هذا المقال بتاريخ
21-10-2011
أستعيده اليوم بمناسبة الذكرى الثالثة لاسقاط القذافى
هناك مثل هندي بليغ يقول: "إن الذي يقتفى الآثار زمنا ً طويلا ً يتشابه مع ظله" .. والذي اقتفى معمر القذافى أثره هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. فمنذ رحيل صدام والقذافى يخشى مصيره .. يخشى أن يُنتزع منه الملك الذي انتزعه هو بالقوة وأن تُزلزل أركان مملكته.. وأن يُطارد ويُلاحق في البلاد التي كان بالأمس القريب يبسط نفوذه وسلطانه عليها.. وفى النهاية أن يختبئ في حفرة في مسقط رأسه.. ثم يهتدي إلى مخبئه ويُلقى القبض عليه فيها مذعورا ً مذهولا ً مرعوبا ً .
أنه السيناريو الذي طالما حرص القذافى على الفرار منه وقد شغله كثيرا ً ومثل له هاجسا ً مخيفا ً.. حتى أنه فعل المستحيل بعد سقوط العراق وإعدام صدام حسين لاسترضاء الغرب وأمريكا .. فقام بتفكيك مشروعه النووي وأعدم أسلحته الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل .. وأغدق على رؤساء وزعماء الغرب بمليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي .. ولم يترك فرصة إلا وانتهزها لترضية الغرب.. ظنا منه أن هذا هو طريق تثبيت ملكه.. وأن الذي ترضى عنه أمريكا وإسرائيل هو الذي سيبقى.
أما من يفكر في التمرد وفرد العضلات وتهديد إسرائيل ومصالح الغرب فسيكون مصيره مصير صدام .
وهذا من غباء القذافى ومن على شاكلته من طغاتنا العرب.. فقد خالفوا صدام في جوانب وشابهوه واقتفوا أثره في جوانب أخرى وجمعوا بين الديكتاتورية والاستبداد وقمع الحريات.. وحولوا البلاد التي يحكمونها إلى إقطاعيات يملكونها هم وأبناؤهم وعائلاتهم .. فانتهوا إلى نفس ما انتهى إليه مصير صدام.. ليس بيد العدو المحتل.. إنما بأيدي شعوبهم .
وإذا كان مبارك هو أول طاغية عربي يمثل للمحاكمة ويظهر في قفص الاتهام أمام العالم كله بعد انطلاق ثورات الربيع العربي في بداية العام الذي سيظل علامة في التاريخ المعاصر (عام 2011م) .. فقد سبقه صدام حسين ووقف موقفا ًمشابها ً في قفص الاتهام .. ولكن صدام لم يحاكمه شعبه.. إنما محكمة موالية للاحتلال .
وإذا كان القذافى هو أول طاغية عربي يقبض عليه مختبئا ً في حفرة ويُقتل.. فقد سبقه صدام حسين أيضا ً وانتهى نهاية مشابهة .. ولكن ليس بأيدي شعبه والثوار عليه.. إنما قبض عليه جنود الاحتلال .
خاف طغاة العرب مصير صدام فأمعنوا في مولاة الغرب ورضخوا لإرادتهم.. وفى المقابل اقتفوا أثره وتشابهوا مع ظله.. فقمعوا شعوبهم وأضعفوا بلادهم.
ورغم أخطاء صدام حسين الفادحة وتسببه في ضياع وسقوط وانقسام العراق .. وبالتالي إضعاف العرب أمام التحديات الجسام التي تواجههم.. إلا أنه اكتسب تعاطفا ً عربيا ً وإسلاميا ً واسعا ً.. كونه قُتل بيد الأعداء الغزاة.. وقد واجه الإعدام شامخا ً وهو يردد الشهادة في صبيحة عيد الأضحى المبارك في عام 2006م .
أما طغاة العرب اليوم فمنبوذون من شعوبهم تلاحقهم اللعنات .
لقد نسى هؤلاء الحكام أو تناسوا أن الشعوب عندما تُحْكَم بالحب والعدل والرحمة والمساواة هي التي تثبت الممالك.. وهى التي تدافع عن الحاكم وتحميه وتفديه بأرواحها .
نسوا أو تناسوا أن الشعوب هي التي تهزم إرادة الخارج مهما كان عتوها وجبروتها .
مات القذافى وقد تذكرت وأنا أتابع الحدث والمشهد التاريخي أبياتا ً لأمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله قالها في الطاغية الانجليزي ايفلين بيرنج الشهير باللورد كرومر.. بعد أن أجبره المصريون الأباة على الرحيل بعد حادثة دنشواي الشهيرة عام 1906م .
فقد قال أمير الشعراء:
أيامكم أم عهد إسماعيلا أم أنت فرعون يسوس النيلا
أم حاكم في أرض مصر بأمره لا سائلا أبدا ولا مسئولا
يا مالكا رق العباد سياسة هلا اتخذت إلى القلوب سبيلا
لما رحلت عن البلاد تشهدت فكأنك الداء العياء وبيلا
مات القذافى وانتهى.. فهل سيعتبر بمصيره بشار الأسد؟
أم أنه سيظل مقتفيا ً أثره وصولا ً إلى لحظة السقوط المرتقبة.. حتى يتشابه مع ظله ويصل في الختام إلى نفس حفرته؟
مات القذافى.. وعلى الليبيين أن يعملوا على بناء دولتهم .. وأن يعفوا ويصفحوا ويتخلقوا بأخلاق الفاتحين العظام.. وأن يراعوا حرمة الدماء والأعراض .
وعليهم أن يقدموا رؤوس الفساد والإجرام ومن أوغلوا في الدماء ونهبوا الثورات وانتهكوا الأعراض إلى المحاكمات العادلة لمعاقبتهم والقصاص منهم .
وعلى المجلس الانتقالي بناء المؤسسات والمصالحة بين طوائف الشعب.. فقد ضربوا المثل في التضحية والفداء والثبات وبقى الأصعب.. وهو أن يتموا فرحة الليبيين ببناء دولتهم العصرية دولة المحبة والرفاهية والمساواة والعدل .. بعد زوال الطاغية .
ملاحظة عابرة على هامش الأحداث:
في اللحظة المصيرية فر الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله إلى مسقط رأسه في تكريت وقبض عليه هناك .
وفى اللحظة المصيرية فر القذافى إلى مسقط رأسه مدينة سرت وقبض عليه هناك .
وفى اللحظة المصيرية لم يفكر حسنى مبارك في مسقط رأسه كفر مصيلحة .. إنما فر إلى شرم ... وعجبي !
الجمعة الموافق
22-11-1432هـ
21-10-2011