ذرنــي أضمــك
علـى العتبـــات يحتـرق الضيـاء
وشــوق الروح يســـحقه الفنـاء
وآهـــات كمـا الآمــواج صرعى
مع الشــهقات يحبسهــا الـحيـاء
لهــــا وجــه تعفَّـــر من دمـــائي
وخطــو في شــوارعـه الدمــــاء
على أهــدابهــا تركــت عيـــوني
ســواد الكحـل فــاصطبغ المساء
وفي رمل الضفـاف تركت لـوني
فغـــاب اللون واعتقــل الرجـــاء
ومــا تعبت خطـاهـــا في دروبي
وفـي قــــدميّ يحتفـــل الشـــقاء
تقـــاطر خلفهــــا قلبــي المُعنّـى
كطفــل بـــات يلجمـــه البكـــــاء
بخطـو مســرع ولهــاث صــــدر
وحشـــرجـة يلملمهــــا الشــقاء
مشــيت ميمما شــطر اشــتهائي
فضلـت خطـوتي وهوى ارتقــاء
الـى أرض تنــــام علـى جـــراح
ويســكن في مواســمها العــزاء
فكــم يـــا شـــام يقطفنــا جحــود
وكـــم بغـــــداد يخذلهــا انتمـــاء
وكـم يــا قـدس بتنـا دون وجـــه
يُميِّــزنـــا , وقــد فُقِــد الحيــــاء
وكــم كنــــا الســـنابل مثقــــلات
فـضيعهـــــا نكـــوص وارتخـــاء
فكنـــا الـــزارعين يبــاب فجــــر
وكنا الحـــاصدين كمـــا نشـــاء
دموعـــا وانتظـــارا واحتضـــارا
وموتـــا كلمـــا ابتســم الضيـــاء
فكـــم يــا ليــل يســـحقنا ظـــلام
تمطــى واســتراح بــه العــــداء
وكـم يـــا بــدر تطلبـك الأمـــاني
فيقتلهـــــا التـــوجُّس والريــاء
وأمســت عتمــة الوجـع المقفـى
تقهقــــه كلمـــا انتهـك الســـناء
وتهــــزأ مـن مســاءات وفجـــر
وزنبقـــــة يرتبهـــــــا اللقــــــاء
ولكـــن الحنيــــن يشُـــــدُّ أزرا
الــى وطـن تــعانقـــه الســـــماء
الــى وطـــن يعــــاقره جفـــــــاء
وأمــــال يمـــزقهــــا الإخـــــــاء
تـلوِّثــــه أكــٌّــفٌّ مـــا تســــامت
ومــا فتئــت يـحركهـــا الغبــــاء
إلــى وطـن ينـــام علــى شـــقاء
ويضحــك في مفاصله الشــــقاءِ
إلـى وطـن يفـوق الكون حســـنا
برائحـــــة تعتقهـــــا الظبــــــاء
ففيـــه التيــن والزيتـــون كانـــا
بحضـن الأرض يغرسـها الوفـاء
بـــه الليمـــون نـــــايات تغنـــي
أنـاشـــيدا يرددهــــــا الفضـــاء
شــهودا أنَّ هـذي الأرض منّــــا
ففيهـــا جذرنـــا ولــه البقــــــاء
وعطر العبهر(1) الممزوج فجـــرا
مــع الطيـّـون يمـــلؤه الــــرُّواء
وذا كنعـــان منــــذ الخلــق منها
نخيــــلا لا يفــــارقــــه اللــــواء
وقــــد كــانت بدايتنــــا ترابــــا
جبلنـــا منـه فـــاختُرعَ الفـــــداء
ومنـــا الروح نغرســـها نخيـــلا
علـى أرض يمـازجهـــا الإبــــاء
إذا مــــاتت نمــوت بهــا وقوفــا
لغيــــر الله مـــا كـــان انحنــــاء
فـــذرني إذ بكيـــت علـى تــراب
أُبللــــه ففـي الحــــزن ارتقـــــاء
وذرني أقطــف الغيــــم احتفــالا
وانثــــره إذا افتُقِـــــد الغطـــــاء
على أرض كنـور الفجــر طهــرا
بهــا الأرواح والأقصـى ســـواء
وذرنــي أيهـــا الوطـن المفـــدى
أضمُّــك .. كـــم يفتتني الجفـــاء
(1).. العبهر |شجيرة تنبت في ريف فلسطين لها رائحة
مميزة وثمارها كروية صلبة كانوا يصنعون منها المسابح