ترب رابو
كان صراخها فى بادئ الأمر، من أعماقها الثائرة، احتجاجا ورفضا لما قررته أمها، بعد أن لفظت الفتاة خطيبها الأخير ابن شيخ البلدة. لم تجد من يشفق عليها. أمرالفكى بحر الدار مُريديه بوضع الأغلال حول قدميها ويديها حتي لاتهرب. وحبسها في الحجرة المظلمة، لمدة ثلاث أيام بلياليها، ووصف لها وجبة واحدة من خبز دقيق الذرة المنقوع في الماء، مرة واحدة فى اليوم لتجويع الجان، حتي يسهل خروجه من جسدها. طفرت الدموع من عينيي أمها وهي تسأل:
ــ ياسيدنا الفكى بحر الدار لماذا تصرخ ابنتي هكذا؟
كان الفكى بحر الدار متزمتا متجهم الوجه دائما، تبدو عليه إمارة الصرامة والقسوة، أجابها دون أن ينظر إليها: إن هذا الصراخ ليس منها أنه الجان يرفض تركها.فقد تزوجها..
هكذا اقتنعت الأم وتركتها ومضت.
عندما أقبل الليل الحالك السواد كان المريدون قد أشعلوا نار الحطب، وتحلقوا حولها يتدارسون ويثرثرون..وهناك حيث تقبع الفتاة فى حجرة الخُلوة، يتسلل الفكى بحر الدار ملتحفا سواد الليل البهيم . يصدر همهمات مبهمات يصحبها صفيرٌ خافت، جعل الفتاة تصرخ وهي مقيدة. أحكم إغلاق الحجرة والنوافذ، أوقد فانوسه، واقترب منها وحل وثاقها. فقفزت فى اتجاهه تروم الأمان. فوقع الصيد فى المصيدة. فما كان منه إلا أن إحتواها و جردها من ملابسها وهى تقاوم مستبسلة وتدفعه بعيدا عنها، اوشكت أن تخسر معركة الشرف فى ليلتها الأولى، صار يأتيها كلما حل الظلام متسللا يطفئ شهوته فى جسدها الغض وينصرف.
كان المريدون فى المسيد يهابونه ، وقد لاحظوا شروده، وعزلته، لايرونه إلا نادرا فى أوقات الصلاة. أشار لهم محذرا من دخول حجرة الفتاة. أزدرد ريقه وتصبب عرقا أوشك أن يفضحه ثم تمتم قائلا:إن شيطانها عنيفا..لايريد الخضوع.
كان الفكى قد هام بها عشقا كشباب البلدة من قبل.هى آية من الجمال، فى وجهها ملامح البراءة. ولكنها عصية المنال. أشيع فى البلدة إنها ممسوسة لرفضها الزواج.
يأتيها الفكى بحر الدار كل ليلة عاشقا متذللا تتنازعة جذوة الرغبة المشتعلة. فيفقد وقاره أمام حسنها، ولّد ذلك بداخلها شر مستطير. فسألته:لماذا.. تعتلينى أيها..
ــ هذا لست أنا.. إنه شيطانك..هو الذى يعتليك كل ليلة..
انقضت الثلاث ليالى. واصبحت الفتاة عنيدة، مستميتة فى مقاومته، ولكنه يهزمها بقوته وشهوته العارمة، يقضى وطره غاصبا غير سعيد، هى الوحيدة التي عشقها، كل النسوة خضعن له. لماذا ترفضه!؟و تشتمه وتبصق على وجهه. وترمقه بنظرات تشع غيظا وحقدا، هذه النظرات لاتزعجه، ولايهتز لغضبها، هو فى غيبوبة النشوة ضعيفاً أمامها.
توجس الفكى بحر الدار خيفة، فقد لمس فيها شجاعة أوشكت أن تفضحه. هذا كل مايخشاه أن تنفجر وتذيع سره الأذلي، ضعفه فى حضرة الأنثى وهو سيد المسيد الورع المهاب.
جاءت الأم لزيارتها. أمرالمريدين بجلب الفتاة من حجرة الخلوة مقيدة، وألقوا بها على الأرض..رفع يده عاليا ممسكا بسوط مصنوع من جلد حيوان، وهوى به على جسدها النحيل وصاح مزمجرا:
ـــــــ أخرج...أخرج..أيها الجن.
ــ تَرَب رابو.. ترب رابو..
ـ لاتدرى من أين تخرج؟.. من أصبع قدمها..أخرج.
ـ ترب رابو... ترب رابو...
ـ لا..لاتخرج من عنقها ..سيكون خروجك عنيفا..ستكسره لا.. ستقتلها.. أخرج وإلا أحرقتك..
ـ ترب رابو....<معناه بلفظ الجن هذا الرجل كذابٌ>
الحضور واجمون خائفون أن يخرج الجان ويتلبسهم ، وروائح بخور نتن تعبق فى المكان فرقعة السوط مصحوبا بصوت صراخها، الذي بدأ يخفت حتي تلاشى، تكوّر جسدها كطفل فى ظلمات الرحم ..عندها توقف، و رمى بسوطه على الأرض.. ثم قال بصوت كفحيح الثعبان : ـ ـ الآن قد خرج الجان.. لقد خرج الجان من عنقها ..خذيها معك.
ارتعدت فرائص الأم لدى رؤيتها لابنتها وقد تسمرت عينيها، وفغرت فاها ترقد بلا حراك.
نسوة البلدة قدمن لزيارة الفتاة. يثرثرن حول بركات الفكى بحر الدار وكيف أنجبت سعدية وأم حقين وكلتوم... بعد أن يئسن من الإنجاب، وأم الفتاة تستمع لهن في قلق بالغ.. طلبن رؤية الفتاة بعد خروج الجان منها، ولكن الفتاة كانت قد خرجت روحها من جسدها المنتهك ،ولا عزاء.