|
تَدَانَيْتِ... والدُّنيا قِلًى وَتَنَائِي |
وَكُنْتِ مَلاذَ الفَجْرِ فَجْرِ حِرَاءِ |
تَوَهَّجْتِ في الآفاقِ والْيَأسُ حَالِكٌ |
وَقَدْ فَنَتِ الآمَالُ كُلَّ فَنَاءِ |
وَلابَتُكِ الأيَّامُ تُشْعِلُ شَوقَهَا |
وَنَخْلُكِ مَرْفُوعٌ أَكُفَّ دُعَاءِ |
وَأُمُّ الْقُرَى مَافي قُرَاهَا أَمِينَةٌ |
عَلَى فَجْرِهَا الْمُغْضِي عَلَى الْعُدَوَاءِ |
تَجَلَّيْتِ لِلَّهْفَى الَّتي كَلَّ طَرْفُهَا |
وَأَذْهَبْتِ هَمَّ اللَّاهِفِ الْمُتَرَائِي |
وَقَدْ يَخْذُلُ الْمَلْهُوفَ أقْرَبُ أَهْلِهِ |
وَقْدْ تَنْصُرُ الْمَلْهُوفَ نَخْوَةُ نَائِي |
وَمَا أَنْتِ بِالْبُعْدَى وَقَلْبُكِ عِنْدَهَا |
يُقَلَّبُ فِي الرَّمْضَا مَعَ الضُّعَفَاءِ |
تَدَانَيْتِ بِالْمِيثَاقِ عَهْدًا مُبَشِّرًا |
بَأَنْ لَيْسَ بَعْدَ الْيومِ يَومُ شَقَاءِ |
فَكَانَ شَجًا في حَلْقِ إِبْلِيسَ مُذْ سَرَى |
يُحَرِّضُ مَنْ أَغْوَى عَلَى النُّقَبَاءِ |
شَرَيْتِ الْهُدَى والْمَجْدَ طُرًّا بِبَيْعَةٍ |
فَأكْرِمْ بِهَا مِنْ بَيْعَةٍ وَشِرَاءِ |
وَمَهَّدْتِ لِلْفَجْرِ الَّذِي لم يَجِدْ لَهُ |
فَضَاءً لِكَيْ يَنْدَاحَ رُحْبَ فَضَاءِ |
تَهَيَّأْتِ لِلْمِيعَادِ فَانْسَابَ خَاشِعًا |
تُشيِّعُهُ في الْغَيْبِ عَيْنُ قَضَاءِ |
وَكَانَتْ حُصُونُ الظُّلْمِ يَحْرُسُها الدُّجَى |
فَيَفْتُكُ جُنْحُ الَّليْلِ بِابْنِ ذُكَاءِ |
وَكَانَتْ بِمَنْ ضَلَّ الْحَياةُ مَريضَةً |
وَلَمْ يُرْدِ كالإضْلالِ شَرُّ وَبَاءِ |
فَطَافَتْ عَلَى حُمّى الحيَاةِ انْبِثَاقةٌ |
لِفَجْرِكِ تَشْفِيهَا منَ الْبُرَحَاءِ |
تُهَدِّمُ أسْوَارَ الدُّجَى في طَريقِهَا |
وتذْرُو حُصُونَ الظُّلمِ ذَرْوَ هَبَاءِ |
فَيَجْري عَلَى وَجْهِ الحيَاةِ بَريقُهَا |
كَبُرْءٍ جَرَى في مُسْتَحِيلِ شِفَاءِ |
تَلألأتِ يَا أحْلَى الْمَدَائنِ دُرَّةً |
وَأشْرَقْتِ بِالإيمَانِ ذَاتَ رُوَاءِ |
فَمِنْ سُبُحَاتِ الغيبِ يَمْتَدُّ سَاطِعًا |
على حُجُرَاتٍ فِيكِ فَيْضُ بَـهَاءِ |
أَضَأْتِ الدُّنَا من وَحْيِهَا وَرَوَيْتِهَا |
ولم تَرْتويْ مِنْ غَيْرِهَا وَتُضَائِي |
وَمِنْ سُفَرَاءِ الله تَكْسُوكِ هَالَةٌ |
وَطُهْرٌ فَيَا بُشْرَاكِ بِالسُّفَرَاءِ |
مَلائِكَةٌ بِالْوَحْيِ تَهْوِي وتَرْتَقي |
مَلائِكَةٌ لِلْخُلْدِ بِالشُّهَدَاءِ |
وَأُخْرَى أَقَامَتْ حَوْلَ مَغْنَاكِ جُنَّةً |
فَقَرِّي لَقَدْ وُقِّيتِ خَيرَ وِقَاءِ |
وَمَا الشَّمْسُ والْبَدرُ اللَّذَانِ توهَّجَا |
وما كُلُّ نجمٍ في الظَّلامِ مُضَاءِ؟! |
وَلِلْبَدْرِ مِنْ أحْلَى ثَنَايَاكِ مَطْلَعٌ |
بهِ غَنَّتِ الدُّنْيا أَلَذَّ غِنَاءِ |
ولِلشَّمْسِ في رَوْضَاتِكِ الخُضْرِ مَضْجَعٌ |
إلى قَدْرِهِ لمْ يَسْمُ بُرْجُ سَمَاءِ |
فَيَا بُؤْرةَ النُّورِ الَّتِي شَدَّ وَهْجُهَا |
إِلَيْهَا مِنَ الأرْوَاحِ كلَّ رَجاءِ |
أَتَيْنَاكِ لانُخْفِي تَبَاريحَ غُرْبَةٍ |
فَلا تَسْألي عَنْ حَاجَةِ الْغُرَبَاءِ |
بِنَا حَاجَةُ الأشْجَارِ للشَّمْسِ لم تَجِدْ |
لَهَا مِنْ غِذَاءِ الضَّوءِ دِفْءَ غِذَاءِ |
وَحَاجَتُهَا لِلْمَاءِ جَفَّتْ جُذُورُهَا |
مُجَرَّدَةً مِنْ خُضْرَةٍ وَلِحَاءِ |
كَسَاهَا التُّقَى مِن سُنْدُسٍ ثُمَّ أذْنَبَتْ |
فَسَرْبَلَهَا مِنْ حِنْدِسٍ بِكِسَاءِ |
وَكَانَت هَوَى الشَّادِي وَمُلْهِمَةَ الْهَوَى |
وَجَنَّةَ أَطْيَارٍ وِظِلَّ ظِبَاءِ |
فَرَاغَ عَلى أفْنَانِهَا كُلُّ نَاعِبٍ |
وَرَاعَ شَوَادِيهَا نَعِيبُ رِثَاءِ |
أغَامَ عَلَيْهَا الْوَهْمُ غَيْمًا مِنَ الصَّدَى |
فَكَانَ لَهَا فِي الْجَدْبِ شَرَّ سِقَاءِ |
وَمَدَّ عَلَيْهَا الْوَهْنُ خَوفًا مِنَ الرَّدَى |
وَبَعْضُ الرَّدَى يُدْنِيهِ حُبُّ بَقَاءِ |
إِذَا انْفَضَّ صَيْفٌ جَدَّ صَيْفٌ وَكُلَّما |
تَقَضَّى عِشَاءٌ جَرَّ فَجْرَ عِشَاءِ |
فَمِنْ أيْنَ يَاضَوءُ اشْتِعَالُكَ وَالْمَدَى |
غِشَاءٌ مِن الإظْلَامِ فَوْقَ غِشَاءِ |
وَأيَّانَ يَاجُرْدُ احْتِفَالُكِ بِالنَّدَى |
وَمَالاحَ لِلظَّمْآنِ بَرْقُ عَطَاءِ |
أَتَيْنَاكِ أَشْجَارًا هَوَامِدَ حُمِّلَت |
مَلامِحُهَا مِن كُلِّ مَحْلِ عَرَاءِ |
تَسَيرُ عَلَى الأغْصَانِ عَلَّ جُذُورَهَا |
تُبَلُّ بِرَطْبٍ مِنْ نَسِيمِ قُبَاءِ |
فَلابَرْقَ فِي الآفَاقِ دُونَكِ لامِعٌ |
ولا فَجْرَ بَالإشْرَاقِ قَبْلَكِ جَائِي |
بِنَا رَغْبَةُ الْمِصْبَاحِ للضَّوءِ كُلَّمَا |
تَوقَّدَلم يُمْهِلْهُ عَصْفُ هَوَاءِ |
وَفِينَا انْتِشَاءُ الْبَرْقِ والْبَرْقُ كَامِنٌ |
بِسَارِيَةٍ ليْسَتْ مَخِيلَةَ مَاءِ |
أتَيْنَا وَلَيْلُ التِّيْهِ يَسْوَدُّ حَوْلَنَا |
مَصَابِيحَ تَسْتَجْدِيكِ قَبْسَ ضِيَاءِ |
مَصَابِيحَ لَفْحُ الصَّيفِ جَفَّفَ زَيْتَهَا |
وَألْوَتْ بِمَا أَذْكَتْهُ رِيحُ شِتَاءِ |
وَقَالَتْ لَعَلَّ الْوَمْضَ تُحْيِيهِ نَسْمَةٌ |
يجُودُ بَأَشْفَاهَا رَبِيعُ إِبَاءِ |
فَلَيْتَ الرَّبِيعَ الطَّلْقَ مَا حُمَّ طَلْقُهُ |
وَقَدْ جَاءَ مُكْتَظًّا بِسُحْبِ دِمَاءِ |
لَقَدْ مَسَّنَا ضُّرٌّ رَهِيبٌ..تَصَدَّقِي |
عَلَينَا وَ أَوْفِي الضَّوءَ لِلْبُؤَسَاءِ |
لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي غَيْهَبِ الأمْسِ شَمْسُنَا |
فَظَلَّتْ بِهِ لم تُنْتَشَلْ بِدِلاءِ |
وَغَاضَتْ عُيُونُ اليومِ مِنْ فَرْطِ حَسْرَةٍ |
وَفَاضَتْ بِقَحْطٍ جَارِفٍ وَغَلاءِ |
فَجَلِّي لَنَا شَمْسَ الْحَقِيقَةِ عَلَّهَا |
تَجُودُ عَلَى أيَّامِنَا بِجَلاءِ |
وَصُبِّي لَنَا مَاءَ السَّكِينَةِ إنَّنَا |
أَتَيْنَا بِأَرْوَاحٍ إليكِ ظِمَاءِ |
أَيا مَأْرِزَ الإيْمَانِ والْكُفْرُ ضَارِبٌ |
عَلَى أُمَّتِي الثَّكْلَى جِرَانَ عِدَاءِ |
وَلَيْسَ لَهَا مِنْ خَنْدَقٍ خُطَّ دُونَهُ |
وَلا أُحُدٍ عِنْدَ اشْتِدَادِ بَلاءِ |
وَلَمْ تَبْقَ مِنْ شُمِّ الْعَوَاصِمِ ذِرْوَةٌ |
سِواكِ اشْمَخَرَّتْ مِنْ سَنًا وَسَنَاءِ |
فَإنْ تَسْأَلي عَمَّا دَهَى الشُّمَّ تُنْبَأي |
وَإِنْ تُنْبَأي بِالدَّاهِياتِ تُسَائِي |
لَقَدْ فَخَّخُوا الزَّوْرَاءَ حَتَّى تَفَحَّمَتْ |
وقَدْ خَنَقُوا الْفَيْحَاءَ بِالْكِمِيَائِي |
وَقُرْطُبَةٌ تِلْكَ الَّتِي شَعَّ نَجْمُهَا |
قُرُونًا تُنِيرُ الْكَونَ بالْعُلَمَاءِ |
قدِ انْكَسَفَتْ..لمْ يَبْقَ إلا خَيَالُهَا |
تَلُوحُ كَمَا لاحَتْ طُيُوفُ مَسَاءِ |
تَشَاغَلَ عَنْهَا الْقَوْمُ بالْخُلْفِ وَالْهَوَى |
وَمَاضَيَّعَ الأوْطَانَ مِثْلُ أُولاءِ |
أَتَيْنَاكِ والأَوْطَانُ نُهْبَى..غَريبةٌ |
مُخَرَّبَةٌ..جَوْعَى..تَغُصُّ بِدَاءِ |
لَقَدْ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا فَأفْسِحِي |
مَكَانًا لَنَا في صُفَّةِ الْفُقَرَاءِ |
فَمَازِلْتِ لِلْمَلْهُوفِ مَأْوًى وَمَأمَنًا |
ونَصْرًا وَإِيلافًا وَدَارَ إخَاءِ |
ومَا زِلْتِ حِصْنًا إنْ تَحَزَّبَتِ الْعِدَى |
وَمَا زِلْتِ في الَّلأْوَاءِ أَرْضَ رَخَاءِ |
وَفِيكِ مَقَامَاتُ النَّبِيِّ وآلِهِ |
وَأَزْوَاجِهِ والصَّحْبِ والْخُلَفَاءِ |
فَجَلِّي لَنَا مِنْ جَوْلَةِ الدَّهْرِ عِبْرَةً |
لأُذْنِ مُصِيخٍ أو لِمُقْلَةِ رَائِي |
نَسِينَا مِنَ التَّارِيخِ ماقَدْ حَفِظْتِهِ |
فَألْقِيْ عَلَيْنا سِيرَةَ الْعُظَمَاءِ |
عَسَى الرَّوضَةُ الْمِعْطَارُ يَنْعَشُ عِطْرُهَا |
هَوَامِدَلم تَصْلُحْ لِغَيرِ صِلاءِ |
فَقَدْ تُورِقُ الأغْصَانُ بَعْدَ خَرِيفِها |
وَيَنْبُتُ بَعضُ الْحَبِّ تَحْتَ غُثَاء |
عَسَى رُومَةُ الأبْرَارِ تُحْيي بِشْرْبَةٍ |
خَلائِقَ قَدْ مَاتَتْ بِغَيرِ عَزَاءِ |
فَتَنْبَعُ مِن جُرْد النُّفُوسِ مُرُوءَةٌ |
وَيَنْبِضُ في الْجُلْمُودِ عِرْقُ سَخَاءِ |
حَفَرْنَا وَلَكِنْ كَيْ نَدُسَّ رُؤُوسَنا |
وَجُدْنَا وَلَكِنْ في بُنُوكِ رِبَاءِ |
شَقَقْنَا أَدِيمَ الأرْضِ نَمْتَصُّ خَيرَهَا |
إلى أنْ تَلَوَّثْنَا بِسُمِّ ثَرَاءِ |
فَأبْطَأَ بالأحْرَارِ عَنْ كُلِّ غَايَةٍ |
وَكَانُوا إلَى الْغَايَاتِ غيْرَ بِطَاءِ |
يحَلِّقُ فَوْقَ الْفَرْقَدَينِ عُدَاتُنَا |
وَنَلْهَثُ خَلْفَ النَّاقَةِ الْعُشَرَاءِ |
وَلَيْسَ انْتِقَاصًا فِي الْعِشَارِ وَأهْلِهَا |
كَرَائِمُ أمْوَالٍ وَأهْلُ دَهَاءِ |
وَلَكِنَّ بينَ الطَّامِحِينَ تَفَاوُتًا |
فَلَيْسَتْ صُقُورُ الْجَوِّ كَالْحُلَكَاءِ(1) |
وَلَيْسَ الَّذي يَدْنُو مِنَ النَّجْمِ والَّذِي |
مِنَ الرَّمْلِ يُدْنِي رَأْسَهُ بِسَوَاءِ |
عَسَى شَمْلُنَا تُؤْوِيْهِ فِيكِ سَقِيفَةٌ |
تُلَمْلِمُنَا مِنْ غُرْبَةٍ وَجَلاءِ |
وتَجْمَعُنَا بَعْدَ افْتِرَاقٍ بِظِلِّهَا |
وَتَرْحَمُنَا مِنْ فُرْقةِ الْفُرَقَاءِ |
فَإنَّا افْتَرَقْنَا بَيْنَنَا ألْفَ فِرْقَةٍ |
لِكُلِّ فَرِيقٍ أَلْفُ أَلْفِ لِوَاءِ |
عَسَانَا إذَا ألْقَى الْبَقِيعُ عِظَاتِهِ |
نُزِيلُ عَنِ الألْبَابِ كُلَّ غِطَاءِ |
وَنَحْظَى مِنِ اسْتِغْفَارِ مَنْ بَاتَ عِنْدَهُ |
يُنَاجِي وَيَدْعُو رَبَّهُ بِصَفَاءِ |
تُعَاتِبُنَا الآثَارُ في كُلِّ مَفْرَقٍ |
لَهَا فِي مَهَبِّ الرِّيحِ رَجْعُ نِدَاءِ |
تُرَاجِعُنَا فِي كُلِّ دَرْسِ بَرَاءَةٍ |
وَتَسْألُنَا عَنْ كُلِّ دَرْسِ وَلاءِ |
فَهَلْ عَلِمَتْ أمْ لا؟ قُبَاءُ بأنَّنَا |
ضِرَارًا بَنَينَا الْيومَ كُلَّ بِنَاءِ |
وَهَلْ أبْلَغَ الْقُدْسُ الْمَشَاهِدَ أنَّنَا |
بَخِلْنَا وَلَمْ نُسْرِعْ لَهُ بِفِدَاءِ |
وَهَلْ أُحُدٌ مَازَالَ طَوْدًا يُحِبُّنَا |
عَلَى مَا بِنَا مِنْ غِلْظَةٍ وَجَفَاءِ |
فَإنَّا حَفِظْنَا الحُبَّ مَعْنًى مُجوَّفًا |
وإنَّا ادَّعَيْنَاهُ ادِّعَاءَ مُرَائي |
وَمَا أُحُدٌ إلا قُلُوبٌ صُخُورُهُ |
تَفَطَّرْنَ مِنْ شَوْقٍ بِهَا وَوَفَاءِ |
فَيَا طَيْبَةَ الأنْصَارِ والْحُبُّ شَاهِدٌ |
لِكُلِّ نَقِيٍّ لم يُشَبْ بِرِيَاءِ |
نُحبُكِ إيمانًا وأَهْلِيكِ .. مَذْهَبًا |
هَدَانَا لَهُ الْهَادِي بِغَيْرِ مِرَاءِ |
أمَا زَالَ مِنْ وَادِي الْعَقِيقِ عَشِيَّةً |
يَهُبُّ نَسِيمٌ فِيهِ كُلُّ دَوَاءِ |
وَهَلْ أَخْضَرُ النَّعْنَاعِ مَازالَ عَابِقًا |
يسُلُّ مِنَ الأرْوَاحِ كُلَّ عَنَاءِ |
أَتَيْنَا نَغُذُّ السَّيْرَ والشَّوقُ ثَائِرٌ |
طَغَى فِي قُلُوبٍ مِنْ لَظَاهُ مِلاءِ |
يُبَدِّدُهَا حرُّ التَّشَوُّقِ أدْمَعًا |
إذَا لَمْ تُجِمِّيها بِبَرْدِ لِقَاءِ |
أَتَيْنَاكِ لانَخْتَارُ إِذْ أَنْتِ خَيْرَةٌ |
وَمُخْتَارَةٌ مِنْ قَبْلُ لِلْحُنَفَاءِ |
قدِ اخْتَارَكِ الْمُخْتارُ عَاصِمَةَ الْهُدَى |
فَأَنْتِ نَقَاءٌ مُنْتَقى لِنَقَاءِ |
أَيَا مُنْتَدَى حَسَّانَ جِئْتُكَ زَاخِرًا |
أمَامِيَ طُوفَانُ الرُّؤَى وَوَرَائِي |
أُسَابِقُ أَرْوَاحَ الْمُحبِّينَ شَاعِرًا |
أُعَطِّرُ أَشْعَارِي بِحُسْنِ ثَنَائِي |
أَزُفُّ مِنَ الْغِيدِ الْحِسَانِ رَوَائِعًا |
إذَا عُصِيَ النُّظَّامُ كُنَّ إمَائِي |
سُلافَةَ عُشَّاقٍ وَنَفْثَةَ سَاحِرٍ |
وَميَّاسَةً تَاهَتْ بِحُسْنِ رِدَاءِ |
أُعَتِّقُهَا للذَّائِقِينَ لَذِيذَةً |
وَأُعْتِقُهَا مِنْ كُلِّ ذَاتِ بَذَاءِ |
أُصَفِّقُهَا حِينًا أنَاةً وَحِكْمَةً |
وَأَمْزُجُهَا حِينًا مَعَ الْغُلَوَاءِ |
أُرَقْرِقُ نَجْوَاهَا نَسِيمَ صَبَابَةٍ |
وَأُحْرِقُ شَكْوَاهَا سَمُومَ بُكَاءِ |
وَأُطْلِقُ أعْلاها خَيَالاً مُحَلِّقًا |
وَأسْحَبُ أَدْنَاهَا مِنَ الْخُيَلاءِ |
أُفَاخِرُ بِالإسْلامِ في كُلِّ مَفْخَرٍ |
وَعَنْهُ يَذُبُّ الْمُبْطِلِينَ هِجَائِي |
وَأَحْسَبُ أنَّ الشِّعْرَ مَا طَابَ مَقْصَدًا |
وَجَلَّ عَنِ الْعَوْرَاءِ مِنْ شُفَعَائِي |
وَمَا الشِّعْرُ إِن لَّم يُدْخِلِ الْخُلْدَ رَبَّهُ |
وَيَرْقَ سِوَى لَغْوٍ وَمَحْضِ هُرَاءِ |
يَقُولونَ مَايُضْفِي مِنَ الْمَجْدِ شَاعِرٌ |
وَمَا تَصْنَعُ الأوْطَانُ بِالشُّعَرَاءِ |
وَهَلْ أَلْهَبَ الإحْسَاسَ مِثْلُ قَصِيدَةٍ |
وَهَلْ جَدَّ بِالسَّارِينَ مِثْلُ حُدَاءِ |
وَهَلْ خَلَّدَ الْمَجْدَ التَّلِيدَ لأهْلِهِ |
كَمَا خَلَّدْتْهَا قَوْلَةُ الْفُصَحَاءِ |