا يزال . وهو يدرك تماماً أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تتربع فوق عرش مستقبله ولا يستطيع تجاوزها لحد الآن.
((ضبابية ))
غادر السيارة التي اضطر للنزول منها قبيل وصوله البيت بمسافة ليست بالقصيرة... ما إن وطئت رجلاه حافة الرصيف .. حتى اقتربت منه الطائرة المقاتلة بكل تفاصيلها، وصوتها الذي اخرس جميع حواسه.. تشبث ببقايا شجاعته ليستند إلى اقرب جدار، ونبضات قلبه المتعب تتسارع حتى تجاوزت أل 120 ضربة في الدقيقة.. أفرغت الطائرة حمولتها على المنطقة المحاذية للشارع الذي يقف فيه .... أطلق للريح ساقيه باتجاه بيته وهو يعلم تماما أن المشهد الذي أمامه لا يقل ضبابية عن ما ترك وراءه