من أطرف الأجوبة المسكتة ما حكاه الأصمعي ، حيث قال أنّه كان في بني تميم رجل اسمه حنظلة، وكان معروفاً بسرعة الجواب المُسكت، حتّى لا يكاد أحد يقهر ، فتزوَّج امرأة منهم اسمها علقمة، فولدت له عدّة أولاد لم يسلم له منهم غير ولد اسمه مرَّة ، وكان أسرع من أبيه جواباً مع بشاعة منظره ، فصدر منه أمر أوجب سبَّه من أبيه في قومه .
فقال : أنت خبيث ، كاسمك يا مرَّة .
قال : أخبث منّي مَن سمّاني به .
فقال : إنّك لمرٌّ يا مُرَّة .
قال : أعجبتني حلاوتك ، يا حنظلة .
فقال : تالله ، لست من النّاس .
قال : مَن أشبه أباه فما ظلم .
فقال : لا رضي الله عن بطن تقلّبت فيه .
قال : أجل ، ولا عن ظهر نزلت منه .
فقال : ويلك ! ما تزداد إلاّ سوء أدب .
قال : أتجني من الشّوك العنب ؟!
فقال : لقد كنت شؤماً على إخوتك ؛ حتّى ماتوا وبقيت !
قال : أعجبتني كثرة عمومتي يا مُبارك !
فقال : لا أفلحت أبداً .
قال : كيف يُفلح مَن أنت أبوه ؟!
فقال : ما أحوجك إلى التأديب !
قال : الذي نشأت على يديه أحوج منّي إليه .
فقال : أراحني الله منك ، كما أراح إخوتك .
قال : تختنق بحبل حتّى تموت ، فتستريح من وجهي .
فقال : لأدعونَّ الله عليك .
قال : الذي تدعوه عالم بك .
فقال : ما يعلم منّي إلاّ خيراً .
قال : شاكر نفسه يُقريك السّلام .
فقال : ما أجد لي خيراً من السّكوت .
قال : يمنعك سوء خُلقك الذّميم .
فقال : لو لا فتوري عنك ما تجرَّأت عليّ .
قال : إذاً ، نفسك فلّم .
فقال : إن قمت إليك أوجعتك ضرباً .
قال : ما أنت أشدُّ منّي بطشاً .
فقال : وتضربني إذا ضربتك ؟!
قال : وأنت في شكّ من ذلك ؟!
فقال : إذاً ، سوَّد الله وجهك .
قال : إلاّ أنت بيَّض الله عينيك .
فقال : ورَّم الله منك الأرض .
قال : إذاً ، فرَّق الله بينك وبين العافية .
فقال : يا ربّ ، ترزق النّاس أولاداً حِساناً وأنا ترزقني شيطاناً ؟!
قال : أما علمت أنّ مَن العصا العصيّة ، والحيّة لا تلد إلاّ حيّة ؟
فانقطع جواب أبيه ، ولم يعشْ بعدها إلاّ يوماً وليلة . عن طرائف الأذكياء والمغفلين، من تأليف علي مروة .
**************
و صدق القائل :
قد ينفع الأدب الأولاد في صغر * و ليس ينفعهم من بعده أدبُ
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت * و لا يلين و لو لينته الخشبُ
( و لا يستقيم الظلُّ و العودُ أعوجُ )