::
سأغمض عيني عنّي، أنا التي أحاصرني بالرقابة وأشهر في وجه حرفي كاتم صوت،
وأتظاهر بأنّ الصمت أبلغ! وبأنّ الحرف أضعف من أن يحمل المعنى الكبير ...
أنا التي بلغت هذا العمر ولم أكتب بعد قصّةً كاملة، ولم أكمل لوحةً واحدة،
ولم أتمّ تفنيد العِبَر في يومِ ميلادي في أيٍّ من الأعوام؛ لأبدأ من جديد بلا تجارب مكررة،
ولا أخطاء منسوخة طبق الأصل عن تلك التي مرّت في عامٍ سابق.
هذه هي أنا، مستقلةٌ بكامل أطرافي: حكومةٌ مستبدّة ومعارضةٌ منقسمةٌ على نفسها
لا تخلو من عناصر مدسوسة وأطراف خارجيّة!
صوتٌ يريد أن يرتفع فوق كل رقيب، ورقابةٌ تشنق الكلمات تحت مقصلة الخوف.
ولذا أكتب في كل مرة تجتاحني فيها رغبة صوتي العارمة قطعةً من لوحة،
واعدةً نفسي أني سأكمل في المرة القادمة بقية الأجزاء، لكني أخلف وعدي معي،
هكذا تبدو حكايتي مع الكلمات، قطعا كقطع "البازل" منثورةً بغير ترتيب ولا تشابك،
كي أستطيع أن أبوح في كل مرة بشيء دون أن أبوح بكل شيء!!
ها إنني أكتبني، مبعثرةً مجزّأةً تحت سوط الرقابة، رقابتي..
وحدي من أملك خارطة الأجزاء، وحدي من أعرف تفاصيل اللوحة،
وبقرار مني لا أجمعها ولا أضمّ أجزاءها لتكتمل!
فمتى أعفو عنّي فأسمح لي بقول ما أريد؟
أو إن ضننتُ عليّ بعفوٍ فلماذا لا أملك ما يكفي من الشجاعةِ
لأتمرّد على رقابتي فأصرخ بأعلى صوتي وأعلن ما أريد؟!
سأصارحني بأمر، لقد أخطأت حين أعلنت اسمي الصريح،
فقط حينما كنت مختبئة تحت اسم مستعار كنت أقول ما أريد دون أن أحذف أو أعدّل.
مرحى لكل الأسماء المستعارة في الوطن العربي،
مرحى للمنفى الذي يتباهى بتحريرنا من عقدة الصمت البليغ!
'
'
'