أحدث المشاركات
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 41

الموضوع: جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ

  1. #11
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    ابن العم الحبيب الدكتور سلطان
    تحية بعد سلام من الله ورحمة من لدنه وبركات
    منذ حروف وأنا استكمل نقطة الدخول إلى عالمك المشحون بالصدق ، ولكن شرفة البيان غامت عليها دموع ، فراق الأحبة تدثرها بين طيات ذكريات بحرير الأيام ، تنبشها حين اللوعة بنات الأفكار ، وحين انطلاق الأنين تبدأ رحلة العد إليهم بالانطلاق من مؤق النور ، ويبقى الألم يكحل العيون بمراود الألم المحبوس خلف حدود البوح ، ولكن لابد من لحظة معنى تشع رغم الصبر بنود الماضي تخفق بالنوى على تلال الحاضر رايات وصل بمن فقدنا .
    ومنذ لحيظة تقدير ، بدأت أغربل المشاعر بين صادق ، واصدق سيرة ، فكانت تحت غربال الشمس نقية إلا كلها ، مشوبة بالحزن جلها ، تنتمي لعائلة الشجن في تعداد عاطفي لزفرات الفراق .
    نعم أيها الحبيبب
    هي الذكرى تتبلور بعد إكمال العمر دورته ، واستقراره على آلة حدباء كنجم بل كوكب دري ، او ما دون ذلك أو أسمى ، هنا يعلن ولادة الروح جمع المشيعين ، أو وفاة التاريخ عند أول نقطة وضوء الوداع ، وما الناس إلا لسان حق ينطلق من عقال السريرة معلنا ما يلف خبايا القلوب مما كان عليه الراحل .وهي شهادة حق نطقها معشر الخيرين بما كان عليه جدنا رحمه الله ، فقد أبلى أيام عمره فوق الشبهات خلقا ، وتحت قدميه ترامت دنيا حفر لها في ثرى طهره ندبة ليعلن أفول دنياه مطية للآخرة .
    رحم الله الفقيد
    وعوضنا بالصبر على فراقه خلفا على آثاره مقتدون .
    شكرا لك يابن العم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #12
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    سلطان النثر أديبنا الرائع / د. سلطان الحريري .
    كمن يرسم لوحة بالفسيفساء ، نمنمات فنية جمعتها بإتقان فنان ، لترسم لنا هذه اللوحة التاريخية ، تحكي قصة كفاح جيل مضى ، كان للأرض عنده قيمة ، وللقيم قيمة ، صبر على تقلبات الجو والأوضاع السياسية ، الفقر ، الجوع ، بنى مجدا وأجيالا ..
    قطع الحلوى تلك ، لها معنى أكبر من أنها قطع حلوى التي تخرج من جيبة ، هي امتداد للعطاء من جيل إلى جيل ، وكأنها الأمانة تسلم لمن سيحملها ، ليعرف حلاوة طعم حفظها .. فجدك ، هو جدي وجده وجده ، ذلك الجيل الذي كان صامدا يقد الصخر ويحفر الأرض بسواعد تكمن قوتها بإيمانها بدينها ومبادئها .. و رغم القسوة ، كانت تلك الأيدي حانية رقيقة حين تصل إلينا ، رغم الفقر كانوا كرماء ، ورغم العواصف بقيت جذورهم تمتد في الأرض راسخة ..
    كان جيلا كما حبات القمح تُنثَر ، فتنبت السنابل ذهبية تراقص الشمس على إيقاع الزمن .

    رحم الله جدك وجلعه ممن رضي عنهم فأرضاهم .. ورحم جميع موتى المسلمين .

    الإنصات لهمس حرفك متعة للروح .
    تحيتي وكل الود .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  3. #13
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الحبيب الغالي الأديب الكبير
    الاستاذ الدكتور سلطان الحريري

    لقد كان لي شرف السماع لهذه الرائعة , وقد أطلق عليها الحضور من الأدباء " رائعة جدي والحلوى " ثم عدت لاقرأ هذه الرائعة , ثم عدت مرة أخرى إليها , ووجدتني حائرا , فقد حضرت جلسة أدبية مطوّلة , لقراءات نقدية ودراسة في هذه الرائعة , وقد أختزنت في داخلي كل التحليلات والقراءات , وبالتالي فإن كتبت في الرائعة , فسأكرر ما قيل بحقها , من قبل الأخوة الأدباء , وبالتالي كي لاأكون مقتبسا , يترتب علي , أن أقوم بقراءة خاصة بي , لا أكون فيها واقعا تحت تأثير ما قيل بحق " الرائعة " , وما أصعب هذه المهمة .

    للتثبيت
    احتراما وتقديرا لهذه الرائعة , التي تمثل إنموذجا للكتابة الأدبية .

    أخوكم
    د. محمد حسن السمان

  4. #14
    الصورة الرمزية شاهين أبوالفتوح قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2005
    الدولة : بلادي
    المشاركات : 270
    المواضيع : 42
    الردود : 270
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    لَنْ يُثْمِرَ الزّيتونُ حباتٍ ألذّ منَ الصّبْرِ .
    أديبنا الأصيل أ.د/ سلطان الحريري
    شكرا لك يا أمير النثر ، حدثتنا عن جدنا جميعا !
    بورك مداد قلمك النابع من جذور الجذور وواصل للفروع ولبراعم لم تبزغ بعد ، بوركت حلوى الجد التي خَلدت مذاقها بحرفك .

    محبتي واحترامي
    شاهين

  5. #15
    الصورة الرمزية إكرامي قورة شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : المنصورة-مصر
    العمر : 49
    المشاركات : 1,822
    المواضيع : 75
    الردود : 1822
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    من أجمل ما قرأت بلا مبالغة

    اعذرني لا أجد في قاموس مفرداتي المتواضع ما يمكن أن أعطي به هذه المقطوعة ( المعزوفة) قدرها الذي تستحق.

    رحم الله فقيدا كنتَ حفيدَه
    فمثله لا يموت ، أعلى الله ذكركما

    تقديري واحترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    بعضي هنا وهنا

  6. #16
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2006
    العمر : 39
    المشاركات : 1,747
    المواضيع : 28
    الردود : 1747
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    الله الله
    ماشاء الله عنك أخي
    نص مدهش
    صدقا استوقفني طويلا
    لاأذاقك الله حزنا
    ولا لوعك بفراق عزيز
    تحياتي لك

  7. #17
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 8
    المواضيع : 2
    الردود : 8
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سلطان الحريري مشاهدة المشاركة
    جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ*
    تَصَدَّعَتْ جُدْرانُ الصّبْرِ ، وأنْتَ ماثِلٌ أمامي أَعُدُّ تَجاعيدَ وَجْهِكَ التّي حَفرَها العُثْمانيونُ والفِرنْسيونَ وحَصادُ القَمْحِ، فقدْ عارَكْتَ الاِنْتظارَ مائةَ عامٍ ونيّفٍ(1) ... اخْتُصِرَتْ بِشَهْقَةٍ ، تَمُرُّ الثّواني وأنا أُحاوِلُ تَهْجِئَةَ أعْوامِكَ تِلكَ في دفْتَرِ الْغيابِ ، فَكَمْ نَبْضَةً نَبَضَها قلبُكَ في مائة عامٍ ونَيّفٍ ... يا رَجلاً أورَقَتْ في روحِهِ أزْهارُ الْيَقينِ...
    عَقَدَ الْحُزْنُ عَزْمَهُ ،وشارَكَتِ الْعَيْنُ الْقَلْبَ بُكاءً خاشِعًا ... فَقَدْ شاءَتِ الْأَقْدارُ أنْ تَصْطَفِيَ هذه اللّيْلَةَ لِتَكونَ مَوعِدًا لِوداعٍ عَظيمٍ ...فَقَدْ تَناهى إلى مَسْمَعِ الْوَقْتِ رَحيلُكَ ، في هدوءٍ مِنْ عَقارِبِ السّاعَةِ، حينَ تَوقّفتْ عِنْدَ مَشْهَدِ الْوَداعِ ... نعم، إنّهُ مَوعِدُ الْعَوْدةِ إلى أسْئِلةٍ مَسْبوكَةٍ مِنْ وَجَعٍ .
    ثمارُ شَجَرَةِ الْفَقْدِ دانِيةٌ يا جَدّاهُ ، والْحُزْنُ كما شَجرَةٌ عُمْرُها بِعُمْرِكَ ، عَميقَةٌ في الْأَرْضِ تَحْكي قِصّةَ وَفاءٍ دامَ مائةَ عامِ ونَيّفٍ...
    كمْ هيَ قاسِيةٌ تِلكَ السّواعدُ الّتي تَحْمِلُ نَعْشَكَ ... بلْ كمْ هيَ قَويّةٌ ...كَيْفَ تُذيقُنا مَرارةَ غِيابِكَ، ونَحْنُ الذينَ بعثرنا أَعْمارَنا في أزْمِنَةِ الذّبولِ...
    لا أَحَدَ سَيَحْمِلُ نَبَراتِ صَوْتِكَ ... ولا مَلامِحَ صَمْتِكَ ... ولا كِبْرِياءَ دَمْعِكَ ... ولا أَحَدَ سَيقْرأُ في عَيْنيكَ الرّاحِلَتينِ مُخطَّطَ ثَلاثةِ قُرونٍ مِنْ مُعاناةٍ لَطالمَا رَأَيْتُكَ فيها مُدْهِشًا ، وَرَأَيْتُ اِخْضِرارَ نَفْسِكَ مَعَ حَبّاتِ الْمَطَرِ ، وَوَشْوَشاتِ الصَّباحِ حينَ تَمْضي إلى الْحَصادِ، وتُدْهِشُكَ هَرولاتُ الغْسَقِ الهارِبِ مِنْ غَزوِ الْمَطَرِ ...
    أُحِسُّ يا جَدّي أنّني صُمْتُ طَويلاً عَنِ الْحِبْرِ ؛ لأفْصِحَ عَنْكَ ، ولِتَتوهجَ أوراقي بِحُضورِكَ رَغمَ الغِيابِ، حُبُّكَ لا يُجَمِّلُهُ الْبَياضُ ؛ لإنّه الْأَعْظَمُ ؛ ولِأَنَّكَ عَظيمٌ عِشْتَ عُمْرَكَ تُحْصي نُدوبَ الضّيْمِ، وتَرْثي مَجْدَنا النّائِمَ الذّي لمْ تُوْقِظْهُ أصْواتُ الْجيلِ الْجَديدِ، بَعْدَ أنْ كانَ زمَنُكَ مُدجّجًا بالْحُبِّ، وزَمَنُنا مُدَجّجٌ بالأحْقادِ.
    كُنْتَ الشّاهِدَ على زَمَنِ الْمَحبَّةِ ، وعلى زَمَنِ قَتْلِ الْمَحبَّةِ ، وعلى الصّيْحاتِ الْمَْطْعونَةِ بالذُّلِّ .
    أتَذَكَّرُ يا جدّي حينَ كُنْتُ أَحْشُرُ مَلامِحَ فُضولي في تَجاعيدِ وَجْهِكَ ، وأنْتَ تَشْعُرُ بالنُّعاسِ كُلّما آنسْتَ هُدوءًا ، وكأنّكَ تُغْمِضَ عَينيكَ على ماضٍ لنْ يَعودَ؟!!
    كنْتُ أراكَ شبابَةَ لِحنينٍ، بلْ كُنتَ السّائِحَ الْمُقيمَ في عالَمٍ لَيسَ بِعالَمِكَ ... لَمْ تُغْوِكَ فيهِ سُرْعَةُ الاخْتِراعاتِ، ولا الألوانُ الْمُسْتَنْسَخةُ للوجوهِ الْجَديدةِ الْعابِرَةِ في عالمَِكَ ، وكُنْتَ تَتناسَلُ منْ زَمَنٍ جميلٍ... لَمْ تَكُنْ تَمْقُتُ الّلقْمَةَ الناشِفَةَ،ولا خُبْزَ الشَّعيرِ، فقدْ لَقَّنَتْكَ الْحَياةُ حِكْمَةَ الْجُوعِ ، وكنْتُ أراكَ غَريبًا كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ شيىءٍ لمْ يَفْقِدْهُ ؛ أحاديثُكَ مختصرةٌ ، ونظراتُكُ حادّةٌ ، وكأنّها تُحَدِّثُنا بِسُؤالٍ يُلحُّ في أعْماقِكَ : ماذا يَحْدُثُ في الْعالَمِ؟
    جدّي يا سِنديانَةً لمْ يَهرَمِ الدّهْرُ في جُذوعِها .
    ماذا أخَذَ الْمَوتُ مَعَكَ ؟ أخذَ أحْلامَ أجيالٍ مُتعاقِبَةٍ ، ولكنّ فُصولَكَ باقياتٌ يَعِزُّ عليها هَجْرَ الأرضِ التي عَددتَ ذرّاتِ تُرابِها ، وَحَفرَتْ في وَجْهِكَ أخاديدَ تؤذِنُ بِزَمَنٍ مُضْنٍ .
    عِنْدما أتذكَّرُ كَلِماتِكَ وذِكْرياتِكَ عنْ زمانِكَ الجميلِ... أتَخَيلُكَ عابِدًا مَلّ صَخْرِيّةَ الأيّامِ التّي عاشَها في زَمانٍ لَيْسَ زمانهُ ، وقَدْ حَمَلْتَ مَعَكَ في رِحْلَتِكَ الطويلَةِ زوّادَةً للمسافاتِ التّي أرادَكَ اللهُ أن تَقطَعَها..
    مائةُ عامٍ ونيّفٍ جَعَلَتْكَ تَهْشِمُ ضِفافَ التاسعَ عَشرَ مِنها ، وَتَسْتَحِمُ في سَبْعٍ من الحادي والعِشرينَ ، وأمّا العِشرونَ فَقَدْ عِشْتَهُ بالرّفْضِ لا بالْخُضوعِ ، بَحْثًا عنْ مَجْدِنا الْمَخلوعِ مِنْ أعْماقِنا .
    أَتعلَمُ يا جدّي : كنْتُ دائِمًا أُحَدِثُ نَفْسي بأنّنا نَصْحو معَ الشّمْسِ كُهولًا ، وتَصْحو مَعكَ الشّمْسُ كَهْلَةً تَمْنَحُها شَبابَكَ ..
    زَمَنُنا يا جدّي عاقِرٌ أدمَنَ الصّمْتَ اِرْتَدَّ بعدَ اخْتِصارِ الصّهيلِ ، تاركًا مخالبَ الْحُزْنِ تَخْمِشُ أصْواتَنا ، ونَحْنُ نَقْتَرِفُ ذُعْرَ الطُّقوسِ الْمُهيبةِ ، وكنْتُمْ تَحْمِلونَ مناجِلَكُمْ لِتَحْصدوا الْقَمْحَ ، وعُيونُكمْ مُسمّرةٌ بالْوَطنِ .. نعم، إنّه الْوَطنُ الذّي يَسْري في عُروقِكُم ْ، وإذا أجْهَضَ الْقَحْطُ زُغْبَ الْعَصافيرِ ، واسْتحصدَ القمحُ في قريتِنا الفقيرَةِ انْتَظرْتُمْ غَيْمةً تَمُرُّ في تَمّوزَ ... وكنْتُ أتذكَّرُكَ وأنا صَغيرٌ كَيْفَ تأكُلُ صَبْرَكَ، وترفضُ مِنّةَ الأغْنِياءِ الذّينَ حَفَروا في أخاديدِ وُجوهِكُم هياكِلَ مِنْ ظُلْمٍ لا يُحَدُّ...
    كنّا نُحِبُّ الْجُلوسَ إليكُمْ حَوْلَ مَوْقِدِ الشّتاءِ كنَاياتِ الْحَنانِ الْعَذْبِ ، لِنَسْمَعَ أجْراسَ هِجْرَتِكُمْ، ونَرى زَمانًا جَفّتْ فيهِ بُيوتُ الطّينِ ، ووجوهًا جُبِلَتْ بالعُشْبِ والْكِبْريتِ ، وكُنْتُ أُحِسُّكَ وأنْتَ تَرفو بالْحنينِ قَميصَ غُصّاتِكَ ، وَكأنَّكَ تَقولُ لَنا : لَنْ يُثْمِرَ الزّيتونُ حباتٍ ألذّ منَ الصّبْرِ .
    أتَعلَمُ يا جدّاهُ كنتُ أودُّ أنْ تَرحلَ والتفاؤلُ رفيقُكَ ، ولكِنَّ زَمانَنا يَسْهَرُ تَحْتَ نَحيبِ الْهَجْرِ والبُؤْسِ والْعُمْرِ اليابِسِ ... كُنْتُ أتَمنّى أنْ نُمَجِدَ بينَ يديك َالحبُّ الطقسُ ، وأنْ نُعيدَ الفرحَةَ إلى أوطانٍ يائِسةٍ ، وأنْ نَرْفَعَ عنكُمْ غُصّاتِ التّعَبِ المرّةَ، ونُعيدكُمْ إلى زَمَنٍ يَبْعَث ُ في الأحْجارِ النّخْوةَ العَربيةَ ، ويشْربُ نَخْبَ نِساءٍ شارَكْنَ الرِّجالَ طُقوسَ الألَمِ ، تَحْتَ رُطوبَةِ جُدرانِ الطّينِ، وأبوابٍ بائِسَةٍ مُنْفَرِجَةِ الشّفاهِ ، لا يقيهُنَ عُيونَ الْمُتلصصينَ ، وَبَرْدَ الشِّتاءِ الْقارِسِ!! وفَيضَ عُصورٍ غارَتْ ، وَكُنْتُم فيها تَنْقشونَ أحْزانَكُمْ على أشْجارِ الزّيْتونِ ، وعلى سَنابِلِ الْقَمْحِ ، أو حيطانِ أفْرانِ الْخُبْزِ اللّذيذِ .
    وأتذكّرُ في أواخِرِ أيامِكَ كَيْفَ كُنْتَ تَحْمِلُ في جيوبِكَ حَبّاتِ الْحَلْوى لِتُوزِعَها على الْأطْفالِ، وأنتَ في طَريقِكَ إلى الْمَسْجِدِ ...
    كَثيراً ما كُنْتُ أفَكِّرُ : لِمَ يَفْعَلُ الجدُّ ذلكَ ؟ وأحيانًا كُنْتُ أتمنّى أنْ تَمْنَحَني بَعْضَ حبّاتٍ مِنْ حَلواكَ الشَّهيَّةِ ، وَبَعدَ مَوتِك عَرَفْتُ السِّرَّ...
    لقد رأيْتَ الْكِبارَ وقَدْ عاشوا في منافي الْوَهْمِ ، وتَرجو بِحَلْواكَ مُسْتَقبلًا أجْملَ لِجيلٍ قادِمٍ ، يَصْنعُ منْ فَرْحَةِ الأطْفالِ عالمًا مِنْ سَلامٍ ...كُنْتُ أظُنُّ أنّ حَبّاتِ الْحَلْوى كخاتَمِ ( اللُّبَيْك) تَصْحبُ أطفالَنا في هَودَجِ التَّطْوافِ في عالَمٍ قادِمٍ غيرِ عالَمِنا، وأمّا الْكِبارُ فَسيلْبَِسونَ عمَامَةً تَحْجِبُ عنْهُم الْفَهْمَ ، وجُعبًا مملوءًة بالصَّومِ عن النّخوَةِ ،وزَمانُهُم يَميسُ كَفاجِرَةٍ أفْعَمتْها الشَّماتَةُ، وفي أطْفالِنا وَعْدٌ بالْخُصوبَةِ .
    جدّاهُ يا راحِلا بِصَمْتٍ يوحي بأسْئِلةٍ حُبلى بالْخَصْبِ : ماذا سَتَفعلونَ يا نواطيرَ هذا الزّمانِ المأفونِ؟ ومَنْ سَيُقاضيكُم أمامَ أبْناءِ جيلِكُمْ ؟
    جدّي أيّها الرّاحِلُ النّقيُّ :كُنْتُ أتَمنّى أنْ أكونَ آيةً خَبّأتّها تَحْتَ وسادَتِكَ ، أو خِنْجَرًا في حِزامِكَ، أو سُبْحَةً رافقَتْكَ أيامُكَ ، ولكنّهمْ أسْلموكَ للتُرابِ ، وكان الْمساءُ خانِقًا يَتنفَسُ من رئاتٍ كَظيمَةٍ ، وأمّا الأطْفالُ فَسَيمرّونَ مِنْ طَريقِ الْمسْجِدِ اِنْتِظارًا لِحَلْواكَ الشّّهيّةِ ...
    سَأُسائِلُ عَنْكَ سَجاياكَ على أرْضِ ذاكَ الطَّريقِ ، وفي حَواكيرِ الْقَرْيةِ ، وفي بَسَماتِ الْأَطفالِ ، سَأُسائِلُ عَنْكَ دَرْبًا غَرْغَرَ بالْحُزْنِ بَعْدَ أنْ باتَ مُمْحِلًا أَمْرَدَ الْعُشْبِ ،وسَأُسائِلُ عَنْكَ دُموعَ عَمّاتي حِينَ كنْتَ تَمْنحهُنَ طُقوسَ ضِيافَتِكَ بالْبَسماتِ الْعِذابِ.
    جَدّي أيُّها الرّاحِلُ الْحَبيبُ : اغْرُزْني إِبْرةً في نَسيجِ الرَّحيلِ الْكئيبِ ، ودَعْني أَلْتَحِفِ الْبُكاءَ!!
    ___________
    * كتبت في رثاء المرحوم جدي ، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه.
    (1) عاش الجد المرحوم بإذن الله تعالى 112 سنة .
    أستاذي الكريم
    رحم الله جدك وأسكنه فسيح جناته

    من خلف السطور قرات مرارة الفراق، ولكنك في ذات الوقت قد أثريتنا بهذا الرثاء، فنعم الجد كان ومازال قابعا في طيات قلبك، ونعم الرثاء قد خط قلمك ونسج.
    وتقبل تعازي وتحياتي لك في ذات الوقت.

  8. #18
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أستاذي/ أمير النثر" د.سلطان الحريري":
    يا متوجا بقناديل من ذهب
    هل تمنحي شرف هذا التوقيع الم ــتأخر على مرثيتك..؟؟
    ولم يكن ذلكــ الا لعجز الحروفــ عن المواساة ..!
    رغم الوج ــع الا إنها مترفة حد الثمالة..!!
    رحم الله جدك واسكنه فسيح جناته
    سلمتــ ودام نبضكــنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    لكـ خالص إحترامي وتقديري وباقة ورد

  9. #19
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سلطان الحريري مشاهدة المشاركة
    جَدّي وحَلْوى الْأَطفالِ*
    أُحِسُّ يا جَدّي أنّني صُمْتُ طَويلاً عَنِ الْحِبْرِ ؛ لأفْصِحَ عَنْكَ ، ولِتَتوهجَ أوراقي بِحُضورِكَ رَغمَ الغِيابِ، حُبُّكَ لا يُجَمِّلُهُ الْبَياضُ ؛ لإنّه الْأَعْظَمُ ؛ ولِأَنَّكَ عَظيمٌ عِشْتَ عُمْرَكَ تُحْصي نُدوبَ الضّيْمِ، وتَرْثي مَجْدَنا النّائِمَ الذّي لمْ تُوْقِظْهُ أصْواتُ الْجيلِ الْجَديدِ، بَعْدَ أنْ كانَ زمَنُكَ مُدجّجًا بالْحُبِّ، وزَمَنُنا مُدَجّجٌ بالأحْقادِ.
    كُنْتَ الشّاهِدَ على زَمَنِ الْمَحبَّةِ ، وعلى زَمَنِ قَتْلِ الْمَحبَّةِ ، وعلى الصّيْحاتِ الْمَْطْعونَةِ بالذُّلِّ .
    .
    الأديب الكبير الدكتور سلطان الحريري

    وأنتَ تكتب عن جدك_ المغفور له بإذن الله تعالى _ شعرت بالتاريخ يبكي ويندب فراق عمالقة الزمن الجميل ، فراق رجال سطروا بدمائهم وحبات العرق الزكية المنسابة من على وجوههم تاريخًا وتراثًا لن ينسى ، يحكي عن أيام عزٍ و جاه ، كان فيها للرجال موقف وكلمة ، رجال بأمة ، رجال يرتضون الموت في سبيل المحافظة على كرامتهم ، رجال الزمن الجميل ، حاربوا وناضلوا من أجل العيش الكريم ، كان فقرهم غنىً ، وكان خبز شعيرهم ألذ وأطيب من أشهى المأكولات لأنه كان خبز العرق الطاهر الذي روى تراب أرضنا الحبيبة ، كان زمن الرجال الطيبين ، وزمن النخوة ، زمن من لا ينام وجاره جائع ، زمن من لا يرد سائلاً ولا مستجيرًا ، كان زمن الحلم الجميل الذي أضاعه_ فيما بعد _جيلاً مزيفًا أدعى الرجولة ، لنكتشف فيما بعد انه جيلاً مخصيًا لا يستطيع الإنجاب .

    وهنا يحق لنا أن نبكي معك جدك الفقيد ، فبرحيله الذي أدمى القلوب ، ترحل معه أجمل ذكريات الوطن ، وأجمل شاهد على عصرنا الذي دمرناه مع سبق الإصرار والترصد.

    يحق لكَ كما يحق لنا أن ننعى أنفسنا بفراق هذا الجيل الذي نرجو ونسأل الله أن يعوضنا عنهم بمثلهم ، وأن يغفر لهم ويدخلهم جنته برحمته الواسعة.

    لقد كتبت تاريخنا بكل حقائقه ، فكنت معبرًا عن أمة بأكملها.

    وأنتَ خير خلف لخير سلف ، بارك الله فيك.

    تقبل فائق احترامي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #20

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. جَدِّي
    بواسطة جمال علوش في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-06-2021, 09:15 PM
  2. حدثني جدي ....\ زياد جيوسي
    بواسطة زياد جيوسي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-06-2013, 07:31 PM
  3. مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 27-02-2009, 06:46 AM
  4. أين ذهب جدي
    بواسطة ايناس حلاوجي في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 14-07-2006, 07:59 PM
  5. جدّي
    بواسطة فهد حسين العبود في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 12-04-2006, 12:53 PM