حَبيبي لا تَكُن أقْسى
عَلى نَفْسي
منَ الأهْوَالِ والمِحنِ،
حَبيبي لا تَكُن أَعْتى
منَ الجلاّد في وطَني.
فَمِنْ بيْروتَ من بغْدادَ من تطْوانَ
منْ يافا ومِن حَيْفَا إلى عَدنِ،
شُموس الأرضِ والوَطنِ
تُطارِدُني،
وتَرْفضُني
وتَلْفُظُني.
حَبيبي لا تَكنْ أَقْسى..
حَبيبي كيْف تذْبَحُني
حَبيبي دَعْ يدًا أُخْرى
سوَى كفّيكَ تَطْعَنُني
وتَقْتلني،
لألاّ يَسْخَر العُشّاقُ منْ نَعْشي ومنْ كَفَني.
أَنا المَطْعون، منْ رُوحي
إلى بَدَني،
ومنْ مَهْدي
إلى كَفَني،
أنا المَوْصومُ بالعِشقِ
وبالوَطنِ.
حَبيبي لا تَكنْ أَقْسى
منَ الجلاّد في وطَني،
حَبيبي نائمًا كُنتَ،
وكانَ الموَج يُغْرقُني
وكانَ البحْر يَسْبقني
إلى عيْنيْكَ يسْبقُني
ويَسْرقني
منَ الأَحْلامِ والسّفنِ.
فلاَ بَيْروت تَعْرفني
ولاَ بَغْداد تَفْهمُني،
ولاَ تطْوان تَحْضُنني
أَنا المَوْصُوم بالعِشْقِ
وبالوَطَنِ؛
أَنا المَنْفِيُّ منْ مدنٍ
إلى مدنٍ
إلى مدنِ..
أنا المَوْسُومُ بالفَوْضى وبالفِتَنِ،
رَمَتْني صَفْعَة الجلاّد للْبَحْر، وللسّفنِ
فعُدْت إليكَ يا أغْلى عَلى نفْسي
منَ الجَنّات في عدنِ؛
وقلْتُ هُناكَ لي ربٌّ
يُبَارِكُني،
وبيْتٌ سَوْف أَسْكنهُ
فيُدْفِئُني..
وحِبٌّ سوْف يَحْضُنُني،
فَما أقْساكَ يا وطَني
وَما أَقْسى
حبيبًا إذْ أُعانقهُ
فَيَجْلِدني
ويَصْفَعني!
حَبيبي لاَ تَكُنْ أَقْسى
منَ الحرّاس في وَطَني،
حَبيبي لاهيًا كنْتَ
ووَقْع خُطاك أَرْعَبني
شَربْتَ (البارَ) والمَقْهى
رقَصْتَ بحلْبة المَلْهى
ولمْ تَكْلَلْ ولَمْ تَئِنِ؛
وكانَ اللّيل مجْليَّا
وكانَ الحبّ منْفيَّا
حَبيبي لمْ تَنَمْ أَنتَ،
حَبيبي لمْ تُفِقْ أَنتَ،
ولمْ تهْمِسْ إلى أُذُني
بِما يَنْفي
مَدى شَكّي
وما يُشْفي
لَظى شَجَني،
وبعْتَ السّرّ، بعْتَ الأَرْض للْجَلّاد وللهَجَنِ،
بلاَ ثَمنٍ
بلاَ ثَمنٍ
بلاَ ثَمنِ.
حَبيبي لا تَكُن أَقْسى
منَ الأوْبَاشِ في وَطَني،
حَبيبي ظالِمٌ أنتَ،
حَبيبي كيْف تخْدَعني
حَبيبي كَيْف تنْكُرني،
ألمْ تَشْهدْ
بأنّ الخَيْل تَعْرفُني
وأَنّ اللّيْل يعْرفني،
وأنّ البيدَ تَعْرفني،
وتَنْساني
مَتى شاءَتْ
وتَنْكرُني..
حَبيبي كَيْف تَدْفَعني
إلى الإلْحاد وَالوثَنِ،
ألَمْ تشْهدْ
بأنّ النّفْط في قلْبي
وفي سِرّي
وفي عَلَني،
وأنّ الخُبْزَ منْفيٌّ
ومَصْلوبٌ
عَلى الأَمْواج والسّفنِ.
ألمْ تشْهدْ
ألمْ تشْهد
بأَنّ الأَرْض تَذْكُرني،
وتَنْكُرني
وتَتْرُكني
معَ الأَحْزان والمِحَنِ،
بعيدًا عنْ ثَرى وَطَني
بلاَ حُضْنٍ
بلا نَعْشٍ
بلا كَفَنِ.
حَبيبي
دَعْ لِحبّكَ فُرْصةً أُخْرى
ليَصْرَعني
ويَقْهَرني،
دعِ الإحْساس يغْمُرني
دعِ الأَشْواق تجْرِفُني
معَ الأطْمَارِ والدَّرَنِ،
كمَا الإعْصار يَجْرفُني
إلى بيْروتَ
إلى بغْدادَ
إلى عدَنِ.
حَبيبي
دعْ يَديْكَ مَعي
تُطاوِعُني
وتَتْبعني،
لأسْحَبها من الظّلمات والفِتَنِ،
إلى الأفْراح والأَعْراس أجْذُبُها
فتَجْذِبني
وتُنْقِذني
منَ الأَمْواج والسّفنِ،
وأتْبَعُها
فتَتْبَعني
لنَفْتحَ في صُخور الأَرْض أَنْفاقاً
تُطِلّ على رُبى وطَني.
حَبيبي لا تَكُنْ أَقْسى
منَ الأَوْغاد في وَطَني،
فإنْ قرّرْت أنْ تَمْضي
إلى زَمَنٍ
سِوى زَمَني،
وأنْ تَحْيى
بَعيدًا عَنْ حُدود دَمي
فأنْقذْني..
رَجَوْتُكَ مِنْكَ أنْقِذني،
وعلّمْني
ووَجّهْني،
لأُنْهي لُعْبة الأَشْواق والشّجَنِ،
وأُفْني ما سيَرْبِطُني
مَعَ الدّنْيا منَ الآلامِ والمِحَنِ
بلا خَوْفٍ..
بلا أَلمٍ..
بلا حزَنِ..
حَبيبي لا تَكُنْ أَقْسى
منَ الحُكّام في وَطَني
حَبيبي ماكِرٌ أنْتَ،
حَبيبي مارِقٌ أنْتَ،
فَهلْ تَأْتي
وتَتْبَعُني؟
لنَمْلأ ساحَة الميْدانْ
ونرْفَعَ رايَة الإنْسانْ
فَلَيْس هُناكَ بعْدَ الآنْ
حَبيبي
ليْسَ.. ليسَ هُناكَ بعْد الآنْ
سِوى فجْر يُبَدّد ظُلْمة الأحْزانْ
فلَوْ تَأْتي
وتَتْبَعُني
إلى المَيْدانْ
تَرى شَعْبي
يُدَشّنُ، بالدّم القاني،
بِدايَة الإعْلانْ
يُمزِّق هالَة الظّلمِ
ويَسْحَق قلْعَة الطّغْيانْ
ويَصْنعُ ثَوْرَة الإنْسانْ
بكُلّ مَكان..
بكُلّ مَكان..
بكُلّ مَكانْ..