|
يا للغباء الهندسي ....!
المطر طـُهْرٌ . والنبع انبثاقٌ , والنهر انعتاقْ.
من رحم التكوين الأولى , يـُولـَدُ المطر على البراءة. وبين أثداء الغيم المفعمة بالفيض, ينقدح خيط البرق . يُصَـفــِِّي ويُنَقِي , فينهمر الخير سماويا طهورا يلثم شفاه الهضاب العطشى , وينسرب في أحضانها , تتلقفه الصخور بين جوانحها , تـَلقـِّي الحبيبة لحبيبها بعد طول غيابْ , تهبه أكاسيرها المتنوعة , وتمحو عنه شوائب نزوته العابرة .
ينبثق النبع الآن, على الفطرة, صافي العينين , رقراقا سَلْسَلا ,كالنور المذاب ,لا ريح له ولا طعم . يسعى إلى حيث مواعيده المنتظرة التي ما أخلفها قط . و يفتح أبواب مجراه الممتد بلا حدود , ليشق طريقه واثق النبض والخطوة والهدف .
كل الزوايا تعرفه, والضفاف تعرفه, وتعرفه الأشرعة البيضاء. والأسماك تعرفه و الأشجار تعرفه والبراعم وكروم النخيل, والصبايا الحالمات , وتعرفه العصافير التي تتأهب لقدومه كي تبدأ أنشودتها الجديدة,وتعرفه أغان الحصاد ودقات الدفوف وليالي العرس. وهناك في خميلة تغفو على ذراع النهر, اثنان , ينتظرانه شوقا كي يلتئم القلب إلى القلب.لعلها ثلاثية .. الانطلاق, والسفر, والوصول .ثلاثية الغيمة والضفاف والحصاد.
لا تحاول أن تعلم النهر كيف يكون نهرا, فهو دائما يبرع في نقش مجراه في كف الأرض , ويعرف كيف ينثر في الوجدان شذا الحقول حين يلثمها الماء , و يعرف كيف يعقد الأهل والأخلاء بخيط الود وصلة الأرحام , و يعرف كيف يعلمنا سرد الحكايات في أمسيات الصيف وليالي الشتاء , و يعرف كيف يبذر فينا عشق الحكمة, و حب الله.
إِذ َنْ , دَعِْ الماءَ ماءاً ...انتحِ جانبا .قف , شاهده في صمت وخشوع وهو يشق طريقه الذي يعرفه.
لا تحاصره بأحقادك الرقمية , ولا تحبسه بغبائك الهندسي , لا تحجر عليه في قنوات من حديد وإسمنت أو خزانات يعبئها الصدأ , كي لا يأسَن , وتغزوه الطحالب, ويسكنه العـَفـََن الذي يسكنك.
إِذ َنْ , دَع ِ الماءَ ماءاً . اتركه يمر حيث يشاء كي تـُقـَبِّلهُ الشمس فيسمو ليعانق السماء ويأخذ دورته الحميمة من جديد . |
|