ردا على الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق
محمد سلامة جبر: تحاملك على التصوف جعلك تخفي أسماء العلماء الكبار الذين شهدوا لابن عربي بالإمامة والولاية
تم النشر في 2006/06/01 جريدة القبس العدد14499
كتب الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في صحيفة 'القبس' الجمعة 21/4/1427ه، الموافق 19/5/2006م، ردا على الاستاذ الدكتور محمد عبدالغفار الشريف بعنوان 'بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عربي'.
قلت: وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله غني عن التعريف والتزكية فهو مجدد المائة السابعة بحق، وقد كان إماما من أئمة الهدى وقائدا من قادة الجهاد بالسيف والكلمة وهو والشيخ محيي الدين بن عربي على طرفي نقيض، فابن تيمية يلقب ابن عربي ب 'الشيخ الأكفر' بينما يلقبه الإمام الشعراني وجماعة من العلماء ب 'الشيخ الأكبر'، وابن عبدالخالق وسائر اتباع ابن تيمية يكفرون ابن عربي، وربما اسرف بعضهم فكفر من لم يكفره، وارجو هنا ان ابين وجه الحق في المسألة لما لها من آثار خطيرة أشار اليها الشيخ عبدالرحمن في رده على فضيلة الدكتور الشريف، وسأكتفي بذكر القليل مما جاء في الرد لضرورة الايجاز، فقد جاء في مطلع كلمته قوله: 'لما كان تقديم ابن عربي وهي اكبر زنديق عرفه تاريخ الإسلام بل تاريخ الانسانية في كل عصورها على هذا النحو من رجل يحمل درجة في الشريعة ، ومن قبل دعا الناس الى التصوف المعتدل في زعمه وافتخر بأنه يدرس شرح الحكم العطائية لابن الرندي، ومعلوم ان مؤلف العطائية على خطى ابن عربي، من اجل ذلك كان لابد لمن حمله الله أمانة العلم ـ يعني نفسه وامثاله ـ ان يبينوا الحق للناس'.
فما هو الحق يا أخي؟ قال: 'ابن عربي جمع كل عقائد المشركين والوثنيين واليهود والنصارى والزنادقة، واستطاع هذا الخبيث ان يجمع هذا كله ويلبسه لباس الإسلام في ثعلبية ماكرة يعجز عنها شياطين الإنس والجن!'
وابن عربي عند الشيخ (المنصف!) ابن عبدالخالق اشد كفرا من ابي جهل وابي لهب وقوم نوح وعاد وثمود وفرعون، وهذا نص قوله فتأمل: 'لقد كان في تاريخ الإسلام كفار حاربوه كأبي جهل وأبي لهب وكفار الفرس وقوم نوح وعاد وثمود وفرعون، ولكن احدا من هؤلاء لم يكن كابن عربي قط ولم يبلغ شأوه ودرجته في الكفر والزندقة والمروق من الدين' هكذا..
الافتراء على ابن عربي
قال ابن عبدالخالق: 'وحدة الوجود اعظم عقيدة في الكفر، وهذه العقيدة التي لم تعرف الارض أكفر ولا أفجر منها والتي فصلها الخبيث في كتابه 'فصوص الحكم' قد نثرها وفرقها في موسوعته الكبيرة 'الفتوحات المكية'.
وقال هذا الافاك فيما قال: 'إن الله لا ينزه عن شيء لأن كل شيء هو عينه وذاته' * (الفصوص 86)
ثم ذكر اسماء جماعة من الأئمة الأعلام ممن يكفرون ابن عربي ونقل عنهم عبارات نسبوها اليه ان صح انه قالها او كتبها فانني لا اشك في كفره، غير ان ذلك كله مما دس عليه في كتبه او نسب اليه زورا وكذبا وهو منه بريء، وقد بادر جماعة من العلماء الاجلاء المجمع على امامتهم بتبرئة ابن عربي مما رمي به من عقائد زائغة وقد نص على ذلك الإمام الشعراني في كتابه اليواقييت والجواهر..
ثم قال ابن عبدالخالق 'وهذا الخبيث لا يكذب الرسل فقط بل يكذب ويكابر في المحسوس، فانه بما زعم في وحدة الموجود انه ليس إلا الله، مدعيا انه هو عين المخلوقات، وبذلك لا يكون هناك فارق بين الملك والشيطان والمؤمن والكافر.. ولا يخجل هذا الافاك من وصف الرب بكل صفات الذم تصريحا لا تلميحا، فهو يصف الجماع بأنه دليل هذه الوحدة'.
ثم ينقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بتكفير من لا يكفر ابن عربي وامثاله إذا تبينت له مقالاتهم قال : 'ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى'.
قلت: ولا يماري مسلم في صدق فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فمن شك في كفر من يقول بوحدة الوجود، ويزعم ان ليس في الوجود إلا الله، مدعيا انه هوعين المخلوقات، ولا يفرق بين الملك والشيطان والمؤمن والكافر، ويصف الرب بكل صفات الذم، ويصف الجماع بانه دليل هذه الوحدة، قائل هذه الاباطيل كافر باجماع المسلمين كافة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم لا نشك في ذلك.
فصوص الحكم
ولكن.. هل ثبت لديك يا بن عبدالخالق ان ابن عربي قال بواحدة من تلك المهلكات؟ يقيني ان التحامل الواضح، والجهل الفاضح والتعصب الجامح هو الذي دفع ابن عبدالخالق الى التصديق دون تحقيق، فمدار ما الصقه بابن عربي يتركز على اتهامه بالقول بوحدة الوجود وما يستلزمه ذلك من عقائد زائغة تخرج صاحبها من الملة وتوجب عليه الخلود في النار، ومستند اعداء ابن عربي في تكفيره ما جاء في كتاب 'فصوص الحكم' و'الفتوحات المكية' وكتاب الفصوص لا تصح نسبته اليه، وهو بريء منه ان شاء الله، لان اكثر ما جاء فيه يناقض ما صح عنه في الفتوحات المكية وقد برأه منه في زمننا الاستاذ المحقق محمود غراب في كتابه رسائل ابن عربي بتحقيق محمد شهاب الدين العربي، قال في ص 14 من كتابه 'وكتاب الفصوص لا تصح نسبته الى الشيخ اصلا، فانه لم يذكره في كتبه الثابتة، كما ان فيه اكثر من مائة نص يخالف ما جاء في الفتوحات المكية وكتب الشيخ الاخرى'.
اذا تبين ما تقدم فمما يسقط وصف العدالة والانصاف عن المكفرين لابن عربي اصرارهم على الصاق النصوص التي تشتمل على كفر صريح به ونسبتها اليه وينفون عنه ما قيل من دس مقالات الكفر والزندقة في كتاب الفتوحات وغيره ويجعلون تلك الاباطيل من قوله ومعتقده، ولو اريناهم ما في الفتوحات من تصريح صريح بمعتقد اهل الحق لقالوا: هذا معكوس والحق ان الحق في كتابه هو المدسوس والكفر ملموس محسوس!!
ومما يؤكد تجني ابن عبدالخالق على ابن عربي انه اخفى اسماء افاضل العلماء الذين يجلونه ويشهدون له بالامامة والولاية ولم تطاوعه نفسه في ذكر واحد منهم، فلماذا هذا العداء الفائق يا بن عبدالخالق؟!.
ومن اولئك الائمة الاعلام الذين برزوا للذب عن الشيخ محيي الدين الشيخ الامام عبدالوهاب الشعراني رحمه الله، وهو ممن يلقبه بالشيخ الاكبر وكتب في نصرته كتابا سماه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الاكابر' وقال في مقدمته ما نصه:
'اخبرني الشيخ ابو طاهر المزني ان جميع ما في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف ظاهر الشريعة مدسوس عليه' ثم قال الشعراني: 'فلهذا تتبعت المسائل التي اشاعها الحسدة عنه واجبت عنها لان كتبه المروية لنا عنه بالسند الصحيح ليس فيها ذلك'.
الدس على العلماء
قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه 'اليواقيت والجواهر' ص 7 ما نصه: دس الزنادقة تحت وسادة الامام احمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا ان اصحابه يعلمون منه صحة المعتقد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته، وكذلك دسوا على شيخ الاسلام مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس كتابا في الرد على ابي حنيفة وتكفيره ودفعوه الى ابي بكر الخياط، فارسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك فكتب اليه: 'ان كان الكتاب بكفك فاحرقه فانه افتراء من الاعداء وانا من اعظم المعتقدين في الامام ابي حنيفة وذكرت مناقبه في مجلد وكذلك دسوا على الامام الغزالي عدة مسائل في كتاب الاحياء، وظفر القاضي عياض بنسخة من تلك النسخ فامر باحراقها، وكذلك دسوا علي انا في كتابي المسمى بالبحر المورود جملة من العقائد الزائغة واشاعوا تلك العقائد في مصر ومكة نحو ثلاث سنوات وانا بريء منها وكان العلماء كتبوا عليه واجازوه، فما سكنت الفتنة حتى ارسلت اليهم النسخة التي عليها خطوطهم، اذا علمت ذلك فيحتمل ان الحسدة دسوا على الشيخ في كتبه كما دسوا في كتبي انا فانه امر قد شاهدته عن اهل عصري في حقي فالله يغفر لنا ولهم آمين'.
تبرئة ابن عربي مما نسب إليه زورا
قال ابن عبدالخالق: 'وحدة الوجود اعظم عقيدة في الكفر، وهذه العقيدة التي لم تعرف الارض اكفر ولا افجر منها والتي فصلها الخبيث في كتابه 'فصوص الحكم' قد نثرها وفرقها في موسوعته الكبيرة 'الفتوحات المكية' وقال هذا الافاك في الفصوص 86 'ان الله لا ينزه عن شيء لان كل شيء هو عينه وذاته'. وبمثل تلك السقطة الشنيعة وقع شيخنا شيخ الاسلام ابن تيمية، غفر الله له، وعذره رحمه انه تناول تلك العقائد الزائغة مما دس في كتب ابن عربي ونسبت اليه زورا وبهتانا، فرماه بها ابن تيمية وحكم بزندقته دون تحقيق ولا تدقيق، ويؤكد براءة ابن عربي ما جاء في بيان عقيدته النقية الصافية المتفق عليها عند اهل الحق وفيها تصريح صريح بتنزهه عنها وبراءته من القول بوحدة الوجود، ومما يؤكد ذلك، كذلك قوله في الفتوحات 3/41 'لا يصح ان يجتمع الحق والخلق في وجه أبدا'.
وقال: 'الرب رب والعبد عبد فلا تغالط ولا تخالط' 3/224
وقال: 'فالقديم الرب والحادث العبد' 4/438.
وقال: 'ما قال بالاتحاد إلا اهل الالحاد' 4/372.
واما عن الحلول فيقول: 'من قال بالحلول فهو معلول، وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه'. ومن افتراءات المفترين قولهم ان ابن عربي يقول بايمان فرعون، مع صريح قوله في الفتوحات 1/301 'وهؤلاء المجرمون اربع طوائف كلها في النار لا يخرجون منها وهم المتكبرون على الله تعالى كفرعون وامثاله'.
أقول: لم ينج امام من ائمة المسلمين من مقال قيل فيه، ذلك لأن المعصوم من الخطأ انما هو المعصوم صلى الله عليه وسلم، وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله، قال بقدم العالم بالنوع، وقال تلميذه ابن القيم بفناء النار بعد مدد متطاولة وقد ذكر ابن تيمية في رسالته القيمة 'رفع الملام عن الائمة الاعلام' امثلة كثيرة لاخطاء فاحشة وقع فيها جماعة من العلماء والتمس العذر لهم، اما معاداة الصوفية عامة دون تمييز، فذلك مما يشير الى انعدام القدرة على التمييز، فإن ابن تيمية وابن القيم ممن يثنون على عدد من ائمة التصوف.
ثناء الأئمة
ذكر الإمام الشعراني اسماء ستة عشر إماما من الذين اثنوا على ابن عربي ودفعوا عنه تهم الحاسدين والحاقدين، قال رحمه الله: 'وممن اثنى على الشيخ محيي الدين من العلماء ومدح مؤلفاته الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس فانه قال 'لم يبلغنا عن احد من القوم انه بلغ في علم الشريعة والحقيقة ما بلغ الشيخ محيي الدين، ولم يزل الناس منكبين على الاعتقاد في الشيخ وكتابة مؤلفاته في حياته وبعد وفاته الى ان اراد الله ما اراد من انتصاب شخص من اليمن اسمه جمال الدين بن الخياط فكتب مسائل وارسلها الى العلماء ببلاد الاسلام وقال هذه عقائد الشيخ محيي الدين وذكر فيها عقائد زائغة ومسائل خارقة لاجماع المسلمين، فكتب العلماء على ذلك بحسب السؤال وشنعوا على من يعتقد ذلك، والشيخ بمعزل عن ذلك'.
وكان الشيخ سراج الدين المخزومي يقول: 'اياكم والانكار على شيء من كلام الشيخ محيي الدين، فان لحوم الاولياء مسمومة وهلاك اديان مبغضهم معلومة'.
وممن اثنوا على الشيخ كذلك كمال الدين الزملكاني رحمه الله، وكان من اجل علماء الشام وكذلك الشيخ قطب الدين الحموي وقيل له لما رجع من الشام الى بلاده كيف وجدت الشيخ محيي الدين؟ فقال: 'وجدته في العلم والزهد والمعارف بحرا زاخرا لا ساحل له'، وممن اثنى عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخ علماء مصر، وكذلك الشيخ قطب الدين الشيرازي والشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ كمال الدين الكاشي، وقال الشيخ فخر الدين الرازي صاحب التفسير المعروف:
'كان الشيخ محيي الدين وليا عظيما' وسئل الامام محيي الدين النووي عن ابن عربي فقال 'تلك امة قد خلت، ولكن عندنا انه يحرم على كل عاقل ان يسيء الظن بأحد من اولياء الله عز وجل' وممن اثنى عليه ايضا الامام بن اسعد اليافعي وصرح بولايته العظمى والشيخ محمد المغربي شيخ الجلال السيوطي، وقال الفيروز ابادي: 'ما اشاعه بعض المنكرين عن الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وعن شيخنا سراج الدين البلقيني انهما امرا باحراق كتب الشيخ محيي الدين فكذب وزور، ولو انها احرقت لما بقي منها بمصر والشام نسخة ولا كان احدهم نسخها بعد كلام هذين الشيخين'، وقال الشيخ سراج الدين البلقيني: 'كذب والله وافترى من نسبه الى القول بالحلول والاتحاد' وممن اثنى على الشيخ محيي الدين شيخ الاسلام المخزومي وقال: 'من نقل عن الشيخ تقي الدين السبكي او عن الشيخ سراج الدين البلقيني انهما بقيا على انكارهما على الشيخ محيي الدين الى ان ماتا فهو مخطئ' ثم قال:
'ما نقله بعضهم عن الشيخ عز الدين بن عبدالسلام انه كان يقول: ابن عربي زنديق فكذب وزور وختم الامام الشعراني اقوال من اثنى على الشيخ من العلماء بقوله: وقد صنف شيخنا الجلال السيطوي كتابا في الرد عن الشيخ محيي الدين سماه 'تنبيه الغبي في تبرئة ابن عربي' وكتابا آخر سماه 'قمع المعارض في نصرة ابن الفارض'.