تصوير محمد إقبال للشباب المسلم :
==================
( ... شبابُهُ طاهرٌ نقيٌّ وضربُهُ مُوجِعٌ قويٌّ ، إذا كانت الحربُ فهو في صَوْلتِهِ كأسَدِ الشَّرى وإن كانَ الصِّلحُ فهو في وداعتِه كغزالِ الحِمى ، يجمعُ بينَ حلاوةِ العسل ومرارةِ الحنظل ، هذا مع الأعداء وذاكَ مع الأولياء . إذا تكلّمَ كانَ رقيقًا ، وإذا جدَّ في الطلبِ كانَ شديدًا حفيًّا ، وكانَ في حالتي الحربِ والصِّلحِ عفيفًا نزيهًا ، آمالُهُ قليلة ، ومقاصدُهُ جليلة ، غنيّ القلبِ في الفقرِ ، فقيرُ الجسمِ والبيتِ في الغِنى ، غَيورٌ في العسر ، رؤوفٌ كريمٌ عندَ اليُسر ، يظمأ إنْ أبدى الماءُ لهُ مِنّةً ويموتُ جُوعًا إنْ رأى في الرزقِ ذِلّة . إذا كانَ بينَ الأصدقاء كانَ حريرًا في النعومة ، وإن كانَ بينَ الأعداءِ كانَ حديدًا في الصّلابة ، كانَ طَلاًّ وندى ، تتفتّحُ بهِ الأزهارُ وترفّ به الأشجارُ ، وكانَ طُوفانًا تصطرعُ به الأمواجُ وترتعدُ له البحارُ . إذا عارض في سيره صُخورًا وجبالاً ، كان شَلاّلاً ، وإنْ مرَّ في طريقه بحدائقَ ، كانَ ماءً سلسالاً . يجمعُ بينَ جلالِ إيمانِ الصِّدّيق وقوّة عليّ وفقرِ أبي ذرّ وصِدقِ سَلْمان . يقينه بين أوهام العصرِ كمصباحِ الراهب في ظُلمات الصحراء ، يُعرفُ في مُحيطِهِ بحكمته وفراسته ، وبأذان السَّحَر . الشهادةُ في سبيل الله أحَبُّ إليه من الحُكوماتِ والغنائمِ . يقتنصُ النجومَ ، ويصطادُ الأسودَ ، ويُباري الملائكةَ ، ويتحدّى الكُفرَ والباطلَ أينما كانا . يرفع قيمتَهُ ويزيد في سِعرِهِ ، حتى لا يستطيع أن يشتريَه غيرُ ربّهِ ، شَغَلَتْهُ مآربُهُ الجليلة ، وحياة الجِدّ والجِهاد عن زينة الجِسم والتأنّقِ في اللباس . وشعرَ بإنسانيّتِهِ ، فترفّعَ عن تقليدِ الطاووسِ في لونه ، والعندليبِ في حُسنِ صَوتِهِ ) .
--------------
عن كتاب ( من روائع إقبال ) – لأبي الحسن الندوي