وعيت الدرس من خسة نفسك.. من أنانيتك، من بعدك عن طبيعتك! أنت التي كنت وديعة وودودة. عيناك كانتا تحملان كل معاني الرقة واللطف، وكان بريقهما يحملني إلى عوالم كلها صفاء وصدق ومودة... وجبينك الذي كان الحياء يوشحه بنقاب وردي تطرِّزه لآلئ الإكبار والعفة ؛ فيقدح في مهجتي لهيب الشوق ويذكي حرارة الوجد... في راحتيك كنت أشتم عبير الحنان، فأنسى كل ما في عالمي من قسوة... وفي كل جديلة من شعرك، كنت أتنشق رائحة أوراق الصنوبر ممزوجة بأريج الياسمين وعطر الورود.
يا لخسارة قلبي فيك، يا واحة أمست جدباء بعد أن أتى قانون أهل الأرض على كل بساتينها، فإذا هي اليوم خاوية على عروشها، والثعابين تجوس خلال أكوام الهشيم والقش اليابس في كل جنباتها.
يا لخسارة قلبي فيك! حال الحب فيك حقدا، وأمسى محراب الجمال مذبحة لكل الآمال والأماني الحسان؛ وخلا من ترانيم البلابل وشدو العنادل، فلا يكاد الصمت فيه يأمن خبث الفحيح والنعيق المقيت.
جئتني اليوم محملة بالظلمات من أغوار الباطل، لتتغني ببطولة الخبث والنذالة... لتخنقي قلمي الذي سطر فيك الأشعار امتنانا وشكرا، وروى من جداول الحس الجميل أديم الجلمود الصلب بين ثنايا ما حوت جمجمتك النخرة، فأنبت فيها، على شحها، رياحينا وفلاًّ؛ حتى مدها واحة من خيال أغنى وأبهى... وأبى حقدك إلا دس النفاق والشقاق في شفاه زهور عشقتها صباحات العمر فنثرت عليها درر الندى زكية لماحة، لكن لوثتها ريح الظغينة فشوهت أكاليلها وأعطشت منها السوق والأوراق!
تضحكين الآن مني ساخرة، ويصور لك وهمك أنك الظافرة...
أنا لا أتغنى بالهزيمة. ولا أتلذذ طعم الدماء، ولا أطرب لنحيب ضحايا الجريمة.
بل أتغنى دائما بطهارة الحب وأقرب لانتصار الرحمة على حد الفضاضة، وأنتشي من رحيق السلام، وأتعطر بشرع الباري، وتسلبني لبي عفة النفس، ويغريني بالعشق سمو الروح عن دناءة المكائد وخسة الرياء وحطة الأخلاق... كم مرة قلت لك قولتي:"روحي في كفي وكفني على كتفي"، وإن وهمك أنك قتلتني سيتلاشى في ضباب سلطة قانونك متى انبلج صبح الحب النقي... عندها ستجدينني على ضفاف جدول الحياة، حيث الشحارير ترتل أنشودة السلام، ستجدينني أحمل كأسا مضمخة بقراح الطيبة والنقاء؛ وسأسقيك من المودة ما يشفي علة صدرك الموغل حقدا وموجدة. لأني لا أتقن غير بدل الصفاء والود، حتى لمن لم يعرفوا لهما معنى...
عندها فقط ستعرفين من منا البطل!