بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام وانتم بخير
مر جحا ذات يوم بشعب عربي، فوجد رهط من رجاله يهتف ضد حاكمه ( لن نأكل الفول بعد اليوم _ لن نأكل الفول بعد اليوم ) ولم يجد الحاكم إلا أن ينزل علي رغبة الشعب، فأصدر الحاكم قرارا يمنع استخدام الفول أو تناوله، وما هي إلا ساعات حتى تجمهر آخرون يهتفون ( أين الفول _ أين الفول ) وما كان من الحاكم إلا أن أصدر قرارا بتداول الفول كمادة أساسية في الوجبات اليومية... و ما إن سمع الممتعضين من الفول هذا القرار؛ إلا وطار عقلهم، وكأن الحياة قد توقفت عند الفول... معتقدين بأن الفول ما هو إلا بداية لخروج الحاكم عن الاستماع لآراء شعبة المتباينة وظل الأمر هكذا لفترة من الزمن...لأن هذا الطرف يعتقد أنه الصواب ويعتقد الطرف الآخر انه الصواب نفسه...
تدارك الحاكم بأنه قد توجب علية شئ ليفعله حتى يرضي العامة جميعا، وبالطبع كان لذلك أثره السلبي علي الاهتمام بالقضايا الأخرى نتيجة لتمسك الشعب بالفرعية دون التطرق لأساسيات هامة أخري ...لا يريدون أن يروها لأنها لا تخص طعامهم أو شرابهم...
لم يكن أمام الحاكم إلا خيار واحد: وهو أن يفاجئهم ويخرج عليهم فيهتف ( لن أحكم بينكم بعد اليوم ) بعد أن أيقن بأن كل فئة لن تتنازل عن مطلبها...
فأستغل جحا الأمر وأقترح علي العامة أن يبعثوه للحاكم فيتحدث عنهم، فوافقوا، وما إن دخل جحا قصر الحاكم، حتى نسي ما كان ذاهب لأجله فقد بهره ما به من تحف ومقتنيات... فبادره الحاكم بالسؤال، هل توصلتم لحل؟
قال جحا: كلا يا مولاي،
قال الحاكم: ولما أتيت،
قال جحا: لأعرض عليكم فكرة، إن أعجبتكم استضفتموني بقصركم،
قال الحاكم:إن أصبت فلك ما طلبت،
فأشار جحا علي الحاكم بأن يفعل هكذا: ( بأن ينزع قشرة الفول ويدغدغ حبة الفول، أو يصحنها، ويغير أسمه إلي عدس بلدي... ويصدر قرارا بمنع الفول من السوق) وعندما أكل محبي الفول (العدس البلدي) تأكدوا أنه فول لأنهم يعرفوه... أما الممتعضين من الفول عندما تذوقوه، شعروا بأنهم قد فازوا علي الفئة الأخرى، لأنهم لا يعرفوا طعم الفول... واستكانا الطرفين، وظن كل منهم بأنه فاز علي خصمه، وبدأ الحاكم يتنفس الصعداء،
وأنتظر الحاكم أن يرحل جحا من القصر... فقد ضاق به ذرعا من طول ضيافته، ولم يجد ما يجعل جحا ينفر من القصر،
فأتاه عامل البلاط فأشار عليه: أن يأمر كل من بالقصر أن يأكل العدس البلدي صباحا ومساء... فأحس جحا بالغدر؛ فتسلل لعامة الشعب يحرضهم علي العدس البلدي... فعاد الأمر كسابق العهد... هذا يريد، وهذا لا يريد... فتارة يقولون ( لن نأكل العدس البلدي بعد اليوم ) وتارة يقولون ( أين العدس البلدي )., فسأل بعض العالمين بالأمر، لما تفعل ذلك يا جحا؟
أما وقد استضافك الحاكم في بيته... فلما تخونه؟
قال جحا: وهل فررت من الفول بالأمس حتى أكله اليوم عدس!
فرد عليه الحاكم فقال: لو لم تبع أهلك بالفول بالأمس ما كان مقدارك يزيد عندي عن العدس
( صحيح اللي ما يعرف يقول عدس )
فقال جحا:
عجبت من رجل
إذا أراد الحكم أذل نفسه..... وإذا ناله أذل شعبه
فقال الحاكم
وأنا عجبت من قوم
إذا حكمتهم بغصبك أطاعوك،
وإذا رفعته عنهم نازعوك حكمك،
فإذا كذبتهم صدقوك،
وإذا صدقتهم كذبوك.
مع وافر احترامي للجميع .,
بقلم
عمرو العمدة