أبياتها تقطر ألما ودموعا ودما
الباحة : قراءة علي آل صمدة الزهراني
*****************
الشعر والألم متلازمان فتثور العواطف مرة لهيباً لحد الاحتراق ومــرات اسى ولوعة وحرقة لدرجة الاغماءة وربما الموت فالموت " فلسفة " قد تكون على قيد الحياة ولكنك تموت آلاف المرات من خلال ما تشاهده وتسمعه وتقرأه وإن كان شاعرنا الكبير سعيد عقل يرى ان " وحي الشعر " ليس مرتبطاً بفرح أو حزن أو بكاء فقد يحصل العكس وتكون في قمة النشوة بالسعادة وتكتب نصاً حزيناً وربما العكس اذا هو شعر الشعر بمعنى " حزنه فرح وبكاؤه فرح وسعادته كآبة همها جرح " فالشعور وكسر اغلال المشاعر تهيج كل شاعر بفطرة او شاعر بهم المشاعر فتأتي الحروف خجلى مرة ومرات عجلى مهرولة تسعى تستقي معانيها من بحور الهم ومجاديف الغم حينما تجتمع لتصَّف في جسدٍ منهك اتعبه طول السفر وغاية الانتظار في لحظات الاحتضار قد تكون محملة بالاحزان قلب " شاعرة " انهكتها الآهات من أقاصي اقاصي الوجدان انها " وليدة الظلم والقهر والطغيان " سارة الخنيزان " الشاعرة التي استشعرت عظم الخطب فهالها ما صار في زوجها " حميدان التركي " وقصة اعتقالهما معاً تاركين وراءهما خمسة اطفال جوعى يتامى بلا يُتم قصة شاعرة تحكي قصة " شعرية " واختارت لها تلك " البكائية " التي تقطر اسى ولوعة ووجعاً مع انتظار حلم وأناة وأفواج الأمل تسير حثيثة نحو الماضي المجهول والمستقبل الغائب المشحون بتداعيات الحكم الجائر وغير المنصف من قبل السلطات الغربية بادعاءات وهمية من قبل خادمة انكرت بداية الامر ثم ما لبث ان شنت هجوماً غير مبرر على ارباب عملها الحميدان وزوجته سارة من عمليات اقل ما فيها انها سافرة من التحرش ...وعدم اعطاءها راتبها وبموجب تلك التداعيات اصدر الحكم جائراً " كعادتهم " بالمؤبد فتشردت الزوجة وكُلِئموا الاولاد ونكأت جراحهم الغائرة دون اي ذنب فعلاً ..! نحن في ملحقنا الثقافي نتناول قصيدة " صرخة ألم " لزوجة المعتقل في السجون الغربية " حميدان التركي " " فك الله اسره " محاولة منا في ايصال صوتنا الاعلامي وانكارنا الثقافي ولكن عن طريق الشعر :

تقول في مطلع حكاية " قصيدتها صرخة ألم " وان كان عندنا مثيل لها من خلال قصيدة وقصة " طاوي ثلاث " للشاعر المخضرم المثير والغريب الحطيئة والتي اكتملت معها عناصر القصة من خلال مطلع القصيدة بقوله :


وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل *** ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما

اخي جفوة فيه من الانس وحشة *** يرى البؤس فيها عن شراسته نعمى
إلى قوله :


فقال ابنه لما رآه بحيرة *** أيا ابت اذبحني ويسر له اللحما
حتى جاء الحل بقوله :


فبينما هما عنت على البعد عانة *** قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
حتى جاءت الخاتمة بقوله :


كراماً قد مضوا حقٍ غنماًوباتوا ضيفهم *** غرموا غرماً وقد غنموا أباًوما

ويات أبوهم من بشاشته *** لضيفهم والأم من بشرها أمَّا

مناشدة
نأتي الآن على قصيدة " سارة الخنيزان " صرخة ألم تقول في مقدمة نصها الشاكي الباكي :


ناشدت اهل البر والايثار *** ناشدت امة سيد الابرار

ناشدت من عُرِفوا بصدق عزيمة *** قومي رؤوس المجد والاكبار
خطابية مباشرة ثرية لا صور فيها ولا خيال ولكن الشاعرة اتكأت على " عاطفتها الصادقة الحارة " فأتت المقدمة للقصيدة عبارة عن تهيئة ارادت الخاص وان ناشدت العام ووصفتهم بأوصاف حميدة وان كان فهم في البيتين معنى النداء القريب المراد به البعيد من خلال "يا اهل البر والايثار ..يا أمة سيد الابرار ..يا رؤوس المجد والاكبار" . "الشخصيات" و "الأم" و "البطل المحوري" "الأب":


أنا بنت نجد بوركت وتهللت *** من أهلها ذي السادة الأخيار

زوجي ابن نجد في رباعها قد ربى *** شهماً طهوراً من ثرى الأطهار
أول الشخوص في هذه القصة الواقعية الأم والأب المحوران في الشخصيات كأن من نجد الطيبة والكرم والجود والطهر ومن ذي الاسياد والاخيار


العرض وطبيعة المشكلة

قد كبلونا بالحديد وحسبهم *** كف الدعاء يجود ليل نهار
الزج في السجن " امر طبيعي " بل على العكس قد يكون سجن الدولة افضل من سجن الظلم والقهر والطغيان ولكن مقدمات الاعتقال هي من عنتها الشاعرة امام مرأى ومسمع الاهل والجيران والاولاد وهذه لعمري أكبر مصيبة !! وقيدت شكواها الى الله سبحانه وتعالى متضمنة قوله تعالى : "انما اشكو بثي وحزني الى الله ". وهنا التفاتة لا بد ان تذكر وهي ان الشاعرة تثبت انه منتمية قلباً وقالباً إلى بلاد الحرمين الشريفين من خلال رفع اكف الضراعة الى الله ليلاً ونهاراً وهذه معناها المداومة تذكّر نفسها وغيرها !!


العقد الشعرية

قد رن في اذني بكاء احبتي *** خمساً من الاطفال في الاسحار

باتوا بلا ام وغيب والد *** وغدو كأيتام فيا للعار
سحبت الام ثم الاب والأطفال الخمسة يتضورون جوعاً ويفزّعون خوفاً امام مرأى الوالدين وهم لا حول لهم ولا قوة كلمة " رن " الهاجس الذي زادها اعتقالاً وحسرة وفرقة قد وظفتها الشاعرة بشكل جيد اي ان بكاء اطفالهما " مداومة " لا يهدأ !!وتركوا اكثر من اسبوع كالايتام رغم وجود الوالدين " فيا للعار " توبيخية لحفز الهمم للنجدة فهل من مجيب؟ !


كشفوا عن الوجه الحيي غطاءه *** وظهرت في الاعلام دون ستار

ورمت بالجرف الذي لم اقترف *** وكذاك زوجي زوج دون حوار
اكبر المصائب على المرأة " كشف سترحياءها " فما بالكم بالمرأة المسلمة المحتشمة ومما زاد الطين بلة !!امام مرأى ومسمع الجميع !! كلمة " جرف " اقتباس لطيف من الفاظ القرآن الكريم كلمة " زج " دليل على سوء المعاملة واحتقار الانسانية من قبل السجان دون حوار !!وهذا ديدنهم وطريقتهم المتكبرون المتغطرسون الحاقدون .

هنا تطلق الشاعرة " الصدمة وهول الفجيعة " فكانت اسباب الاعتقال واهية محض افتراء ويبدو أنه خطط له منذ فترة فكأنها اجملت ثم اتت بالتفصيل فمن حججهم البالية الملفقة ان زوجها تعرض لعرض خادمته !!وهذا مكمنه الحقد القديم الدفين على الاسلام واهله واضحاً بائناً للجميع هناك كلمتان مقتبستان من الذكر الحكيم وهي مبثوثة في ثنايا القصيدة هما " الفجار، افكار " .


رد بليغ

الله علام بصدق براءته *** ابنت وعالم اسراري محسناًفيما

مثل الشهامة كان زوجي *** في قومه من خيرة الأخيار
حينما يتوه المرء في دروب الضياع يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى يقيناً وإيماناً وتصديقاً وهذه مداومة كل مسلم ومسلمة وفي البيتين السابقين اكدت هذه الشاعرة المكلومة ان بعلها بريء فيما اتهم فيه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب واوردت اسباب البراءة لسببين اولهما : انه شبيه الشهامة ثانيهما : انه محسن من خيرة الناس والمصطفين ومن تكون هذه الصفات فيه ابعد عن الصاق التهم به !


انفجار عاطفي

قد الجم الهم الكئيب مناطقي *** وارتج قلبي وانطوى مشواري
هنا تتجلى عواطف زوجــة مكلومة نكأ جراحها ولم ولن تندمل؟ ! فالهم المصحوب بالكآبة " ثلاثية الشقاء تجلت هنا بوضوح " الهم الحزن الكآبة " في ابشع صورها وإن كانت هنا صورة فنية بديعة وظفتها الشاعرة بجلاء فصورت الهم الكئيب بلجام الفرس حين السباق وحين التوقف ولكن عند الشاعرة " حرية البوح " وعبرت بكلمة " مناطق " مبالغة منها في قوة اللجام وربما جمعتها الاستحالة الكلام ثم البوح به حتى تعدى الجوارح كلها ! الممكنة النجوى منها ! لذلك " رجع قلبها " قمة العواطف الجياشة الملتهبة طبعاً الصادقة الحرة وكأن مشوارها انتهى بسجنه والحكم الجائر ضده او ربما بداية الاسى وطول الحرقة ومسافات اللوعة !!


فسحة أمل

باب الإله فقد طرقت بابه *** بمغيبي امل بفك اساري

ثم التجأت إلى بني قومي *** ففي قلبي من الآمال كالامطار
هنا تعود الشاعرة المكلومة الى الالتجاء الى الله سبحانه وتعالى وهذه قمة المناجاة والاعتصام بحبل الله الوثيق املاً بفك سجن زوجها " ونحن نؤمن معها " اعجبني في الشاعرة تمسكها بعقيدتها واتضح اتساع ثقافتها من خلال " ثم " فاولاً الله ثم بني قومها تستحق الهمم العالية لنصرة زوجها وتبني قضيته وآمالها معقودة تشبيهاً بالامطار الغيث النا فع فإغاثة القلوب واغاثة النصرة والتمكين وكأن الشاعرة تستعير وتستلهم قول الشاعر :


اعلل النفس بالآمال ارقبها *** ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل

نداءات احتساب

هيا اسمعوا صوتاً بريئاً قد ثوى *** في السجن بين براثن الكفار

ارموا سهام الليل بالله الذي *** ينجيه فهو مقدر الاقدار
" النداء القريب هيا " تعبير صادق وسماحة باستبدال الرؤية والبصيرة ويروا مكان سجن زوجها الصابر المحتسب المظلوم بين الايدي " المتسخة " الكفار الذين لا يملكون ادنى مفردات الانسانية فقد سقطوا في الوحل منذ آلاف السنين وما زالوا !!وكذلك سماع انين مسجون بلّ بالدموع صدى صوته براءة من الله ورسوله ولن ينفعه سوى الدعاء الذي شبهته الشاعرة بالسهام وهذه صورة فنية تضاف لابداع الشاعرة :


الا حبتي اهدي دماء مدامعي *** فدمي على الوجنات دمع جاري

فاحبتي عرفوا بصدق اخوتي *** واحبتي هم نصرة الاحرار

الاهداء
هنا تقلب الشاعرة المفاهيم، فالاهداء بالدماء نوع من البكاء لاستنهاض الهمم وتشبيه دموعها بالانهار الجارية فوصفتهم بصدق الاخوة ونصرة دماء الاحرار فالدماء عندما تختلط تصبح اكثر ثباتاً، واوقع وجعاً وخير تأييد وابلغ همة وتمكين .


صرخة مظلوم

ما رد مظلوم بساحة عدلكم *** او صاحب عزة بقرار

بنيان امتنا يشد قوامه *** يا صرخة المظلوم صوتك عاري
تثبيت وتأييد وقع الظلم على زوجها وتستجدي، ذكرت في الابيات السابقة وتطالب بالعدل وانهم اهل له فالامر يحتاج الى عزة وتمكين وحكمة قرار وهنا استرجاع واستلهام حديث النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ..او كما قال وهنا " يا صرخة المظلوم " نداء يشوبه اسى ولوعة وتحسر بأن صوت المظلوم هناك لا يسمع وان يسمع لا يستجاب له بتاتاً؟ !!


يوم سيشرق بالبراءة *** وسترجع الاطيار للاوكار

يوماً سترجع يا أبا تركي لنا *** ويرد كيد كائد ببوار

ثم الصلاة على النبي وآله *** خير البرية سيد الأخيار
خاتمة " منطقية تشوبها كما في كل الابيات عاطفة جامحة صادقة ملتهبة لزوجة من فقد زوجها " ابو تركي حميدان التركي " داعية بالنصرة والتمكين وان يرد كيد الكائدين ويذهبه الى رماد - باذن الله آمين - وختمت بالصلاة والسلام على نبي الهدى خير البرية سيد الأخيار محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا اشارة لا بد منها وهي تشبيه يوم - واليوم اراد به الان والمستقبل دون تحديد ذلك اليوم - واسأل الله ان يكون ذلك قريباً جداً ان شاء الله، يوم ان تعدل كفة الميزان بالعدل بتحكيم ضمير الانسانية ورجوع زوجها الغالي عليها وعلينا جميعاً بالطائر الذي يعود الى بيته وكره .


فاصلة مهمة
وفقت الشاعرة في اختيار قافية " الراء " الذي ينبئ عن الحيرة والتردد وابلغ اثراً في النفوس وتعبير صادق عن مكنونات النفس البشرية فهو يحمل الاسى والمناشدة واللوعة والفراق والامل والتمكين .




http://www.albilad-daily.com/files/t...ure_index.html
جريدة البلاد الاثنين 24/9/1424هـ