اخراج الطعام لا خلاف عليه عند الجميع ، وهو الذي فرضه النبي صلى الله عليه وسلم وعمله الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين
الخلاف وقع في جواز اخراج النقد بدل العين ..
والاجتهاد حاصل من الطرفين بوجود النص ، لكنهما اجتهادان لفهم النص وادراك مقاصده ، وليس لنقضه ومخالفته ..
والمجيزون يرون ان النقد اليوم هو أليق بالفقير وأصلح لحاله ، لأن صدقة الفطر وان كان فيها جانب تعبدي ففيها جانب معقول أيضاً ، وهو اغناء الفقير في يوم العيد ، لكيلا تظهر الفوارق بين ابناء الاسلام في هذا اليوم .
وهل يكتفي فقير اليوم بالطعام فقط وهو يرى ابناء الجيران بملابسهم الجديدة وألعابهم المتنوعة ويأكلون مما طالب لهم من الحلوى ، وهو لا يجد شيئاً لإسكات نظرات اولاده المتعطشة ؟
واذا قال قائل يمكن للفقير ان يأخذ الطعام ثم يبيعه ، ويأمن لأهله وأولاده ما يحتاجون .
أقول أليس في هذا عبء على الفقير ، وربما صرف من المال لأجرة السيارة لإيصال الطعام الى المشتري ، وقد يستغل المشتري هذا الفقير فيشتري منه بثمن بخس ، والنتيجة واحدة وهي ان الفقير يريد مالاً ..
يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه ( كيف نتعامل مع السنة النبوية ) :
( فقد سمعتُ، ثُمَّ رأيتُ بنفسي أن الرَّجل يأتي عندهم إلى السوق في آخر رمضان، فيشتري القمح والشعير والتمر بمقدار ما عليه من زكاة الفطر، ويأخذه إلى الفقراء القاعدين في زاوية من السوق فيعطيهم إياه، وقد يكونون محترفين، وما إن يذهب حتى يقوم هؤلاء إلى البائع نفسه فيبيعونه ما أخذوا بثمن أدنى ممّا باع به الرجل الذي اشتراه من عنده؛ لأن الفقير الذي أخذ الأرزاق ليس محتاجًا إليها، بل هو محتاج إلى النقود، فتعود النتيجة عليه بالخسارة، ولو دفع المزكِّي قيمتها مباشرة إليه لحصل على نقود أكثر ) .
وقد روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم أن معاذاً قال لأهل اليمن: ( ايتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) .
قال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى :
( قلت: في هذا الكلام إشعار بأن الأثر المذكور عن معاذ صحيح وليس كذلك فإنما علقه البخاري هكذا: "قال طاوس: قال معاذ ..." وهذا منقطع بين طاوس ومعاذ قال الحافظ في شرحه:
"هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال: "ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده" لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد فلا؟ إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده".
ثم لو صح هذا الأثر لم يدل على قول أبي حنيفة أنه لا فرق بين القيمة والعين بل يدل لقول من يجوز إخراج القيمة مراعاة لمصلحة الفقراء والتيسير على الأغنياء وهو اختيار ابن تيمية قال في "الاختيارات": ( ثم ساق كلام شيخ الاسلام ابن تيمية المذكور سابقاً ) ) .
قال ابن حجر في ( فتح الباري ) :
( قال بن رشيد وافق البخاري في هذه المسألة ـ أي الأخذ بالقيمة ـ الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل ) .
وخلاصة ما وصلت اليه ان المسألة مما تحتمل الاجتهاد ، فلا تكون مدعاة لرمي من أجاز النقد بأنه خالف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه اجتهد في مورد النص ، فيكون بذلك اجتهاده باطلاً ، وإنما الامر هو محاولة لفقه الحديث وفهم المراد منه واكتشاف مقاصده ..
أخي الكريم عبدالرحيم
أشكر لك حضورك وتعليقاتك المفيدة
جزاك ربي الجنة
تحياتي ..