مرحبا بأختي العزيزة الأديبة فاطمة عبد القادر ، والقهوة جاهزة دائما
وأرجو المعذرة منكم جميعا لانشغالي في الأيام الفائتة عن هذا اللقاء الرائع بكم .
كان الطب أختي الكريمة حلم أبوي الحبيبين لي وقد تشربت منذ صغري حب العلم عامة على اختلاف مواضيعه وتنوع مسالكه وشغفت كثيرا بالعلوم الطبيعية والفيزياء والطب وعلم الفلك وعلوم الأرض إضافة لولعي بالقراءة في الأدب والشعر والفنون ، وقد كنت في مراحل دراستي والحمد لله من المتفوقين ، وكان خيار دراسة الطب قراري الذي لم أتردد فيه ، وقد أحببت ولا زلت مهنتي رغم معاناة كثيرة أشارك فيها زملائي الأطباء في طريق لا ينتهي من القراءة والمتابعة والاطلاع . ولا يخفى عليك أختي ما في الطب وما يحتاجه من حكمة وبعد نظر وفي بلدي يسمى الطبيب حكيما ، تسمية موروثة من تراثنا ، كما أن الطبيب بحكم عمله واحتكاكه اللصيق بالناس واطلاعه منهم على أخفى خفاياهم فهو يمارس تجربة انسانية لا أبالغ إن قلت أنها من أكثر التجارب الإنسانية تنوعا وشمولا يتعرض فيها فكريا وعاطفيا لأشد المؤثرات وأبلغ الآثار ، هذا طبعا بشرط أن يكون مخلصا في مهنته منصفا لمرضاه لا يتخذ الطب وسيلة للكسب على حساب ضميره وآلام مرضاه . وإني أحمد الله تعالى وأعتقد أن الطب قد قدم لي من هذه التجربة الإنسانية الشيء الكثير سيما وقد عملت في أشد التخصصات خطورة مثل الجراحة العامة والعناية المركزة وطب الطوارئ ، رأيت فيها الناس - مرضى وذويهم - في أشد حالات الألم والخوف والحزن ، وأصدق ما يكون الإنسان عليه ، وأرجى ما يقف أمام غيره ، وأقرب ما يكون من ربه .
رأيت في أعينهم نظرات الاستغاثة ، وبريق الأمل ، ودموع الفرح ، وسمعت من حناجرهم أنات الوجع ، وصراخ الألم ، ومن شفاههم عبارات الغضب والتذمر ، وحمد الشكر والتسليم ، وعبارات الطمأنة والتهوين .
وضعت يدي على نبض معاصمهم وعلى جباههم المتعرقة وعلى أجسامهم الشاكية . فرحت لفرحهم وحزنت لحزنهم ، حاورتهم ، شرحت لهم ، تحملتهم ، نصحتهم ، وأحيانا غضبت منهم وخوفتهم وأنذرتهم .
باختصار اختي ، في الطب تعلمت الحياة ، ولا زلت أتعلم . ومع كل هذا فالطب وإن شغل أكثر وقتي لعقدين من الزمن إلا أنه لم يمنعني من متابعة قراءتي ومحاولاتي الإبداعية الأدبية .
أظنك قصدت بسؤالك الثاني عن المادة ، الأدب والشعر ، وأرى بإذن الله مستقبلا مشرقا ، والتقنيات الحديثة يمكن توظيفها لخدمة الثقافة والأدب ولا مبرر للخوف منها ، وأصدقك القول ، أنني لا أستطيع الآن إنهاء قصيدة وتنقيحها ما لم يكن الحاسوب أمامي وموصولا على النت ، فكثير من الكتب التي أرجع إليها مثل لسان العرب والقاموس المحيط وكتب النحو والصرف وغيرها من المراجع وأمهات الكتب موجودة عندي على الحاسوب . وأقول نعم لا زال الشعر والأدب عامة يحتفظ بقيمته ولن يفقدها إن شاء الله ما دام الإنسان وما دام القرآن وما دامت العربية ، وربما جذبت التقنيات الحديثة الشباب وأبعدتهم عن الكتاب ولكن كما ذكرت آنفا وكما قلت في أجوبتي لأسئلة الدكتور سمير العمري ، فعلينا التعامل بإيجابية مع هذه الحداثة واستغلالها وتوظيفها لخدمة ثقافتنا وحل مشاكل شبابنا المتعلقة بها .
والحمد لله رب العالمين