السقوط الذريع المدوي لدولة إتلاف القانون المالكية في مثلث برمودا للفساد


تشير جميع التقارير الصحفية مؤخرآ بأن العراق بعد مرور أكثر من خمس سنوات على احتلاله يسير بخطى حثيثة نحو الهاوية والانزلاق المتسارع نحو الفساد المالي والإداري والذي خرج عن نطاق السيطرة الفعلية " غول الفساد " وأصبح يضرب بكل قوة تدميرية يمتلكها لجميع مفاصل ودوائر ووزارات ومؤسسات الدولة ( العراقية ) . فبعد مرور خمس سنوات لا يستطيع معظم الشعب العراقي بتأمين لقمة عيشهم حيث يعتمد نسبة كبيرة منهم تصل إلى 90% على ما توفره له البطاقة التموينية من مواد غذائية بسيطة والتي لم تصل حصصها بصورة كاملة كما في السابق منذ مدة طويلة , وحتى أن وصلت فمعظم موادها البسيطة تالفة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي بفضل استمرار ( حكومة دولة القانون ـ هكذا يقال عنها في وسائل الإعلام الحكومية المسيسة والموجهة ) بحماية كافة الوزراء والمسؤولين الفاسدين وعدم مسائلتهم عن فساد وزاراتهم وتقديمهم للمحاكمة مما ينتج عن هذا العمل السيئ عدم محاسبة أي مسؤول كبير في الحكومة بتهمة الفساد وتبذير الأموال وتوفير الحصانة لهم لغرض ممارسة أعمالهم ومواصلة السرقة أمام أنظار الجميع .

في أخر تقرير صدر من قبل منظمة الشفافية الدولية أعتبر العراق حاليآ أسوء بلد في العالم في التصدي لمكافحة الفساد , وأصبح يتربع على عرش الفساد الدولي بدون منازع وهو في المراتب الأولى بعد الصومال التي تحكم من قبل مجموعة من الأحزاب والمليشيات المتقاتلة فيما بينها ولا وجود لمعنى مفهوم الدولة فيها , وبعد منيمار التي يحكمها نظام فاسد بالأصل , وحتى مع الضغوط السياسية الهائلة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على منظمة الشفافية الدولية بعدم إدراج العراق على رأس اللائحة التي تصدرها سنويآ والاكتفاء بالمركز الثالث على اقل تقدير , حيث كان الهدف من هذه الضغوط السياسية لتقديم نصر زائف ووهمي للدول العالم وللشعب الأمريكي على التقدم الذي يجري في العراق بعد مرور خمس سنوات ومع ذلك فشلت أمريكا بتقديم صورة جيدة ولو بالحد الأدنى , فتقارير مجلس النواب والشيوخ الأمريكي على حد سواء والتحقيقات المتواصلة التي تجريها تكشف زيف وبطلان هذه الادعاءات .
لقد تم تداول أخر هذه التقارير الصحفية من قبل صحيفة نيوريوك تايمز يوم الأحد الماضي عن مسودة تقرير اتحادي لم يتم نشره لا سباب سياسية خاصة بحكومة الرئيس جورج بوش يصف عملية إعادة تأهيل وبناء العراق التي قادتها وأشرفت عليها أمريكا وحلفائها في الحكومة المنصبة قد بلغت مجموع ما تم إهداره من أموال وضياع 100 مليار دولار بصورة فعلية لم يعرف مصيرها أين تم صرفها ولا البناء الذي تم فعليآ في العراق واعد التقرير الذي عنوانه " الدروس الصعبة ... تجربة إعادة بناء العراق " مكتب المفتش العام الخاص بإعادة بناء العراق برئاسة ستيورات بوين جي ار وهو محام جمهوري يزور العراق كثيرا ويحتفظ بهيئة موظفين من المهندسين ومراجعي الحسابات هناك , وأعتمد التقرير على نحو 500 مقابلة وأكثر من 600 عملية فحص حسابات وتفتيش وتحريات ذكرها مكتب براون للسنوات السابقة وكانت النتيجة الفعلية لهذا التدقيق المحاسبي بأنه لا وجود فعلي لأعمار أو حتى إعادة بناء وإنما كانت هناك ضياع 100 مليار دولار .

وأضافت الصحيفة التي تلقت نسخا من شخصين اطلعا على هذه المسودة السرية , ولكن غير مسموح لهما بالتعليق علانية عليها أن " وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) نشرت تقارير مبالغ فيها عن إحراز تقدم للتستر على الفشل الذريع في عملية إعادة البناء , غير أنه أتضح فيما بعد أن لا وجود لهذا التقدم مطلقا إنما كان فقط صياغة أوهام على أنها حقائق موجودة على أرض الواقع " وتضيف الصحيفة حول هذا الفساد
ونقل على سبيل المثال عن كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق قوله " انه خلال الأشهر التالية لغزو واحتلال العراق عام 2003 استمرت وزارة الدفاع الأمريكية في تلفيق متعمد لأعداد قوات الأمن العراقية فقد قفز الرقم بصورة متتالية وسريعة من 20 ألف أسبوعيا و لدينا الآن 80 ألفا ولدينا الآن 100 ألف ولدينا الآن 120 ألفا وهكذا " وقالت الصحيفة أن كلا من اللفتانت جنرال ريكاردو سانشيز القائد السابق للقوات البرية الأمريكية في العراق وبول بريمر المدير المدني قبل تولي الحكومة العراقية زمام الأمور في يونيو حزيران عام 2004 أيدا رأي باول بوجود ذلك الكذب والتلفيق غير المبرر "
حتى أن وزارة الخارجية الأميركية أقرت مؤخرآ بانتشار الفساد المالي والإداري في العراق ، وقال مسؤول في الوزارة إنها مشكلة " مستوطنة وفتاكة " مفنداً الاتهامات التي تقول إن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تتستر على الفساد في العراق بغرض حماية حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي . وتزامنت هذه التوضيحات مع تصويت مجلس النواب لصالح قرار ضد معالجة وزارة الخارجية موضوع الفساد في العراق , واتهامها بإخفاء معلومات لأسباب سياسية . وهذا ما نؤكده دائمآ بأن الفاسدين عندما يرون رب البيت وحاميهم فاسد ومجرم لا ذمة وضمير لديه فأن أصحاب البيت ماذا سوف يكونون غير على شاكلته وهؤلاء وسيدهم الذي علمهم الفساد ينطبق عليهم المقولة التالية " إذا كان رب البيت للدف ضارب ... فما شيمة أهل البيت سوى الهز والرقص " .

لقد أدعى كذبآ وزورآ علنآ عبر وسائل الإعلام نهاية سنة 2007 ما يسمى برئيس ائتلاف دولة القانون والسيادة المزعومة نوري المالكي بأن عام 2008 سوف يكون عامآ لمحاربة وللقضاء على الفساد المالي والإداري بشكل نهائي وسوف يكون عامآ للأعمار وإعادة البناء , وهو تناسى قبل فترة بسيطة من أعلانه الصحفي هذا كان بدوره قد تم تعميم قانون بكتاب رسمي صادر من مكتب رئاسة الوزراء وموقع من قبله شخصيآ يمنع بموجبه أحالة أي وزير حالي أو سابق أو مسؤول بدرجة مدير عام على التحقيق في قضايا الفساد المالي و الإداري إلا بعد حصول موافقته شخصيآ , وهذا القانون بالذات كان مخالف لدستورهم الذي وضعوه هؤلاء أنفسهم ووافقوا عليه جميعهم , أي بمعنى أخر أنهم ينسفون دستور من الأساس , يقولون عليه في وسائل الإعلام الموجهة أنه أرقى أنواع الدساتير التي كتبة في المنطقة العربية ودول العالم ؟؟؟ !!! أرئيتم وقاحة وصلافة أكثر
وكل هذا بسبب حماية وزراء حكومة زمرة حزب الدعوة وزمرة المجلس وغيرهم المشاركين في حكومة الطغمة الفاسدة الحالية أو السابقة والذين كانوا قبل الغزو يعتاشون على مرتباتهم التي توفرها لهم صندوق الضمان الاجتماعي إضافة إلى ممارستهم للتزوير والتهريب , وكل هذا لغرض حمايتهم والذين كنا سابقآ نراهم في أدبياتهم الصفراء الإسلامية يكذبون حتى على الله , وليس على العراقيين بأنهم سوف يتم تأسيس دولة العدل الإسلامية وشعارها البراق هذا وتحولت بعد الغزو إلى تأسيس دولة الشيطان وانتشار الفساد والرذيلة بمختلف أشكالها وألوانها . المهزلة الأخرى والتي تبين عن مدى الفشل الذريع في تحقيق دولة ما يسمى بالقانون والعدالة هي بخصوص المادة " 136 " من قانون العقوبات رقم " 23 " لعام 1971 وهي المادة التي تم وضعها بفترة حكم النظام السابق والتي تمنع بموجبها إحالة أي متهم بمنصب وظيفي عالي إلى القضاء إلا بعد موافقة مرجعه الأعلى الذي يكون بالأغلب الوزير أو ما يفوقه بالمنصب وتلزم في تلك الحالة الجهة القضائية بالرجوع أساسآ للمرجع الذي له حق إيقاف كافة الإجراءات القانونية بحق المتهم بالفساد . وهذه المادة تم أعادة العمل بها بعدما تم شطبها وفق قانونهم ودستورهم , وكان مجرد ذر الرماد في العيون وقد أنقلب الأعلام الأصفر المشبوه الموجه في حينها وكتبت المنشورات ( المقالات ) الرخيصة والمبتذلة بعظمة مثل هذا الانجاز الحكومي , والذي يعبر عن حقيقة ( العراق ) ( الديمقراطي ) الجديد , وما زلت احتفظ بإعداد من هذه المنشورات ( المقالات ) الرخيصة كأصحابها ووجوههم الممسوخة وهم يتغنون بعظمة هذا الإنجاز من دولة القانون والتي تبين بعد فترة قصيرة كذبهم المفضوح ورأينا كيف يتم إرجاع هذه المادة بأثر رجعي من قبلهم لان هناك وزراء فاسدين ومفسدين يجب أن تتم محاكمتهم بل ويزيدون هؤلاء أصرارآ بان يصدرون قانون يساند المادة " 136 ب " لغرض توفير الحصانة الكاملة للوزراء والمسؤولين الفاسدين .
حسب التقرير الأخير لهيئة النزاهة لعام 2008 فأن هناك أكثر من 300 قضية فساد مالي وإداري لهذا العام ضد مسؤولين في الدولة العراقية لم تنفذ منها إلا بحدود 80 قضية شملت صغار الموظفين الفاسدين " الأسماك الصغيرة " وهؤلاء كانوا فقط مجرد كبش فداء " لحيتان الفساد " والمتبقي منها لم يستطيع احد تنفيذها لارتباط هؤلاء المسؤولين بأحزاب نافذة في السلطة تمنع معها من أي إجراء تحقيق نزيه ومستقل لغرض إدانتهم وهم محميين بصورة أو بأخرى من قبل أحزابهم ووزراء منفذين في الحكومة إضافة إلى عدم الجدية الفعلية من قبل رئيس الوزراء بمحاربة الفاسدين لأن هذا بالطبع سوف يندرج ضمن نظام الحكم الذي شكل على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية المقيتة .

يشكل نظام الفساد الحكومي من ثلاث أضلاع رئيسية متمثلة بالضلع الفساد الأول رئاسة الجمهورية وملحقاته والضلع الفساد الثاني رئاسة الوزراء وملحقاته , وضلع الفساد الثالث يتمثل في مجلس النواب وملحقاته وهؤلاء جميعهم يشكلون مثلث الفساد الخطير وهو أشبه بمثلث برمودا الذي يبتلع السفن والطائرات إلى المجهول في أعماق البحر السحيقة , ويضاهي لدينا مثلث برمودا من نوع أخر حيث يبتلع أموال العراق ولكن هذه تكون وجهتها معروفة إلى جيوب الوزراء والمسؤولين الفاسدين ومن ثم إلى البنوك الغربية الكافرة حسب نظرة الإسلام السياسي الفاسد الذي كانوا هؤلاء يروجون لمثل تلك التقولات الرخيصة .

لقد أصبح هذا المثلث الفاسد اليوم مثل النمل الأبيض والسوس الذي ينخر بجسد الدولة العراقية من الداخل وأصبح معها صعوبة السيطرة على انتشاره ومكافحته أذا لم تكن هناك وقفة وطنية عراقية شجاعة بعيدآ عن القومية الشوفينية والتحزب والتمذهب , وتكون قريبة جدآ من مساندة المواطن العراقي ويستطيع الشرفاء الذين هم قلة القليلة مع الأسف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , وهذا لن يحدث إلا أذا تم محاكمة هؤلاء الفاسدين وإرجاع الأموال التي تم سرقتها من قبل هؤلاء الوزراء والمسؤولين وطردهم إلى غير رجعة إلى مزبلة التاريخ تلعنهم أجيال العراق جيلآ بعد جيل .

600 مليون دولار هي قيمة المبالغ التي تم رصدها وتخصيصها إلى وزارة الخارجية ( العراقية ) منذ بداية شهر أيار عام 2003 لغرض إعادة بناء وتأهيل الوزارة والسفارات في الخارج ... هل لدى هوش يار زيباري ونوري المالكي الشجاعة لكي يقول الواحد منهم : أين ذهبت هذه الأموال ؟؟؟ وكيف تم صرفها ؟؟؟ وكم من هذا المبلغ تم اختلاسه ؟؟؟ بعقود وهمية ليس لها أي وجود على أرض الواقع وإنما على الورق فقط ... هل تعتقد عزيزي القارئ الكريم أن هؤلاء لديهم الشجاعة والرجولة لكي يخبروكم أين ذهبت هذه الأموال ؟؟؟ أليس أنتم من جلبتم هؤلاء في انتخابات يقال عنها كانت نزيهة وديمقراطية !!! لا نريد أن نتحدث عن الملايين الأخرى التي تم سرقتها تحت عنوان إعادة بناء وأعمار العراق ... فقط أطرحوا سؤال عليهم في مجلس النواب ... كما سوف يفعل أحد النواب قريبآ بعد أن أطلع على مقالنا المعنون " كيف تعامل نوري المالكي مع فضيحة اختلاس 600 مليون دولار من وزارة الخارجية ( العراقية ) " نتمنى أن تكون وقفته شجاعة لكي يتم محاسبة هؤلاء ... نتمنى ذلك أن يصدق أحدهم ويحاسب الفاسد والمسؤول عليه في دولة يدعي البعض منهم أنها دولة القانون والسيادة !!! ؟؟؟ ..


سياسي عراقي مستقل
باحث في شؤون الإرهاب الدولي للحرس الثوري الإيراني
sabahalbaghdadi@maktoob.com