رحلة قصيرة (3)
__________
وصلتُ إلى البوابة ، وكان جميع الركاب وقوفاً في انتظار الطائرة التي لم تصل بعد
يا الهي ماذا أفعل لو تأخرت الطائرة فرحلة العودة عند الثالثة ويجب أن أكون في مطار البحرين عند الثانية ظهراً حتى أستطيع صعود طائرة العودة .
مع كل دقيقة تمر يزداد تجمهر الناس حول البوابة ، ويزداد ضيقهم من هذا الوضع .
بدء الصوت يعلو والكلمات تزداد حول هذا الأمر والهمس تحول سخطاً وصراخاً خاصة بعد إعلان مكتب خطوط طيران الخليجية عن تأخر الطائرة وإلغاء الرحلة
الجميع غاضبون والجميع معترضون والجميع يسأل عن الأسباب والحلول ، ولكن مكتب الاستقبال فارغاً ولا يوجد به من يتجاوب ويرد على هذه التساؤلات مما زاد من غضب الجميع وسخطهم .
تدخل الأمن -للمرة الأولى- لتهدئة الأنفس حتى حضرت مندوبة الشركة وكانت
امرأة في الثلاثين من عمرها سورية حسناء بياضها ملفت للنظر وكذلك رقتها ، ولكنها في موقف لا تحسد عليه ويتطلب منها شدة أكثر من الرقة ، ماذا ستفعل أمام هذه الحشود الغاضبة .
لم يلقي لها الكثيرون بالاً ربما كونها امرأة وكونها ضعيفة حاولت وحاولت تهدئة الأنفس ولكن لا مجال فالجميع غاضبون ويطالبون بحضور مدير شركة طيران الخليج بنفسه ليتفاهم معهم ، والعائلات البحرينية كانت في قمة غضبها وعنفوانها فهم أهل البلد وهذه شركتهم
وهنا ارتفعت أصوات البعض وأذكر منهم رجلاً كان اسمه "خلف" كان يزبد ويتوعد كثيرا ويلعن هذه الشركة التي لا تستحق أن يسافر فيها بعد اليوم وكان يرفع بصوته باللعن والشتم ، وكذلك كان هناك رجل مصري يطالبهم بورقة اعتذار عن هذا التأخير خاصة وأنه عليه ارتباطات في البحرين ، وكان هناك شاباً سعودياً في الخامسة والعشرين من عمره تقريباً واسمه خالد كان يتكلم بشكل يثير الغضب لدى الآخرين وفي كل مرة كان يقول ( انتم مو كفو تديرون شركات طيران انتو حقكم أحواش بقر ).
الموظفة لم تجدي نداءاتها شيئا ولا عرضها بمحاولة توفير مقاعد في شركات أخرى وبالفعل كانت هناك رحلة واحدة للإماراتية في خلال الساعتين القادمة متوجهة للبحرين ، حاولت إدخال نفسي في هذه الرحلة ولكن للأسف كانت الأفضلية لديهم للعائلات ولمجموعة من الفتيات كن في رحلة لدبي ضمن مجموعة ترفيهية ، وهكذا وضاعت الرحلة وخسرنا ساعتين في المطار دون جدوى وفي الساعة الثانية ظهراً كان المتجمهرين يختفون قليلاً قليلا إلا أنا ومجموعة المتذمرين من العائلات البحرينية والسعودي والمصري .
لقد انتبهنا أن الجاليات من الجنسية الهندية تم تسريبهم إلى رحلات مختلفة وقام بخدمتهم الموظفين القائمين على مكاتب الحجز ذلك أنهم من نفس الجنسية ، وهنا ثارت ثائرتنا جميعاً وتدخل الأمن من جديد ولكن هذه المرة بمزيد من الحذر والتنبيه والكلمات المهددة بالأسوأ إذا خرج الموضوع عن حدوده .
وهكذا أصبحت في الساعة الخامسة وهو موعد عودتي المفترض لدبي من البحرين ، اتصل بي سعيد يسألني عن الرحلة وعن الوصول ولم يعلم أنني لم أسافر حتى اللحظة ، أخبرته بالقصة كاملة وأغلقت الهاتف معه بعد وصول عدة أشخاص من شركة طيران الخليج ، وفي الحقيقة أنهم تحملوا كثيراً من الإهانات من خلف البحريني وخالد السعودي وسامر المصري ، بل إنهم كادوا أن يصلوا لمرحلة الاشتباك اليدوي لولا تدخل رجال الأمن أكثر من مرة .
وهنا وجدت فرصة وطلبت منهم توفير لي رحلة خروج وعودة لأي بلد آخر مجاور وليس بالضرورة البحرين ، اعتذروا وقالوا لا يوجد ، ثم قلت لهم فتشوا لي عن رحلة متوجهة إلى السعودية ومنها سوف أدخل للبحرين ثم لدبي ، فكان لي ما أردت ولله الحمد ، وتوجهت إلى طائرة إقلاعها الساعة السابعة مساءً ولكن ما من رحلة للعودة إلا أن أحاول من داخل البحرين فوافقت وقاموا بإجراءات الحجز والتأكيد ، في هذه اللحظة علا صوت خالد السعودي هو ورجل الأمن حيث سمعته يقول وهو رافعٌ جوازه السعودي " أقول وريني ويش تسوي هذا جوازي وأنا سعودي وأتحداك تعمل شيء " وهنا رد عليه رجل الأمن وقال : أحترم نفسك ، ولا عشانك سعودي بتغلط علينا ؟ ويش شايف نفسك ؟" وهنا تجمع رجال بلبس مدني ولكن يبدو أنهم من رجال الدولة ، حولوا أخذ خالد السعودي معهم جانباً ولكنه لم يرضى أن يتحرك وقام بممانعة بشكل قوي يوحي أنه مستعد للعراك ، هنا اقتربنا منه جميعاً ودار حوار بسيط لم تغب عنه بقية المجموعة المتمردة حرصاً على وحدة الموقف وتأكيداً للتذمر .
لما عرف الرجال موقفنا هدأ الوضع وبرد نارهم وانتهى الموضوع بعد تأكيد من خالد السعودي بأنه لن يثير زوبعة مجدداً ، ومضيتُ في حالي إلى هذه الرحلة وكان معي خالد وكل همي وتفكيري ماذا أفعل في البحرين ومتى سأعود لدبي وهل سأجد رحلة أو لن أجد ، وهل سأعود في وقت مناسب فالليلة هي ليلة خميس وهناك سهرة جميلة مع أصدقائي في دبي لا أريدها أن تضيع .
أفكار ومخاوف كثيرة كانت تدور في رأسي جميعها كانت مبنية على فكرة أنها رحلة قصيرة .
توجهت إلى الطائرة وكأنني أرى الحرية تتحقق لي بعد طول انتظار في المطار لوقت قارب الثماني ساعات بين الكراسي والهتافات ، ولما رأيتُ الطائرة ابتسمت وكأنني نلت جائزة كبرى ، ولم أصدق أنني رأيت المضيفة أخيراً فسلمت عليها مرحباً بابتسامة كبيرة وددت معها أن احتضنها فرحاً وسرورا برغم كل مخاوفي السابقة .
:)
هنا الجزء الثاني
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=18670
_________________________________
بدأت أحداث هذه القصة (رحلة قصيرة ) يوم الخميس الساعة التاسعة صباحاً في أحد شهور عام 2005م