رد الأستاذ سليمان أبو ستة :
شيخنا الدكتور عمر خلوف في نقده أو نقضه لنظرية الدوائر الخليلية لا ينظر إليها نظرتنا إلى كونها لا تعدو مجرد أرفف وضعت فوق بعض البعض وفقا لاعتبارات هندسية بحتة لا تحمل في اختيارها أية افضلية تتعدى المساحة والمكان الملائمين ، كما لا تحمل في ترتيبها أي دلالات أخلاقية كما لا يعني هذا الترتيب وجود صلة جينية بين بحر وآخر تجمع بين متعوس وخايب الرجا .. هي كما قلنا ليست أكثر من أرفف أودعها الخليل بحوره المستعملة والمهملة فيها . وإذا كان ثمة من ميزة لهذه الأرفف فهي أن البحر الذي لن يجد له رفا منها يستوعبه، لا يعد بحرا خليليا (ولكن ربما كان بحرا سحاريا).
وأما بحر الدبيت الذي لا يمكن له أن يندرج في واحد من هذه الأرفف، ومعه كل البحور التي تمزج تفعيلة خليلية بأسباب ثقيلة قبلها أو بعدها، فهي من نظام عروضي آخرغير نظام الخليل، لا مكان فيه لفكرة الدوائر.
بدا لي في الأسطر التالية أن أترجم مبحثا صغيرا من كتاب The Theory of Classical Arabic Metrics للباحثة J. M. Maling أكثر ما أثار نظري فيه هو توارد الخواطر العجيب بين باتيسون والقرطاجني، ولا سيما وأن هذا الأخير هو من القلة الذين تندروا على دوائر الخليل:
لقد قبل العروضيون في البلاد الإسلامية عموما التحليل الوزني الخليلي بغير تردد ، ومن ناحية أخرى، مال العروضيون الغربيون إلى رفض ذلك التحليل لكونه معقدا ومرهقا وغير كاف عادة لصالح وصف وزني للشعر اليوناني واللاتيني الكلاسيكي الكمي . وحتى معظم الباحثين المعاصرين فإنهم قد فشلوا في إدراك الحافز وراء تحليل الدائرة، حيث يلاحظ باتيسون أنه "ليس من الصعب أن نعتقد أن نحويا عربيا كان يمكن له أن يرتب أفكاره في دائرة ، فقط لمجرد أنه ملحة صوفية mystical fun ، بغض النظر عن مدى بطلان تلك الدائرة". ويلاحظ فون جرونباوم أنه "على الرغم من عدم دقتها الواضحة كوصف للعروض العربي، وعلى الرغم من كثرة الانتقادات الموجهة لها خلال القرن التاسع الميلادي فإن نظرية الدوائر أضحت رسمية معتمدة". ومن ثم يمضي إلى القول بأننا : "عندما نحلل العروض العربي من وجهة نظرنا، أي بالبدء من عناصره الحقيقية وهي الحرف المتحرك نحو (بِ) والمتحرك فالساكن نحو (بَل)، فإن البساطة الأساسية لنظامه تغدو بينة لنا وواضحة" . وفي حين نتفق على أن مفهوم المقطع، وهو المفهوم الذي يبدو أن النحويين العرب لم يدركوه ، يعتبر أساسيا في أي وصف للشعر الكمي، فإن جرونباوم يفشل في إدراك أن استخدام المقطع لا يعد، بأي حال من الأحوال، متعارضا مع نظرية الدائرة. وعلاوة على ذلك ، فإن العروض العربي لا يمكن وصفه على نحو كاف فقط من حيث المقطع، وإنما يجب أن يشير إلى مستوى أكثر تجريدا. إنه بالضبط ذلك المستوى التجريدي للتمثيل الوزني الذي تنتوي نظرية الدائرة التعبير عنه [في صورة أسباب وأوتاد] . إن غايتنا من هذا الطرح هو أن نبين أن نظام الدوائر عند الخليل لا يعد فقط من قبيل التحليل البسيط والأنيق والثاقب النظر في الأوزان، ولكنه يقدم لنا الأساس الوحيد لوصف وزني كاف للشعر العربي