أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: لقاء عند حافة الموت

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    الدولة : عمان - الأردن
    المشاركات : 29
    المواضيع : 23
    الردود : 29
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي لقاء عند حافة الموت

    // لقاء عند حافة الموت // ؛

    قال لها :
    ▬ جئت ِ إذنْ

    ردّتْ ، مِنْ خلف رداء الكبرياء :
    ▬ و بي مِنَ الشوق الحزين لهذا النور ما يُميت.
    ▬ قد قضى ربُّكِ أن يكون لكل شيء ميعاد. و ما كنتُ لأستعجل منكِ اللقاء ما لم يأتي أوانه.

    تندّى الصمت منها عن تنهيدةٍ خرجت من صميم الفؤادْ.
    فتابع قائلاً :
    ▬ أراكِ تحملين مِنَ الأوزار ما تنوء به الجبال، مِنْ أينَ لكِ كلّ هذا الحمل الثقيل؟!

    حَشْرجتْ .. وبالبكاء غصّتْ ، هذا البكاء المخنوق في الصدر، بدأ يطرق بإلحاحٍ أبوابَ الحناجر، ما لبثتْ أنِ انفجرتْ في بكاءٍ يحمل في انثيالاته كل الحكاية. الحكايةٌ التي ابتدأتْ بالأماني ، وانتهتْ، وكلها جراح فوق جراح.
    قال :
    ▬ لنْ أُوقفَ هذا البكاءْ ، فاغسلي أحزانك بما شِئتِ مِنْ سكيب الدمع، ولا تهتمي.. أنت بين يديَّ الآن.

    تقطّع البكاء بنشيجِ قلبٍ مَكلوم ، وتخلَّله دفقٌ مِنَ تأَوّه محموم .. ثمّ كالأطفال، راحتْ تبكي، و بالكاد استجمعتْ لغتها، وقالت بعناء :
    ▬ عاتبةٌ عليك كثيراً يا كل هذا الحبيب.
    عتبي . . ما عَرَفَتْه من قبلُ صدور البشرْ.
    عتبي . . عتبي بما جرى عليّ مِنْ تصاريف القدر.
    عتبي . . على ما غَشاني من رزء السِـيَـرْ.
    انظر إليَّ يا مولاي . .
    جسدي الناحل ، ذلاً وبؤساً ، صار بُوار .
    فهل ما زالتْ سحاباتُ خلاصكِ ، تُساقُ إلى الأرضِ البُوارْ !
    أحلامي البسيطة ، تمزَّقتْ على أعتاب المناماتِ الكسيرة.
    فهل ما زالتْ رَحَماتُـكَ تنثرُ السلامَ فوق كوابيسِ الدمارْ !
    قلبيَ المكلومُ تَهاوى في سراديب الجَوى.
    وأنا الذبيحة . . وقيعةُ الفواجع وما جَرى.
    فَسَلِّ السفَّاكَ الذي أهْرَقَ الدماءَ مع دَمِي
    أَحَازَ كأسَ المُدام مِنْ دِمانا وارتوى !
    يا وَحْشَةَ الأرض مولاي إذْ ترى
    أشباحٌ . . خفَافيشٌ . . وعفريت الدُجى
    والنور يُسافرُ في اغترابٍ
    لا فجر فيه ولا ضُحى
    و رعديدُ الجحورِ . . أفلحَ في الظلامِ
    وفي التيه ارتقى.

    أطرقتْ إلى النور، وهي تهزُّ رأسها بألم، وناجته شاكية:
    ▬ أوّاه يا حبيب القلوب الكسيرة
    أوّاه يا طبيب النفوس العليلة
    أوّاه يا حلم الأماني الكسيحة
    أينَ كنت كل هذا الغياب !!!
    و عاد البكاء عارماً . . مُخضّلاً بموجِ هادرٍ مِنْ دموعٍ جريحة.

    رَبَـتَ على كتفيها حتى استكانتْ ، ثم سألَها :
    ▬ ماذا صنعتْ معكِ الأرض ؟

    قالتْ :
    ▬ أهٍ يا مولاي . .
    دمّرتني الارض .. ودمّرتْ كلّ حبيبْ .
    سَحَقَتْ أمام ناظريَّ كل أزهار الربيع .
    انظرْ لترى . . ما عاد اللون الأخضر يزورُ بلادي.
    سرقتْ ضحكات الطفولة ..
    انصتْ لو شئتْ .. ما عاد لحن ضحكاتهم يُعطّر بالبهجةِ فؤادي.
    قَتَلَتْ الأرضُ أمّهاتنا . . آباءَنا . . إخوتنا و أبناءَنا .
    ودمّرت الأرض أحلامنا . . أفراحنا ، وجميع أعيادنا .

    ومِنْ خلف ضباب الدمع ، سألها :
    ▬ ما بال الأرض بادرتكِ كلّ هذه القسوة ؟.. أخبريني، ما الذي فُعِلَ بالأرض؟!..

    وإلى الدمار الذي خلفها ، بيدها أشارتْ ، وقالتْ :
    ▬ في الأرض يا مولاي ، سلاطينٌ و رُهبان.
    أذلّنا السلاطينُ باسم الله .
    ذبحونا الرُهبان . . وقالوا هذا في سبيل الله .
    سرق السلاطين كلّ شيء . . وأمرونا بأنْ نحمد الله
    دمّرَ الرُهبان كلّ شيء . . وأمرونا بأنْ نتّقي الله .
    تآمرَ السلاطين مع كلّ عدوٍّ ومُغتصِبْ .. ومَحَضوهم كلَّ خيرات الوطن.
    تحالفَ الرُهبان مع كلّ دخيلٍ و مُغتربْ .. وصنعوا كلّ ويلات الوطن .
    امتصَّ السلاطين دماءنا .. و سَفَحَ الرهبان دماءنا.
    وكأن دماءنا يا مولاي ، كانتْ هي مُجْمَلِ القضيّة .
    دماؤنا . . هي مَنْ تقف وراء الهزائم.
    دماؤنا . . هي مَنْ صنعتِ الخطايا.. هي مَنْ صنعتْ الآثامَ والجرائم.
    دماؤنا . . هي مَنْ جهّلت الشعوب ، وأنزلتْ بهم الداء السقيم.
    دماؤُنا . . صنعتْ كلّ أشكال الفسادْ .
    ونشرتْ بين الشعوب ، رسالات الدجلِ والكفرِ والإلحادْ.
    ويوم اختلف السلاطين مع الرهبان
    تقاتلوا . . وكانت دماؤُنا هي الميدان.

    استبدَّتْ بها الأشجان . . ورغماً عن أنف الألم ، قالتْ :
    ▬ بيديّ هاتين يا مولاي . . سجيّتُ جثمان أمّي و أبي
    وكانَ قد سبقهما إلى الموت ، أختي وأخي
    مِنْ فواجع الحروب هربتُ بولدي . . بعدما قتلوا زوجي
    وفي دورب الهروب، مِنْ غرفتي الأولى إلى غرفتي الأخرى
    أمطرتني السماء بوابلٍ مِنْ نارٍ وغضب
    رصاصٌ . . وصـواريـخٌ وقـنـابـلْ
    ما مِنْ يهوديٍّ يا مولاي كان في منزلي يُقاتل !
    ولا ليهودٍ كانت تِـلـكـمُ المنازلْ !
    غيرَ أنَّ ذنب المنازل – مولاي – كان
    أنها صارتْ غنيمةَ الخوارج والأراذلْ
    وفي اللحظة التي درأتُ فيها قذيفةَ السلطان عن ولدي
    كانتْ مِدية الرُهبان تحزّ عُــنُــقَــه مِنْ تحت يدي !

    بدأ البكاء يختنق في حنجرتها مِنْ جديد، وهي تشكو إليه قائلةً:
    ▬ قـلّـبـتـه بين يدي في مسيري إليك . .
    انظر إليه . .
    ما أجمله طفليَ النائمْ إلى الأبد !
    وصوت الدماء مِنْ أوداجه . . تسمعُ به رخيمَ المغنى وهديلَ الحمائمْ .
    كانَ ينتفض بين يديَ كالعصفور راقصاً
    وتفترس نظراته البريئة، الدهشةَ والعمائمْ .
    هو لا يعلم ما يجري . . فهذا الدرس كبير عليه - حُشاشةَ قلبي -
    لم يَفهم مَقالة الراهب إذ يقولُ و هو يذبحه : إلى الجحيم يا عدو الله !
    أحقاً هو عدو الله ؟!! . .
    فقد أخبروني قديماً يا مولاي . . أنَ طفلي ما يزال على فطرة الاسلام، بينما يلج بوابة الموت الآن .
    ماتَ طفلي يا حبيبي ، ولم يكن يعلم " إن كانَ حقاً عدوّاً لله " !!
    رفعتْ رأسها نحو النور وقالتْ :
    لم أكنْ أعلمُ ماذا كنتُ أريدْ وانا أتلقى عن ولدي ما تبقّى من طعناتِ السكين
    هل كنتُ أريدُ التحررَ مِنْ سجنِ سبايا الرهبانْ !
    مِنْ عارِ الاغتصابِ والذلّ والامتهانْ !
    أمْ لألحقَ بولدي وأتحققْ :
    إنْ كان ولدي في سِجلاتكَ ، مِنْ أعداءِ الرحمنْ !
    فأنا حقاً ما عُدتُ أدري :
    أَمَا زالَ الايمانُ في بلدي ، هو ذات الايمانْ ؟!

    سكتَ البكاءُ والألمْ . . وانحدرتْ مِنْ عينيها ، دمعةٌ طاهرةٌ تختصر كلّّ حكايات المحنْ.
    وامتزجت دمعتها الأخيرة مع أختها الأخيرة مِنْ دم الطفلِ الذبيح بين أحضانها. فناداها مِنْ النور قائلاً :
    " يا أيتها النفس المطمئة ارجعي إلى ربكِ راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ".

    وقـيـل . . إنه وبينما كان سلَّم الرجوعِ الأخيرِ يرتقي نحو السماءْ، راحَ من النورِ ينادي وَ (مِنْ خلفِ ذاتِ حجاب الكبرياءْ ) :
    ▬ "مِنْ أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه مَنْ قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ولقد جاءتهم رُسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون "


    بقلم أخي وليست بقلمي : المهندس زيدون الرفاعي
    ثمة متعة في الصمود .. حتى ألماً .

  2. #2
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    السلام عليكم
    نثرية تصف الحالة المروعة التي يمر بها الوطن العربي في هذه الأيام ,
    حتى لكأن هذه المرأة تعتب على خالقها وهي تبث له عز وجل الشكوى المرّة التي واجهتها في الأرض ,

    عاتبةٌ عليك كثيراً يا كل هذا الحبيب.
    عتبي . . ما عَرَفَتْه من قبلُ صدور البشرْ.
    عتبي . . عتبي بما جرى عليّ مِنْ تصاريف القدر.
    عتبي . . على ما غَشاني من رزء السِـيَـرْ.



    وباتت تشك أن وجود هذا الشعب البريء في الحياة هي مشكلة العالم,


    وكأن دماءنا يا مولاي ، كانتْ هي مُجْمَلِ القضيّة .
    دماؤنا . . هي مَنْ تقف وراء الهزائم.
    دماؤنا . . هي مَنْ صنعتِ الخطايا.. هي مَنْ صنعتْ الآثامَ والجرائم.
    دماؤنا . . هي مَنْ جهّلت الشعوب ، وأنزلتْ بهم الداء السقيم.
    دماؤُنا . . صنعتْ كلّ أشكال الفسادْ .
    ونشرتْ بين الشعوب ، رسالات الدجلِ والكفرِ والإلحادْ.


    وباتت تشك أن طفلها هو فعلا عدو الله
    مع أن الطفولة البريئة لا يمكن أبدا إلا أن تكون حبيبة الله,

    هو لا يعلم ما يجري . . فهذا الدرس كبير عليه - حُشاشةَ قلبي -
    لم يَفهم مَقالة الراهب إذ يقولُ و هو يذبحه : إلى الجحيم يا عدو الله !
    أحقاً هو عدو الله ؟!! . .



    ثم أنها تشك بل متأكدة أنها ستكون ضحية أخرى من الضحايا الأشدّ عذابا وإذلالاً لو أنها بقيت هناك ,

    لم أكنْ أعلمُ ماذا كنتُ أريدْ وانا أتلقى عن ولدي ما تبقّى من طعناتِ السكين
    هل كنتُ أريدُ التحررَ مِنْ سجنِ سبايا الرهبانْ !
    مِنْ عارِ الاغتصابِ والذلّ والامتهانْ !
    أمْ لألحقَ بولدي وأتحققْ :
    إنْ كان ولدي في سِجلاتكَ ، مِنْ أعداءِ الرحمنْ !
    فأنا حقاً ما عُدتُ أدري :
    أَمَا زالَ الايمانُ في بلدي ، هو ذات الايمانْ ؟!


    وبالتالي يطمئنها النور الكلي أنها الآن في حماه ,وأنها مظلومة ولها الجنة, وهذا أمل المظلومين الوحيد .

    " يا أيتها النفس المطمئة ارجعي إلى ربكِ راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ".

    في النهاية هذه النثرية بها روح المسرحية ,
    وهي جميلة جدا وبالغة هدفها
    شكرا أخي
    ماسة

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    مشهد مؤثر مؤطر بفلسفة ذكية وعرض مائز
    وددت لو حظي النص ببعض مراجعة للغته

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    مر شريط الألم كأنه يأبى الا ان يكون أخر المودعين ومرت معه كل الصور الضبابية لواقعنا المهشم
    وما بين عتاب وعذاب وشك بكل ما تعلمته وعرفته وخبرته من تناقضات رسمتها أيدي اولي الامر رحلت مخضبة بدموعها
    بسرد ماتع و أسلوب مائز كان لقاء الحرف مع الفكرة بجمال
    اسجل اعجابي
    بوركت

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    كان اللقاء حافلا بصنوف الوجع رسم بيراع ماهرة نجحت في بلورة الفكرة وصياغتها
    ذيلت النص بتوقيع أخيك : المهندس زيدون الرفاعي .. والأقسام الأدبية لأقلام أدباء الواحة
    فحبذا لو يسجل السيد / زيدون معنا بالواحة ليقوم بنشر أعماله بنفسه
    ومرحبا بك وبه
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء عند الغروب
    بواسطة علي الحسن في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-10-2018, 07:47 PM
  2. لِقَاءٌ على حَافَّةِ الرَّحِيل
    بواسطة أحمد البرعي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 30-07-2013, 06:28 AM
  3. انحناءات صامتة عند حافة الليل
    بواسطة عمار زعبل الزريقي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-06-2013, 06:13 AM
  4. تأثير لا إله إلا الله عند الموت
    بواسطة منى محمود حسان في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 10-07-2006, 08:09 PM