قالت لي أم العيال : لا أظنك تريد مقابلة صاحبك بهذا المنظر ، وكأنك المثال الحي لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:" رب أشعث أغبر...".
ترددت قليلا ، ولكنني لم أطل التفكير ، فوقفت على مشارف حفر الباطن ، ودخلت دون تردد مكتب البريد ، واتصلت به .
كان على الطرف الآخر الحبيب الدكتور جمال مرسي الذي اشتقت له ، فبيني وبينه بضع كيلومترات تفصلني عن معانقته، والتمتع بحديثه العذب.
أرشدني إلى العنوان .
ودعته، وانطلقت بسيارتي إلى مكان عمله، وكان اللقاء الذي لا يمكنني وصف حرارته . لم أفاجأ به فهو على الصورة التي رسمتها له في مخيلتي، ولكن الشيء الذي لم أحسن تقديره تلك الابتسامة التي تمتد على جدران الروح.. غريب ذلك الصدق الذي أثار في نفسي تلك المشاعر..
لم يطل حديثنا كثيرا في مكان عمله، ولم يستجب لإلحاحي بمتابعة السير إلى الكويت، فقد أصر على الذهاب إلى بيته، أخبرته أن منظري وحالتي التي أنا عليها لا تسمح بالزيارات، ولكنه أبى إلا الذهاب إلى البيت، وكان له ما أراد ..وعند وصولنا تجاذبنا أطراف الحديث بالواحة وهمومها ورسالتها، وكنت أراه أحرص الناس عليها، وعلى رسالتها التي آمن بها إيمانه بقلمه ،وبعد أن تناولنا طعام الغداء اتصل بأحبة لنا من أعضاء الواحة ممن نكن لهم كل تقدير، وكانت المفاجأة حضور الأخ الحبيب إسماعيل المشهور في واحتنا ( بالدعيكي) ، والأخ الحبيب الغنام المشهور ( بلا أحد) ، وكانت جلسة من أجمل الجلسات في رحاب بيت فضل، وبين أحبة رحبوا بي حيث أخذت الروح زمام الحديث ..فالحبيب أبو محمد شاعر وأديب تقطر من لسانه آيات من البيان ، ولن أنسى كلماته العذبة ، وترحيبه الذي أغرقني به لفرط مشاعره وإحساسه الجميل.. أما الغنام الحبيب والمشهور في واحتنا( بلا أحد) ؛ فهو شاب مبدع يختزل رغم صغر سنه خبرة الكبار، ويحسن تفسير البدايات المنتهية، ويحسن تخبئة الأحلام عن معطيات الحياة في وسائد من رمزية محببة؛ فهو يحب الرمزية في الأدب، وأخذ الحديث عن الرمزية حيزا غير قليل من تلك الجلسة..
وقمنا بالاتصال بالأخ الحبيب سلطان آل سبهان ، وكانت مفاجأة جديدة بأنه كان في الكويت وقتها،ثم كان الاتصال الثاني بالحبيب بندر الصاعدي الذي كان بانتظارنا على الطرف الثاني بعد أن أيقظناه من نومه، ولكنه كان كما عهدناه ودودا نقيا ، وأجمل ما قال إنه يحسدنا على مجلسنا ، وأنه يود لو كان بيننا..
أما نصيب الواحة فكان كبيرا ؛ فالواحة فتحت أبوابا كثيرة على الحكايا، ووقع حفيف أرواح أعضائها يتهادى ليتقدم نحونا ، حتى كدنا نمد أيدينا لمعانقة الكثيرين ممن ضمتهم أحاديثنا..
وقبل الإذن من الدكتور جمال بالرحيل ؛ كان طلب الأخ أبي محمد إليه أن يسمعنا قصيدة من قصائده بإلقائه، وكان ما أراد ..
فلله دره من شاعر يحسن تطويع اللغة على لسان يقطر شهدا.. حينها شعرت أنه يتعامل مع قصيدته وكأنها أنثاه الوحيدة، وقد جعلني أهيم في كلماتها لأكتشف النجوم التي لا يمكن رؤيتها إلا عندما يطفئ الناس أرواحهم ..
فسلام عليك يا أبا رامي
أيها السابح في النور حد كسر العيون.
وسلام عليك أيها الإنسان الفاضل الكريم
وسلام على أحبيتي الذي التقيتهم ، أو سمعت صوتهم.
وسلام على الواحة التي كانت تشتكي ، و(تفضفض) وتتحدث على ألسنتنا...
وأخيرا أتساءل: هل يمكن لمثل هذا اللقاء أن يتحقق على ساحةالواقع يوما بيننا جميعا، كما يتحقق على صفحات الواحة؟؟
أدعو الله أن يتحقق ذلك..