مبحرا في ذكرياتي..
ترفعني موجة شوق وتخفضنى أخر وأنا متمسك ببقايا الحنين
تصارعني هواجس النفس فأركن إلي زاوية هادئة أعيد فيها ترتيب أفكاري
تختلط عندي الأمور فهذا خير كشمس الصباح مشرقا وذاك شر كقطع الليل متراكما
تمتزج فيه خيوط بيضاء تكاد من بياضها ان لاترى .
وفي النفس حاجات لا أدرى كيف أفسرها هل هي ندم أم حزن أم رغبات
أم هي مجرد مسميات أجيب عنها بصمت .
مبحراُ في الآهات...
فآواه... من تقلبت نفسى واهوائها وحيرتي وشكي بما حولي ،أنظر في
أعين الناس فلا آري غير نظرات تغتالني بابتسامة زائفة.
أيديهم التي تصافحني كأنها أشواك تنغرس في راحة يدي فتسيل الدماء بداخلي .
و يا صديقي إن كنت صاديقي ؟؟
تتغير الدنيا بأهلها ،وتنقلب الموازيين ,فيصير صدقي واخلاصي ،
كذب وخيانة ، في عالمنا أصبحت الصداقة قصصا تروي .
أين مفهوم الصداقة كما, تعلمناها , وكما عشناها ,وكما تربينا علي أن
ننساها .
صارت صداقتنا مجرد مصلحة متبادلة , إذا ما انقضت تنقضي معها كل
المعاني الجميلة .
وآواه من ألماً ما التأمت جراحه فهو ينزف ,وكيف يلتئم الألم والمآسي
من حولي تقضي مضجعي ، إذا ما أبصرت ذاك الشيخ المقعد المحطم الأعضاء
والفاقد لنعمة النظر والمنطرح في غرفة وحيدا لا أنيس له ولارفيق يسأل
عنه .
تكالبت عليه المصائب فصار المكان المحبب اليه هو ذاته ما ينفر منه العباد .
وكيف أكفكف الدمع وصوت ذاك الطفل الذي وهبته الدنيا الحياة و اخدت منه
حبيبتاه وهو يشتكي إلى أمه ويقول :
أماه ... أماه ... أماه ...
لماذا ولدت علي هذه الحالة , والأطفال من حولي يبصرون .لماذا حرمت رؤيا
ما تحمله الدنيا من جمال وزينه ؟ هل مقدراً لي أن أعيش بين المبصرين
لي عينان ولكن لأ تبصران .
أماه ... لماذا يحيط بي الظلام ، والنور أشعر به في صياح الأطفال وهم
يلعبون .
أماه... كما اشتاق لرؤياك ،ويضمني حضنك وتلفح وجنتي قبلاتك
ولكنها تختلط بدمع عيونك ، فأبكي بداخلي حزنا لحزنك .
وآواه من ذكري ايقضتها نظرة كانت مختبئة خلف ستائر النسيان
وكم تخدع العينان صاحبه ، فيظن أنه قد نسي وما نسي وكيف ينسى
وكل شئ يذكرنى بها ، ففي هذا المكان التقينا وتحدث بالحب شفتينا
وتلامست عند الغروب ايدينا وتعانقة بالشغف قلوبنا فصارت النبضات
تحكى قصة الحب وفي الغيب كتب علينا الفراق وما درينا .
مبحراً في الظلمات ...
وهل أشد من ظلم العبد للعبد وتسلط القوي المكين على الضعيف
المسكين وتجبر ذوي النفوذ على الفقراء المحتاجين ؟
من ظلام يسود النفس البشرية فيحيلها الي نفس ظالمة وان كانت
ترتدي ثوب العدل ، فقد يكون قمة العدل في الظلم ولكن هل يكون
في الظلم عدلاً.
أعلم أني أثقلت عليكم بحديثي وقد أكون أوجعت قلوبكم وأدمعت عيونكم
ولهذا سأخفف من وطئتى حديثي بحديث آخر تسلو به قلوبكم
فقد جاء في كتاب ( البخلاء ) للجاحظ يقول فيه :
( أن رجلاٌ من أهل مرو كان لا يزال يحجُ ويتجر، ونزل على رجل من أهل
العراق فيكرمه ويكفيه مؤنته، ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي :
ليت أني قد رأيتك بمرو ، حتي أكافئك ، لقديم إحسانك، وما تجدد لي من البر في
كل مجيء ، فأما ههنا فقد أغناك الله عني .
قال فعرضت لذلك العراقي بعد دهر طويل حاجة في تلك الناحية ،
فكان ما هون عليه مكابدة السفر ووحشة الاغتراب مكان المروزي هنالك.
فلما قدم مضي نحوه في ثياب سفره وفي عمامته وقلنسوته وكسائه
ليحط رحله عنده ، كما يصنع الرجل بثقته وموضع أُُنسه .
فلما وجده قاعداً في أصحابه ، أكب عليه وعانقه ، فلم يراه أثبته ، ولا سأل
به سؤال من رآه قط .
قال العراقي في نفسه:" لعل إنكاره إياي لمكان القناع ".
فرمى بقناعه،وابتدأ مُساءلته ، فكان له أنكر.
فقال : " لعله أن يكون إنما أتي من ِقبل العمامة".
فنزعها ثم انتسب ، وجدد مساءلته، فوجده أشد ما كان إنكاراُ .
قال : " فلعله إنما أتى من ِقبل القلنسوة " .
وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل .
فقال : لو خرجت من جلدك لم أعرفك .
وعوداً على بدء ..
تستمر فصول رواية الحياة بكل ما تحمله من لحظات
تندمج فيها دموع الفرح بالأحزان وانشراح الصدر بضيقه ، ولقاء الاحبة
بفراقهم ، ولله ذر( جميل بثينة) اذ يقول :
يا قلب صبرا إذا فجرت أحزاني ... لا الصبر يجدي ولا السلوان أنساني
من يوم فقد بثينة الجمال خبا ... للموت أرجو وقد جهزت أكفاني
أنسى حياتي ولا أنسى مباهجها ... والهجر ظلما أذاب القلب أدماني
إني أعود إلى ودّي أصافحه ... فالبعد عنكم من الآلام أضناني
يا منية الروح هذا القلب يسبقني ... للقرب ودّا فطول الهجر أشقاني
إلى بثينة سقت الروح هائمة ...الودّ يسمو بإحساسي ووجداني
إني أتيت صفاء الروح يحملني ... والقلب يغلي بآهات كبركان
أرجو ودادا يعيد العهد في ألق ... فاليوم أعلن أن الحب عنواني
نخلص في نهاية الحديث الى الحقيقة التى لا يختلف عليه اثنين وهى
أن الحياة وإن طالت فهى زائلة وتبقي الحياة التى نطمع ان نحياها جميعنا
حياة لا موت فيها .
وأيم الله ..
إن من تناقضات الحياة أن ترى شدتها في رخائها وفرحها في حزنها
فإذا ضاقت بك السبل وظننت أن الطريق أمامك مسدود وأن خيط الأمل
يتلاش أمامك وان رقعت اليأس تتسع في داخلك وان الإحباط يدثرك وأن
كل ما حولك كليل مظلم لا قمر فيه فقلى بربك كيف الخروج وكيف السبيل،
وإلى متى ترى النور أمامك ولا تستهدي أليه .
هو الحق والإيمان إذا ما تغلغل في نفسك بحب الله فتترك ما دونه من اجل رضاه
وتقنع بما قسمه لك في الحياة .
ذلك هو الحل وتلكم هي الوسيلة ،وتبقى الحياة مليئة بالتناقضات
واللبيب من نظرا إلى مصيبته بعين المعتبر الصبور .
يارب ....
أنعمت علي بالخير الكثير وجعلتني من خير أمة أخرجت للعالمين
وألبستني ثوب الفقر مع الاقتناع وكفيتني ذل السؤال وأغنيتني
من فضلك وحببتني الي خلقك فلك وحدك الفضل والشكر .
ألهمني اللهم الصبر علي ماهو آت وأغفر ماسبق
فأنت أرحم الراحمين
اللهم أمين ،اللهم أمين